تم تصميم رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط. وتأمل الحكومة أنها سوف تكون قادرة على تحقيق هذا الهدف بحلول الـ20 عاما المقبلة. وسوف يتم دعم هذه الخطة من قبل صندوق للثروة السيادية يزمع إنشاؤه بقيمة 2 تريليون دولار، ومن المنتظر أن تحرك هذه الخطة البلاد بعيدا عن مسار الدخل الذي طالما اعتادت عليه.
خطط التحول الوطني الشاملة ليست شيئا جديدا. بداية من روسيا الشيوعية والصين إلى الأسواق الحرة الناشئة مثل ماليزيا وكينيا، وغالبا ما يكون القاسم المشترك بينها هو القلق بشأن المستقبل. تضفي مثل هذه الرؤى على الأمم إحساسا بالفخر وبوجود الهدف وبذلك يمكن لقادتها شراء وقت إضافي للبقاء في السلطة. ولكن غالبا ما يكون المستقبل الذي يرسمه هؤلاء المهندسون غير واقعي لأنهم يعتمدون بشكل كبير على بعض الموارد الموضوعة تحت تصرفهم مثل المال، ويقللون من أهمية الموارد الأخرى مثل المؤسسات ورأس المال البشري. ينبغي على كل بلد أن تعمل ضمن إطار القيود الخاصة المفروضة عليها من أجل أن تكون قادرة على تحديد أهداف واقعية لتحقيق النجاح. لا يمكن للمال وحده أن يمهد طريقك عبر هذه القيود على الرغم من أنه قد يسمح لك بالعمل بشكل أكثر فاعلية في داخلها.
التفكير حول قيود بلد ما
عند وضع خطة لتحويل اقتصاد بلد ما، فإنه من المهم النظر في القيود التي تعمل حكومته من خلالها. خذ ماليزيا كمثال على ذلك. في عام 1986، كانت ماليزيا تشهد معدلات مرتفعة من النمو بفعل عائدات النفط المتزايدة عندما شرعت في وضع رؤية 2020، وهي خطة لتطوير كامل البلاد بحلول ذلك العام. وتضمنت الخطة إعادة هيكلة صناعة السيارات الوطنية وإنشاء مدينة سيبرانية منافسة لوادي السيلكون إضافة إلى عدد من المبادرات الزراعية لتنمية مستوى معيشة السكان في المناطق الريفية في البلاد للخروج من الفقر. ولكن القيادة قد تغاضت في رؤيتها عن مجموعة من المثبطات الرئيسية مثل المشهد السياسي المتطرف في البلاد والذي من شأنه أن يقوض جدارتها. استمرت الدولة في إنشاء المدارس الذكية لكنها لم تقم بتدريب المعلمين على الاستخدام السليم للتكنولوجيا. وقد تم اختيار قادة القطاع الخاص، ثم إعدادهم، ليس طبق مواهبهم ولكن بقدر ولائهم للقيادة السياسية. في العام الماضي، اعترف رئيس الوزراء الماليزي السابق «مهاتير محمد» مهندس رؤية 2020 أن الحلم لن يتحقق، مشيرا إلى وجود مستويات منخفضة من التعليم والتصنيع والإنتاجية والأجور المنخفضة.
ومن المفيد أن نقارن بين نتائج خطة التحول الماليزية حتى الآن مع نظيرتها في سنغافورة. كانت سنغافورة لفترة وجيزة جزءا من ماليزيا، وعندما انفصل البلدان عام 1965 حصلت ماليزيا على شريحة أفضل من الكعكة، الغنية بالنفط والخشب والصفيح. وكان نصيب سنغافورة أشبه بكسرة خبز حيث خلت من أي موارد طبيعية. ناهيك عن كونها مطوقة من قبل منافستها ماليزيا إلى الشمال، وأندونسيا القومية من الجنوب والغرب والشرق. وبذلك فقد صار الانتعاش الاقتصادي للبلاد ضرورة أمنية.
