وصفت شبكة «بلومبرغ» الاقتصادية الأمريكية، خطط الإصلاح السعودية التي أعلن عنها الأمير «محمد بن سلمان» في «رؤية 2030»، بأنها «خجولة» وليست جريئة بما فيه الكفاية، مشيرا لجملة عوامل تعرقلها اقتصادية وسياسية منها تدليل الشعب السعودي، وعدم إعطائه الحق في التصويت سياسيا.
وقال الموقع في مقال كتبه «ليونيد برشيديسكي»، أن الخطة الجديدة لتقليل اعتماد المملكة على النفط، تصدرت العناوين في البلاد، ولكن إذا ما أمعنا النظر في برنامج التحول الوطني، سنجد أن محاولة التنويع السعودية «ربما لن تحقق الكثير»، فهي ليست جريئة بما فيه الكفاية في منطقة تشهد تطويرا كبيرا في رأس المال البشري.
وينقل المقال عن «فاروق إقبال» مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، أنه برغم أن دولا عديدة لا ترغب في الاعتماد على تصدير النفط فقط، وأن البلدان ذات الصادرات المتنوعة تنمو بشكل أسرع، إلا أن إعلان هذا ليس كل شيء. حيث يؤكد أن جميع البلدان الغارقة في النفط منذ السبعينات لا تزال تعتمد بنسبة 50% على الأقل على صادرات النفط، مشيرا إلى أن الإمارات قد حققت تنويعا ملحوظا.
ونوه التقرير أن دولا غير نفطية مثل أندونيسيا وماليزيا والمكسيك حققت نجاحات بسبب تنويع اقتصادها، حيث تركزت استراتيجياتها الإنمائية غير النفطية على بناء الصناعات كثيفة العمالة، وذلك بفضل الوفرة من العمالة الرخيصة. وفي حالة المكسيك، فإنها قد استفادت من اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن خطة نيجيريا التي تقوم على «صفر نفط»، مستقبلا، أقل مجاهرة بكثير من خطة السعوديين ولكنها أكثر طموحا، حيث يأمل النيجيريون في زيادة الصادرات غير النفطية إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2025، بدلا من 5 مليارات فقط هذا العام.
الشعوب المدللة
وينوه المقال هنا إلى أن برنامج مثل الزراعة كثيفة العمالة، لا يتناسب مع سكان دول الخليج الغنية المدللين جدا، بعكس روسيا المنافسة للمملكة على لقب أكبر منتج للنفط في العالم، بسبب عدم اهتمام السعوديين لأعوام بالصناعات التحويلية أو الزراعية، مما يجعلهم يحتاجون لسنوات عديدة لتعلم هذا النوع من العمل.
ويري الكاتب أن هذا يحدث برغم أن أحوال سكان السعودية أفضل حالا من دول حققت تقدم وتحول اقتصادي بعيدا عن النفط مثل المكسيك، إذ أن 22 % من سكان السعودية البالغين، تلقوا تعليما جامعيا، مقارنة بـ 19 % فقط في المكسيك و8% في اندونيسيا.
أيضا يعمل معظم سكان السعودية في القطاع الحكومي، وكثير من هذه الوظائف هي عديمة الفائدة، فحوالي 10 مليون عامل أجنبي هم من يقومون بالعمل الفعلي، ووفقا لبرنامج التحول الوطني، يراد تقليل تكلفة توظيف المواطن السعودي التي تزيد 4 مرات عن الأجانب، بخلاف الاستفادة من دور النساء في القوى العاملة، حيث يمثلون 23% فقط، بسبب قيود قيادة السيارات وعدم القبول بتوليهم وظائف أعلي من الرجال.
وقد اعترفت الحكومة السعودية بكل هذه المشاكل في رؤيتها لعام 2030، وحددت الخطوط العريضة للإصلاحات المخطط لها، ولكن عندما وصل الأمر إلى وضع أهداف محددة في البرنامج السعودي الجديد، أثبتت الإصلاحيون أن هذه الإصلاحات جاءت «خجولة» في أغلب الأحيان.
وتخطط الحكومة السعودية لخفض الرواتب بنسبة 20%، مما دفع السعوديين للتوجه لعمل في القطاع الخاص، ويفترض أن تذهب العمالة الزائدة بشكل رئيسي لقطاع السياحة الذي تعتزم السعودية توسيعه، أو مجال صناعة التكنولوجيا.
ويعني هدف عام 2020 فيما يخص «إعادة تأهيل» الكوادر السعودية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بإضافة 20 ألف شخص فقط إلى هذا المجال، بينما إجمالي الأيدي العاملة ممن يعملون في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المملكة حوالي 1.7 % وهو أقل من المتوسط العام في أوروبا الذي يبلغ 3.6%.
مشاركة المرأة ستظل ضعيفة
كما تهدف الخطة إلى رفع حصة المرأة السعودية في القوى العاملة بالقطاع العام من 39.8% إلى 42%، وفي المناصب العليا من 1.27% إلى 5%.
ولكن هذه الخطط لزيادة نصيب المرأة من القوى العاملة العامة إلى 28% لا ترقى إلى خطوة كبيرة نحو المساواة بين الجنسين، فلا يزال هناك منع للمرأة من قيادة السيارة، وبعبارة أخرى، فإن إطلاق طاقات المرأة لجعل الاقتصاد أكثر تنوعا ليست حقيقية في السنوات المقبلة.
أيضا تدرك الحكومة السعودية أهمية تحسين جودة التعليم القائم على تنمية الذكاء والمهارات، كما أنها أمرت بتحسين جذري في الرياضيات واختبارات العلوم، ولكن هذه العملية ليست سريعة، والنتائج النهائية التي يفترض أن تحققها وزارة التعليم لن تحقق سوي وضع أقل بكثير من المتوسط للبلدان المتقدمة.
وينوه الكاتب أن كل دول الخليج لديها طريق طويل لتقطعه قبل أن تصل نوعية التعليم إلى المعايير العالمية المتقدمة، ما يقوض قدرتها على الحد من الاعتماد على النفط.
كما أن التحول السعودي من أجل جذب المستثمرين، لا يزال ضعيفا، ووعود الخصخصة على نطاق واسع، وبعض المشاريع المثيرة التي تمولها الحكومة مثل التحول إلى الحكومة الإلكترونية أو خطة النقل النسائية تتطلب الكثير من الاستثمارات الجديدة.
غياب الحقوق السياسية
وينقل كاتب المقال، عن الاقتصادي «جاكوب فونك كيركجاررد»، من «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي»، تحليله الرؤية السعودية 2030 الشهر الماضي، بقوله إن الخطة لن تنجح «من دون إعطاء الشعب السعودي صوتا مباشرا في انتخاب حكومتهم وكسر خناق المؤسسة الدينية الوهابية القابضة على الشعب»، بحسب قوله.
وأضاف إن مثل هذه المطالب ستكون النتيجة الحتمية للوصول لتحسين حال القوى العاملة السعودية، وأنه طالما استمر الإصلاحيون في التعامل بحذر كبير مع هذا التحول، ستظل مبالغ كبيرة من الميزانيات، حوالي 71 مليار دولار، توضع في برامج لا تجلب أي فائدة للحكومة.
شبكة «بلومبرغ» الاقتصادية الأمريكية-