ما قبل طرح الرُّؤية 2030 والتَّرفيه يعدُّ في ثقافة المجتمع السعوديِّ من المفاهيم المحذورة والمحذَّر منها لم يعتد السعوديُّون سماعَها إلاَّ في مجال نقدها سلبيّاً
انسجاماً مع رؤية السُّعوديَّة 2030 أصدر خادمُ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – يحفظه الله – أمراً ملكيّاً بإنشاء هيئة عامة للترفيه برئاسة أحمد بن عقيل الخطيب؛ ممَّا أحدث ردود فعلٍ واسعة في أوساط المجتمع السعوديِّ بمختلف أطيافه وشرائحه، فنُسِجَتْ آمالٌ وأحلامٌ وتطلُّعاتٌ لمستقبلٍ أزهى ولرفاهيةٍ أعلى؛ فالتَّرفيه توجُّهٌ تنمويٌّ لتعزيزِ الرفاهية باستثمار أمثل للمواطن لدخله، تحدَّث وليُّ وليِّ العهد صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن سلمان في مجال عرضه للرُّؤية 2030 قائلاً: إنَّ مستوى دخل الفرد السعوديِّ يعدُّ من الأفضل على مستوى العالم، لكنَّ مشكلته افتقاده لأدوات ينفق دخلَه فيها بما ينعكس على رفاهيته في الحياة، فدول أخرى أقلَّ بكثير بمستويات الدخل لمواطنيها لكنَّهم يعيشون بمستوياتٍ أفضل بما لديهم من فرصٍ ترفيهيَّة وثقافيَّة أجود من المتوفِّرةِ للمواطن السعوديِّ؛ لذلك فالتَّرفيه والثَّقافة سيكونان رافدين مهمَّين في تغيير مستوى معيشة المواطن خلال فترة قصيرة، وهذا يعني أنَّ الوطنَ على أعتاب مرحلةٍ جديدة بكافة تفصيلاتها.
فإلى ما قبل طرح الرُّؤية 2030 والتَّرفيه يعدُّ في ثقافة المجتمع السعوديِّ من المفاهيم المحذورة والمحذَّر منها لم يعتد السعوديُّون سماعَها إلا في مجال نقدها سلبيّاً، لكن ظهورها كعنوان بارزٍ في السِّياسة التنمويَّة يعدُّ مستجدّاً لافتاً للنظر، يستدعي التفكيرَ فيه في ضوء الرُّؤية المرتكزة على مفاهيم لم تكن قبلُ في الحسبان، مفاهيم كانت تُطْرَحُ سابقاً ضمن مؤامرة الغزو الثقافيِّ لتغريب المجتمع، وهجٌ من الرُّؤية مبهجٌ لشرائحَ من المجتمع السعوديِّ ظهر في الحوارات المباشرة وفي جهات التَّواصل الاجتماعيِّ، رافقه تشاؤم وتحذير شرائح أخرى قَصُرَتْ أفهامها عن إدراك أهدافِ الرُّؤية في مجال ثقافة التَّرفيه، أو أنَّ أفرادها يطرحونها نكايةً بالشرائح المبتهجة، وزعماً منهم بأنَّ هيئة التَّرفيه ستُخْرِجُ المجتمعَ من دينه وتقاليده وقيمه ومبادئه بدعواتٍ وبرامج لانفتاحٍ غير منضبط سيجرُّ لمخالفاتٍ شرعيَّة متجاوزاً سياجَات الفضيلة، علماً بأنَّ الرُّؤية المبشِّرة بهيئةِ التَّرفيه نصَّت في مدخلها على أنَّ الإسلام بمبادئه وقيمه وتشريعاته يمثِّل للوطن ولمواطنيه منهجَ حياة باعتباره مرجعاً لكلِّ الأنظمة والقرارات والتَّوجهات والبرامج، ولا شكَّ في أنَّ معالي رئيس هيئة التَّرفيه يعي ذلك وسيضعه نصب عينيه في خطواته بتأسيسها بدءاً من اختيار مساعديه إلى سَنِّ أنظمتها وتشريعاتها فلن يخرج بها عن الثوابت الدينيَّة والاجتماعيَّة لهذا الوطن.
يعدُّ التَّرفيهُ عاملاً رئيساً لبناء المجتمع المدنيِّ وفق معايير فكريَّة وتربويَّة تنعكس على جوانب الحياة، وللرُّؤية 2030 طموحٌ لم تتصوَّره بعدُ شرائحُ من المواطنين، ولن يدركوا أبعادَه إلا بدعمهم الرُّوية فيما رسمتْ من ملامح وأهدافٍ وبرامج، فالتَّرفيه مطلبٌ يتلو توفير الاحتياجات الأساسيَّة للمواطن من تعليمٍ حديث وصحةٍ وقائيَّة وعلاجيَّةٍ وعملٍ ووظيفةٍ وسكنٍ وغذاءٍ صحِّيٍّ؛ بحيثُ لا يصطدم بمنافسة الوافدين على العمل والوظيفة، ولا باستغلالٍ تجاريٍّ يصعِّبُ انفتاحه على المستقبل، ولا باستقطابٍ سياحيٍّ له من دول الجوار، فمطالب المواطنين لهيئة التَّرفيه مطالبُ مشروعةٌ في ضوء ثوابتهم الدينيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة وقيمهم ومبادئهم وتقاليدهم فيطرحونها بالآتي:
* تحويل كلِّ منشأةٍ تاريخيَّة أثريَّة لمحتوى ترفيهيٍّ جامعٍ بين التراث والآثار والسياحة الترويحيَّة.
