اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات متتالية لوضع مركز الملك عبد الله المالي على خارطة المناطق المالية عالمياً، وعاد المركز للواجهة بقوة منذ الإعلان عن تفاصيل "رؤية 2030"، وذلك بعد إعادة النظر في خطط المشروع، بالإضافة إلى 6 مدن صناعية، بسبب التأخيرات التي شابت المشاريع طيلة السنوات الماضية.
وبعد مرور أكثر من 10 سنوات على إعلان المشروع، ومرور عام على الموعد الذي كان من المفترض أن يكتمل فيه بناء المركز المالي السعودي في العاصمة الرياض؛ بدأت ملامح الأمل تتدفق مجدداً، وبدأ يأخذ حيزاً أكبر على طاولات الحوار، وخطط التحول الاقتصادي في المملكة.
وأعلنت السعودية أنها بصدد نقل ملكية مشروع مركز الملك عبد الله المالي بالرياض من المؤسسة العامة للتقاعد إلى صندوق الاستثمارات العامة، الذي يهدف لأن تصبح الرياض - عاصمة المملكة - مركزاً مالياً عالمياً، وهي خطوة تعد مثالاً جديداً على تنامي نفوذ صندوق الاستثمارات العامة.
ومن المقرر أن يصبح المركز مقراً لصندوق الاستثمارات العامة، الذي سيصبح الصندوق السيادي الأكبر في العالم، كما سيكون المركز منطقة خاصة بإجراءات ولوائح تنافسية مستثناة من تأشيرات الدخول، وهو ما سيسهل الحركة من المركز وإليه، خاصة في ظل ارتباطه مباشرة بالمطار من خلال قطار.
وصندوق الاستثمارات العامة هو واحد من صناديق الثروة السيادية العديدة التي تستثمر فيها السعودية فائض أموالها من مبيعات النفط والغاز، كما سيتم نقل أسهم شركة أرامكو إلى الصندوق، الذي سيكون الصندوق الأكبر على وجه الأرض، مقارنة بصناديق الثروة السيادية الأخرى، وفقاً لإحصاءات "معهد صناديق الثروة السيادية".
ويمتد المركز الواقع شمال الرياض، على مساحة 2 مليون و600 ألف متر مربع، أي ما يعادل 4 أضعاف مساحة "كناري وارف" في لندن، التي تعد ثاني أهم مركز مالي بريطاني.
وحسب رؤية المملكة 2030، التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان، سيصبح المركز المالي "منطقة خاصة"، تنظمها لوائح تنافسية بالمعايير الدولية، ونظام أيسر للحصول على تأشيرات الدخول، واتصال مباشر بالمطار، وكلها خطوات تزيد من فرص نجاح المشروع.
ونقلت رويترز عن الخبير الأمني الذي تربطه علاقات وثيقة بوزارة الداخلية السعودية، مصطفى العاني، قوله: "إن من الممكن أن تسير الإعفاءات من التأشيرات على غرار النظام الأمريكي، أو مثل تصاريح الإقامة التي تصدرها المناطق الحرة في الإمارات".
وبدأت أعمال الإنشاء في المشروع عام 2006، ووصل إجمالي الاستثمارات فيه إلى 10 مليارات دولار، وتم بناء 72 برجاً في المركز من قبل منفذ المشروع، الذي تبلغ استثماراته 10 مليارات دولار، ومساحته 1.6 مليون متر مربع، هي "شركة الرائدة"، الذراع الاستثمارية للمؤسسة العامة للتقاعد، في حين استلم تطوير المشروع مجموعة بن لادن.
ووفقاً للكاتب المتخصص في البيانات الاقتصادية، مارك فاهي، فإن نقل شركة النفط هي بداية خطة التنويع لمساعدة السعودية في الابتعاد عن الاعتماد على مداخيل النفط، حيث إن الصندوق ينوي جعل 50% من ممتلكاته في استثمارات خارجية بحلول عام 2020، وهذا يعني أن الصندوق الجديد سوف يقوم بصفقات شراء كبيرة في الخارج، وسيكون لديه بعض النفوذ في تلك المعاملات.
وبحسب مؤسسة "فاكتست لنظم البحوث"، التي تقوم بإحصاء نحو 41 ألفاً من صناديق الاستثمار عبر العالم ذات الأصول الإيجابية التي تحت الإدارة، استناداً إلى أحدث الأرقام المتاحة، فإن الـ41 ألف صندوق تتحكم بنحو 27 تريليون دولار من الأصول، لذلك سيملك الصندوق الجديد القوة الشرائية لنحو 10% من إجمالي سوق صناديق الاستثمار العالمية الحالية.
وتتنافس العديد من الدول على تجربة المراكز المالية الناجحة، التي يرى اقتصاديون أن نجاحها يرتكز على وجود رساميل كافية يمكن تجميعها للإقراض أو الاستثمار، وهو ما يتوفر في السعودية للقطاعين العام أو الخاص، إضافة إلى توفر إطار قانوني محكم ومتطور، وتوفر القوى العاملة المتخصصة في الشؤون المصرفية والاستثمارية.
وتحتل الولايات المتحدة 4 من أفضل 10 مراكز مالية في العالم، في حين تغيب منطقة الشرق الأوسط من تصنيفات أشهر المؤسسات المالية منها مؤسسة "ز/ين، Z/Yen" للأبحاث في بريطانيا، التي لديها مؤشر لقياس أداء المراكز المالية، وتصدر تصنيفاً سنوياً لقوة تلك المراكز، لذلك يرى مراقبون أن المملكة العربية السعودية ستكون في مقدمة الدول ذات الأصول السيادية الأكبر عالمياً، وفقاً لما تضمنته خطط التحول الاقتصادي، وإنشاء المركز المالي.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-