كانت الميزة الأكبر للدولة عند حافتها الجنوبية حيث تقع شبه جزيرة الملايو والتي تقع على الطريق الذي تمر منه قرابة 40% من التجارة البحرية في العالم. كان التفكير في تطوير البنية التحتية للموانئ هي الخطة الطبيعية. ولكن ما هي قيمة البنية التحتية دون وجود نظام فعلي للاستفادة منها؟ في حين أن بلدانا أخرى اعتمدت على نحو غير متناسب على بناء البنية التحتية في محاولة للوصول إلى أهداف التنمية، فإن سنغافورة ركزت على المهمة الشاقة المتمثلة في جعل حكومتها أكثر كفاءة. إضافة إلى ذلك فقد قامت بالتركيز عل بعض الصناعات مثل تطوير الأداء المصرفي والتكنولوجيا الحيوية وهندسة البرمجيات، والتي لا تتطلب مدخلات كبيرة من الموارد الطبيعية.
أقامت البلاد بيئة اجتماعية واقتصادية جذابة للأجانب الذين يشكلون اليوم نحو خمس السكان، ويمثلون المحركات الرئيسية للاقتصاد. لقد أدركت سنغافورة طبيعة القيود المفروضة عليها وركزت استراتيجيتها الاقتصادية على مزاياها، وهو شيء فشلت ماليزيا في القيام به.
وضع أهداف واقعية
هناك العديد من العوامل المعقدة التي تؤثر في نجاح أو فشل التحول الاقتصادي. ولكن هذه الرؤى الكبرى غالبا ما تخرج عن مسارها بسبب الفشل في إدراك نقاط الضعف الخاصة بالبلاد ووضع أهداف قابلة للتحقيق. وهناك مثال مفيد على ذلك وهو قفزة الصين الكبرى إلى الأمام والتي كانت تسعى خلالها إلى زيادة التصنيع في البلاد على حساب الفلاحين. وهناك أيضا الميثاق الوطني الذي أعده الرئيس المصري الأسبق «جمال عند الناصر» وتضمن لائحة طويلة من الأهداف الطموحة التي لم يكن لديه القدرة على تحقيقها مثل توفير الرعاية الصحية الشاملة وتعزيز حقوق المرأة والتعليم المجاني وتحقيق تقدم كبير في البنية التحتية مثل توسعة قناة السويس.
عندما يكون هناك فصل بين الأهداف والقدرات فإن الدعم الشعبي والسياسي يبدأ في التلاشي وتصبح الأهداف بعيدة المنال. كتب «هيغل» في كتابه «فلسفة التاريخ» يقول: «إن الدول ذات البنية المتماسكة والقوية داخليا وهي تلك الدول التي تتوافق المصالح الخاصة لمواطنيها مع المصالح العامة للدولة. سياسة التجميع السوفيتية (تجميع الأراضي من الفلاحين وإدخالها ضمن حيازات جماعية كبيرة) تسببت في نفور الفلاحين وأتباع الثورة. رائد صناعة السيارات الماليزية الوطنية، بروتون، تقلصت حصتها السوقية إلى 21% في عام 2013 بعد أن كانت قد بلغت 74% خلال العقد الماضي بسبب سوء التصميم وعدم الموثوقية. وفي كلا الحالتين فقد تعارضت المصالح الخاصة والعامة التي تحدث عنها «هيغل».
في رواندا، تهدف الخطة رؤية 2020 في البلاد إلى نقل الاقتصاد من التركيز على الزراعة إلى القطاعات القائمة على المعرفة تمهيدا للانتقال التام إلى التصنيع. وقد نما اقتصاد رواندا بنسبة 6.5% خلال العام الماضي في حين مثلت الخدمات 47% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لإحصاءات الحكومة. استضافت البلاد المنتدى الاقتصادي العالمي في مايو/أيار الحالي، وقد وصفت من قبل من قبل البنك الدولي باعتبارها البلد الأفضل في إفريقيا للقيام بالأعمال التجارية من خلال خفض الروتين، والحوافز الضريبية وتحسين إدارة الحكم. ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من القطاع الخاص في البلاد غير رسمي وهي تعتمد بنسبة 30 إلى 40% من ميزانيتها على المساعدات الخارجية. معظم الروانديون يعيشون على الزراعة ومعدل الالتحاق بالمدارس الثانوية يبلغ حوالي 40%. كل هذا يلقي بظلال من الشك على ادعاء مجلس التنمية في رواندا أن «رواندا من المؤكد أن تكون سنغافورة إفريقيا بحلول عام 2020».
