على نحو دعائي، ووسط ضجيج إعلامي غير مسبوق، تم الإعلان عن الرؤية السعودية 2030، أو خطة السعودية لما بعد النفط. الرؤية التي تم ترويجها إعلامياً بأنها الأكثر جرأة وشمولاً في تاريخ المملكة، وحظت بتأييد أمريكي وبريطاني، أثارت شكوكاً لدى العديد من المحللين والمراقبين حول مدى إمكانية تنفيذها، وسط نظام بيروقراطي شمولي، حجر أساسه الاتفاق مع المنظومة الوهابية، وخاضع لفكر ديني متطرف ومنغلق.
أعلن ولي ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود عن خطة جديدة للاقتصاد السعودي في مقابلة متلفزة مع إحدى القنوات السعودية في 25 ابريل الماضي. قال إنه يمكن لبلاده بموجبها إنهاء ما أسماه "إدمان" المملكة على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد بحلول العام 2020 (أي بعد أقل من 4 أعوام من الآن)!
لا يبدو أن ذلك يحظى بالكثير من المصداقية، فلا زالت الخزينة السعودية تعتمد بنسبة 90٪ على إيرادات النفط الخام، حتى وقت إعلان بن سلمان عن رؤيته المنفردة في مؤتمر صحافي (25 أبريل/ نيسان 2016).
لقد أعلن نجل الملك عن عناوين وأرقام كبيرة تضمنتها الخطة الجديدة. وليس معلوما ما إذا كان الرجل يملك برنامجا تنفيذيا لها. يقول الأمير السعودي الصغير إن بلاده تسعى لتأسيس صندوق للاستثمار "يسيطر على 10% من القدرة الاسثمارية في الكرة الأرضية". كما تقول الخطة إن السعودية ستقتحم مجال الصناعات العسكرية لتغطية ما نسبته 50% من إنفاقها بما في ذلك مجال الطيران العسكري، وتوضح "يعد وطننا من أكثر الدول إنفاقا في المجال العسكري، حيث كنا في المرتبة الثالثة عالميا العام الماضي، غير أن أقل من 2% من هذا الإنفاق ينتج محليا (...) هدفنا توطين ما لا يقل عن 50% بحلول العام 2030 بإذن الله!"
ليس ذلك ما يثير الشك فحسب، فقد أعلنت الخطة عن نية السعودية تحقيق قفزات هائلة عالميا في مجالات مختلفة بينها الانتقال من المركز 80 إلى المركز 20 على مستوى فاعلية الحكومة، ومغادرة المركز 36 إلى المركز الخامس عالميا في مؤشر الحكومة الإلكترونية.
واعتبر مسؤولون سعوديون ومدراء تنفيذيون ومستشارون كانوا قدا اجتمعوا قبل ذلك بنحو شهرين بأحد فنادق العاصمة الرياض، لبحث مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل تراجع أسعار النفط، أن برنامج الإصلاح "غامض ومحفوف بالمخاطر".
وأضافوا "إنه يشتمل على بيع أصول، وزيادة في الضرائب، وخفض الإنفاق، إضافة إلى تغيير في أسلوب إدارة الدولة لاحتياطاتها المالية ودور أكبر للقطاع الخاص".
كثيرون يشككون في حقيقة ذلك، فالخطة التي رافقتها حملة دعائية واسعة لم تكن الأولى من نوعها في المملكة، وسبق أن نفذت السعودية خططا عشرية وخمسية آخرها في العام 2010 حيث كان مقررا بموجبها خفض البطالة، إلا أنها وعلى النقيض من ذلك انتهت بارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
ناصر قلاوون وهو محلل اقتصادي مقيم في لندن يرى أن من بين الصعوبات التي ستواجه تحقيق الأهداف المسطورة: البيروقراطية، وأكد أن إصلاح البيروقراطية في البلاد وجعلها أكثر فاعلية سيكون شرطا من شروط نجاح هذه الرؤية.
بدوره يقول الكاتب الصحافي عبدالباري عطوان إن "إصلاحات بهذا الحجم والطموح تتطلب أولا هيكلة إدارية متطورة ومتكاملة ومعالجة مشكلة الفساد التي تتسبب في إهدار جزء كبير من مداخيل الدولة".
وحلت السعودية في المرتبة (48) على مستوى مؤشر مدركات الفساد التي تصدره منظمة الشفافية الدولية، ويصعب إخضاع السلطة التنفيذية، التي تهيمن عليها العائلة الحاكمة، للرقابة، وليس مرجحا أن يتم مناقشة أو تعديل الخطة أو مراقبة تنفيذها، في ظل عدم وجود برلمان أو مؤسسات مستقلة يمكن لها محاسبة السلطات.
وتحت عنوان "برنامج السعودية الطموح للإصلاح؟"، اعتبرت "فايننشال تايمز" أن الرؤية "تمرين محفوف بالمخاطر"، وأضافت أن "حجر الأساس للمملكة هو الاتفاق بين آل سعود والمنظومة الوهابية، التي في مقابل السيطرة على التربية والنظام القضائي، تؤمن للحكام شرعيتهم. وبالرغم من أن بن سلمان أطلق بعض العيارات النارية في وجه الوهابيين، إلا أنه من الصعب معرفة كيف ستتقدم هذه الإصلاحات إذا بقي التحالف بين الطرفين بالشكل الذي هو عليه اليوم".
بدورها، اعتبرت مجلة الـ "إيكونوميست" أنه "لتحقيق رؤية شجاعة، على المملكة أن تفتح آفاقها للتجارة الحرة والإستثمار والزائرين الأجانب ولمعايير عالمية من التصرف كالشفافية والقوانين المتحررة من الدين، وهي جميعها عدوة لرجال الدين المتشددين في المملكة الذين سعوا لعقود لإغلاق أبواب العالم الخارجي أمام السعوديين، بالإضافة إلى أن أحد العراقيل المهمة هو كسل مجتمع تربى على أن الثروات النفطية يجب أن توزع عليهم من دون تعب".
هكذا إذاً، قد تبدو "الخطة متقدمة وجريئة والكلام سهل. الصورة تبدو براقة على الورق ولكن عندما نأتي إلى التطبيق على الأرض تُطرح علامات استفهام كثيرة وهي مشروعة" بحسب عطوان.
مرآة البحرين-