مع إقرار مجلس الوزراء السعودي "برنامج التحول الوطني"، الذي يشمل خطوات عملية للخطة الاقتصادية الطموحة، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، والتمهيد لمرحلة ما بعد النفط، شرع عدد من المؤسسات الحكومة والخاصة بتطبيق الخطوات العملية التي من شأنها تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
وبرنامج التحول الوطني هو برنامج تنفيذي لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 في قطاعات عديدة، أهمها قطاع الاقتصاد، والخدمات، واحتياجات المواطن، كما يشمل تجربة خصخصة شركة اتصالات السعودية، وطرح أسهمها للاكتتاب العام، وكذلك المستشفيات القابضة والمملوكة لوزارة الصحة السعودية.
ووصف المشروع الذي أطلقته المملكة، أواخر أبريل/نيسان الماضي، بأنه أضخم مشروع تنمية وتحول في تاريخ المملكة الحديث، حيث وافق مجلس الوزراء عليه، مسمياً إياه بـ"رؤية السعودية 2030"، ويتمحور المشروع حول الاقتصاد، إلا أن تطبيقه يقود لسلسلة تغيرات في شتى مناحي الحياة في السعودية، كما يتضمن طرح شركات في 18 قطاعاً للخصخصة؛ بهدف رفع تنافسيتها، وتشمل قطاعات الرعاية الصحية، والتعدين، والنقل، والتعليم، بالإضافة إلى أنه من المقرر أن تنتهج الحكومة مساراً أكثر نشاطاً في إدارة الاحتياطيات المالية للبلاد، وذلك بحسب مسؤولين واستشاريين مطلعين على الأمر.
ووفقاً للبرنامج، فإنه سيجري طرح مشروعات جديدة في مجال البنية الأساسية، مثل تشييد الطرق والموانئ من خلال عقود البناء والتشغيل، ونقل الملكية "بي.أو.تي"، التي تقوم من خلالها الشركات الخاصة بتمويل المشروعات وتشغيلها؛ من أجل استعادة مبالغ الاستثمارات، وتحقيق أرباح تسرع من الوتيرة البطيئة لبرنامج الخصخصة، كما تشمل الخطة كذلك عمليات بيع أصول، وفرض ضرائب، وخفضاً للإنفاق، وتغييراً لطريقة إدارة الدولة للاحتياطيات المالية، وتوجهاً لتعزيز الكفاءة والفعالية، وإعطاء دور أكبر لمشاركة القطاع الخاص في التنمية.
ورفع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي الأحد 5 يونيو/حزيران، البرنامج المنبثق من رؤية المملكة العربية السعودية 2030، الذي أعلنه ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في وقت سابق، لخصخصة القطاعات، وخفض الاعتماد على النفط، ضمن خطط إصلاح تهدف لتنويع مصادر الدخل بعد تراجع عائدات النفط بنحو 70% منذ منتصف عام 2014، حسبما أفادت وكالة "الأنباء" السعودية.
ورغم أن المشروع يهدف إلى تعزيز اقتصاد المملكة، إلا أنه يستند بشكل رئيس إلى طرح أقل من 5% من شركة "أرامكو" النفطية الوطنية للاكتتاب العام، وتخصيص عائدات ذلك لتغذية صندوق استثماري سيكون الأكبر عالمياً، بحجم يقدر بألفي مليار دولار، كما يقوم على تحديد الأولويات الوطنية، واقتراح المبادرات اللازمة لتحقيقها عبر شراكات مع القطاع الخاص، وأسلوب إداري ومالي مبتكر، وعبر تحديد مبادرات نوعية بخطط تفصيلية، ومؤشرات واضحة لقياس الأداء.
وإضافة إلى سعيها لخفض الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتنويع مصادر الدخل، تتطرق الرؤية السعودية إلى جوانب عدة؛ منها خفض البطالة، وزيادة مساهمة النساء في القوة العاملة، وتعزيز مساهمة القطاع الخاص، إضافة إلى عدد من البرامج والمشاريع المحلية التي ستُطلق تحت مظلة رؤية 2030، كما أن هناك أصولاً غير "أرامكو" سوف تدخل من ضمنها، ما سيزيد قيمتها إلى 300 مليار دولار، بالإضافة إلى قيمة الصندوق الحالية التي تقارب 200 مليار دولار، بحسب الأمير محمد بن سلمان.
وبعيد إطلاق برنامج التحول الوطني أعلن ولي ولي العهد السعودي خطة طموحة لتأسيس صندوق استثماري ضخم بقيمة تريليوني دولار لحقبة ما بعد النفط، حيث وصفت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية أن الأمير محمد بن سلمان رسم ملامح رؤيته لصندوق الاستثمارات العامة، الذي سيدير في نهاية المطاف تريليوني دولار، ويساعد على إنهاء اعتماد المملكة على النفط.
وتعمل السعودية حالياً على خصخصة قطاعات حكومية للتحرر من التبعية للنفط، الذي تشكل عائداته في ميزانية المملكة نحو 90%، وذلك من خلال إعادة هيكلة اقتصادها، كما تسعى لإنتاج 54 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2040، رغم أن استهلاك الطاقة المتجددة يقدر حالياً بنحو 14% من الاستهلاك العالمي، إلا أنه سوف يرتفع إلى 19% بحلول عام 2040، بحسب الخطط المعلنة.
وطرحت شركة "أرامكو" أسهمها لإتاحة الفرصة أمام شريحة واسعة من المستثمرين لتملك حصة مناسبة من أصولها مباشرة، أو من خلال طرح حزمة كبيرة من مشاريعها للاكتتاب في عدة قطاعات، خصوصاً قطاع التكرير والكيميائيات، يأتي ذلك لتعزيز خطة تحويل "أرامكو" من شركة للنفط إلى شركة للطاقة والكتل الصناعية.
وتنفيذاً للخطط التي رسمت مسارها رؤية 2030، قال وزير العمل السعودي، مفرج الحقباني، في وقت سابق إن منظومة العمل المكونة من الوزارة، وصندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بدأت بتنفيذ رؤية المملكة 2030؛ من خلال افتتاح ورشة عمل "مستقبل التدريب التقني والمهني في ضوء برنامج التحول الوطني"، بمشاركة خبراء محليين ودوليين؛ للتوسع في برنامج التدريب والدعم والتوطين الموجه، الذي تقوده منظومة العمل في المملكة.
ويرى مراقبون أن خطة التحول الوطني السعودية تتشابه مع برامج تنموية لعدد من الدول الاقتصادية؛ منها ماليزيا خصوصاً، فهناك هيئة واحدة منوطة بتنفيذ البرنامج لضمان تحقيق أفضل قدر من التعاون بين الوزارات، ومشاركة القطاع الخاص، واستبيان آرائه، وتعزيز نصيب القطاع الخاص من الاستثمارات، وهو أمر يعتبره صانعو القرار السعوديون شديد الأهمية في ظل هبوط إيرادات النفط.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-