خطة طموحة في المملكة العربية السعودية
وقد وضعت خطة التحول السعودية هدفا طموحا لإنهاء اعتماد البلاد على النفط، لكنها ليست المرة الأولى التي حاولت فيها المملكة العربية السعودية الشروع في مثل هذه الخطة. في عام 2005، تم إطلاق مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بقيمة 100 مليار دولار، وهو مشروع عملاق كان من شأنه تطوير مدينة على طول ساحل البحر الأحمر من المنتظر أن تكون أكبر من واشنطن ويقطنها 2 مليون نسمة وتوفر مليون فرصة عمل بحلول عام 2020. ويبلغ عدد سكان المدينة الآن 5 آلاف نسمة فقط وتم تقليص مستهدف 2020 إلى 50 ألف نسمة.
رؤية المملكة لعام 2030 يمكن أن تكون مختلفة. مهندسها، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، ابن الملك «سلمان»، يخطط لإعادة هيكلة الحكومة بأكملها. في 7 مايو/أيار، أعلن الملك «سلمان» عن استبدال وزير النفط وإعادة هيكلة بعض الوزارات. ومن المتوقع أن يتم إدخال المزيد من الإصلاحات في القطاعين العام والخاص للتواكب مع الخطة الاقتصادية والاجتماعية التي يقول ولي ولي العهد أنها تعكس أولويات جيله الذي يختلف عن الأجيال السابقة. تشمل خطة الأمير أيضا صرح عام أولي لقرابة 5% من أسهم شركة أرامكو السعودية، شركة النفط الحكومية، في الأسواق الدولية بما يسمح للبلاد باستخدام هذه العائدات لتنويع اقتصادها في الصناعات غير النفطية.
كما هو الحال مع جميع خطط التحول الوطني، فإن هذه الخطة تهدف إلى الحد من الفساد وتعزيز الشفافية في المملكة التي تحكمها السرية العشائرية. يهدف الأمير أيضا إلى رفع الضرائب وخفض الدعم بما يوفر 30 مليار دولار حلول عام 2020.
تشمل الرؤية أيضا وقف خطط استكمال جزء من مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وست من المدن الصناعية الأخرى المخطط لها، والتي كانت تهدف أيضا إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
ومثل جميع خطط التحول السابقة، فإن نجاح رؤية 2030 يعتمد على الدعم من قبل الشخصيات النافذة والقواعد الشعبية. المحافظون الدينيون هم من بين أقوى أعضاء المجتمع السعودي ومن المرجح أن يبدوا مقاومة لأي خطة تدعو إلى تدعو إلى تخفيف القيود الاجتماعية وزيادة الاستثمار الخارجي. وفي الوقت نفسه، فإنهم يعتمدون على بيت آل سعود من أجل تأمين سلطتهم. تأمين الدعم بين الشباب، الذين يشكلون أكثر من 50 % من السكان، يمكن أن يسهم في قطع شوط طويل للتصدي لنفوذ المحافظين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أحد الدوافع الملحة التي تقف خلف هذه الخطة هي الحاجة الماسة للحكومة إلى النقد. 90% من إيرادات الحكومة تأتي من النفط وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى التوجه نحو خفض الإنفاق وتكثيف الاقتراض. عانت البلاد عجزا قدره 21.6 % من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا من 3 % فقط خلال عام 2014.
من الناحية الجيوسياسية، فإن المملكة العربية السعودية لا ترتكز على أسس راسخة. وهي متورطة عسكريا في اليمن وتواجه تهديدات من قبل «الدولة الإسلامية». كما تتزايد الخلافات بينها وبين الولايات المتحدة في الوقت الذي يتناقص فيه اعتماد واشنطن على النفط السعودي وتتجه للتقارب مع إيران. . كما ناقشنا سابقا، فإن المملكة العربية السعودية، من نواح عديدة، تتجه نحو الفشل.
رؤية 2030 تعد بتحول مثير. وفي حين أن حدوثه يعد أمرا ممكنا إلا أن التاريخ لم يكن رحيما مع معظم الذين حاولوا من قبل.
جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-