* استحداث مرافق رياضيَّة اجتماعيَّة في أحياء المدن والقرى ذات كفاءةٍ عالية ومتنوِّعة غير مقتصرة على الألعاب التقليديَّة، ونواد اجتماعيَّة للمسنِّين بنوعيهم ذكوراً وإناثاً، وإنشاء مزيدٍ من المدن التَّرفيهيَّة للأطفال وللشباب وللنساء ولذوي الاحتياجات الخاصَّة، تتضمَّن مكتباتٍ وقاعاتِ سينما ومسارحَ مناسبةً ملبِّيةً مطالب كلِّ شريحة بحسب فئتها العمريَّة والنوعيَّة.
* طرح دورات تدريبيَّة لتأهيل الشَّباب والفتيات للعمل المنتج فاتحةً لهم آفاقاً في التفكير المتناسب مع الرُّؤية 2030؛ ليسهمَ بإعدادهم طموحاً وسعياً للعمل واستمتاعاً بترفيه حافزٍ على ذلك.
* الاهتمام بالفنادق وبالشقِّق المفروشة وبالاستراحات وبمحطات الطرق السريعة بين المدن والمناطق؛ لتكون جاذبةً سياحيّاً وترفيهيّاً ممتعةً لروَّادها وللمسافرين.
* تطوير الشواطئ والصحارى بيئيّاً وسياحيّاً بتوفير قوارب النزهات البحريَّة وجولات السفاري الصحراويَّة والجبليَّة؛ للاستمتاع بسيول الأودية المؤقَّتة والمفاجئة وبالنبتات الصحراويَّة؛ وبالصيد البحريِّ وبصيد الطيور والحيوانات في مواسمها المتاحة نظاماً، والعناية برياضة تسلُّق الجبال وصعودها؛ باعتبار تلك متطلَّبات سياحيَّة في حوافزها وممارستها، وبتوفير إقاماتٍ سكنيَّة ثابتة ومؤقَّتة حفزاً للمشاركات العائليَّة.
* تطوير المجمَّعات التجاريَّة والأسواق العامَّة والشعبيَّة والريفيَّة ومعارض الصناعات؛ بما يلبِّي اهتمامات طالبي الترفيه والخدمة السياحيَّة بخدمات تسوُّقيَّة تشكِّلُ جزءاً من نشاطات عائلاتهم.
* مواكبة المهرجانات والاحتفالات ومعارض الكتاب والصناعات بعروضٍ فنيَّة وشعبيَّة تلبِّي اهتمامات السائح بمختلف فئاته السنيَّة والنوعيَّة، والاعتناء بالخدمات المرافقة لها من تسهيلات الضيافة والإمداد في مواقعها؛ لتعكسَ عليها طابعاً سياحيّاً وترفيهيّاً يحقِّق اهتمامات مختلف شرائح طالبي الترفيه والخدمات السياحيَّة.
* معالجة مشكلات الطرق إلى المواقع السياحيَّة سفلتةً وصيانةً وخدمات طرق؛ لحفز استثمار الإمكانات السياحيَّة المتاحة ولتفعيل عناصر الجذب السياحيِّ بخصائصها الجغرافيَّة الطبيعيَّة، ومعالجة قصور الخدمات البلديَّة والبيئيَّة لمعظم المواقع السياحيَّة.
* اعتبار هذه المطالب والاحتياجات مدخلاً لسياحة التَّرفيه، واستقطاب الخبرات السياحيَّة الوطنيَّة والعالميَّة لتطوير هذه المطالب والإمكانات الوطنيَّة بالتخطيط لمزيد من الإجراءات والآليَّات والوسائل، ولدراسة الإمكانات المتاحة في مناطق المملكة دراسات علميَّة والتعريف بها حفزاً لاستثمارها سياحيّاً باستقطاب المستثمرين والسيَّاح، وهذا يعني أنَّ أمام هيئة التَّرفيه بالتعاون مع هيئة الثقافة ومع هيئة السياحة والآثار مجالاتٍ من التخطيط للتطوير، يسبقه ويتزامن معه دورٌ إعلاميٌّ واسع، فبدونه ستظلُّ الإمكاناتُ السياحيَّة المتاحة معطَّلةً وبعيدةً عن طالبي الخدمات السياحيَّة بمجاليها البيئيِّ والترويحيِّ التَّرفيهيِّ، وسيظلُّ المستثمرون بعيدين عن تقديم المنتجات السياحيَّة والتَّرفيهيَّة لطالبيها.
عبدالرحمن الواصل- الشرق السعودية-