بعد إقرار رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تعالت الأصوات المطالبة بإعادة هيكلة هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» وتطوير أدائها وتوسيع صلاحياتها وتحصينها بحيث تواكب تطلعات الدولة بدورها الرقابي المنتظر، واعتبر مراقبون استمرار عمل الهيئة بشكلها القديم يشكل خطرا كبيرا على مستقبل الدولة ومشاريعها التنموية والأجيال القادمة.فما أحدث النتائج التي توصلت إليها "نزاهة" وما نقاط الضعف الواجب معالجتها وما أبرز نقاط القوة وكيف يمكن تعزيزها، وكيفية القضاء على الفساد وملاحقة الفاسدين وحماية المبلغين، وتحصين رئيس وأعضاء الهيئة ولماذا يتم تجاهل مخرجاتها؟
تقرير نزاهة..لا تعليق
استنكر الكاتب الاقتصادي جمال بنون في مقال له اليوم بصحيفة "الحياة اللندنية" بعنوان " تقرير «نزاهة».. لم يعلق أحد" ضعف الاهتمام بدراسة نشرتها "نزاهة" وقال "إن الأسبوع الماضي نشرت الصحف أحدث دراسة أجرتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وكانت الدراسة أشارت بإصبعها إلى من هم المتسببين والمستفيدين من انتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري، وعلى رغم ما حملته الدراسة من بيانات ومعلومات وإشارات، توقعت بعد نشر الدراسة أن أقرأ تعليقاً أو رداً من أي من الإدارات الحكومية، حتى لو نفي من متحدثها الإعلامي أو المصدر الرسمي، إذ اعتدنا سماع بيانات النفي من الإدارات الحكومية كل ما نشر انتقاد أو توجيه لوم لها."
أنماط الفساد
ومن أهم ما توصلت إليه الدراسة التي أجريت في ثلاث مناطق بالسعودية وهي الرياض والشرقية ومكة، أن أكثر أنماط الفساد انتشاراً في القطاع الحكومي الخدمي، بنسبة 27 في المئة، ثم اللامبالاة بالعمل في المرتبة الثانية بنسبة أكثر من 19 في المئة، تليها الرشوة، فيما جاء الاختلاس والتزوير في ذيل القائمة كأقلّ أشكال الفساد انتشاراً.
ويقول "بنون" صراحةً أكثر الجهات التي توقعت أنها سترد على دراسة «نزاهة» هي وزارة البلديات والقرويات، إذ إنه منذ عام يتداول خبر اختفاء 500 حديقة في جدة، استطاع سماسرة ومسؤولون متنفذون إدخالها ضمن مساحات مخططات سكنية، وبعضها ذهبت ضمن تطبيق منح، ومنها حدائق ومساجد ومرافق حكومية، بقدرة قادر تحولت إلى مخططات وبيعت أو طبقت ضمن المنح..
أسباب الفساد
وأشارت الدراسة، وفقاً لنتائج العينة إلى أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي، هو أحد أهم الأسباب التي أسهمت في انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع الحكومي الخدمي، يليه تباعاً عامل ضعف أداء الجهات الرقابية والقضائية، والتساهل في تطبيق العقوبات النظامية، ووجود أنظمة إدارية ومالية معقّدة وقديمة، وغياب الشفافية (عدم الإفصاح عن المعلومات المتعلّقة بإجراءات وقرارات الجهات الحكومية الخدمية)، وحصل عامل القبول الاجتماعي لبعض مظاهر الفساد على أقلّ نسبة.
صلاحيات جديدة لنزاهة
وانتهى "جمال بنون" إلى أنه بعد أكثر من أربع سنوات من تأسيسها وبعد انتقادات واسعة لأعمالها وأدائها، خرجت علينا «نزاهة» بهذه الدراسة في وقت تحتاجه القيادات العليا في البلاد، فهي تستعد لتنفيذ الرؤية 2030 وما يتطلبه من مسؤولين أكفاء.من الضروري أن نمنح «نزاهة» صلاحيات أوسع لاستجواب الجهات الحكومية وقيادييها، وأيضاً تمنح صلاحيات في إصدار توصية في عزل أي مسؤول تشك في ذمته. هذه المرة رمت «نزاهة» الكرة في ملعب منتقديها.
مجلس إدارة لهيئة "نزاهة"
في إطار السعي إلى تطوير أداء وصلاحيات مؤسسة "نزاهة" قال الدكتور فالح بن سالم القحطاني ـ الأكاديمي والمستشار القانوني ـ في تصريحات صحفية في 3-10-2015 "إن أهم التوصيات الملحة لتطوير نظام هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" قانونيًا تشكيل مجلس إدارة للهيئة يكون له رئيس وعلى الأقل عشرة أعضاء معينين من أصحاب الاختصاص في القانون، والاقتصاد، والمالية، وحقوق الإنسان وتسمية رئيس وأعضاء مجلس الإدارة يجب أن تتم بمرسوم ملكي يصدر من مجلس الوزراء وأن يفصح رئيس وأعضاء مجلس الإدارة عن أموالهم وثرواتهم وعن أموال وثروات أزواجهم وزوجاتهم وأولادهم قبل الانضمام لعضوية مجلس الإدارة.
تحصين رئيس وأعضاء مجلسها
وأكد "القحطاني" أنه يجب منح رئيس وأعضاء مجلس الإدارة الحصانة الدبلوماسية وذلك من أجل تمكينهم من أداء أعمالهم من دون أي ضغوطات أو تأثيرات خارجية محتملة ولا يتم احتجاز أو إلقاء القبض على رئيس وأعضاء مجلس الإدارة من دون أمر قضائي مسبب يصدر من المحكمة المختصة، إلا في حالة واحدة وهي حالة التلبس بالجريمة، وللمحكمة المختصة الحق في حجزهم، أو إلقاء القبض عليهم، أو إطلاق سراحهم بعد سماع حيثيات القضية ومراعاة الاشتراطات القانونية الأخرى المعمول بها في المملكة.
سلطة التحقيق
رصدها الدكتور القحطاني إشكالية أن الهيئة لا يحق لها التحقيق مع أنها تتوفر لديها سلطة التحري حيث يتم التحقيق في قضايا الفساد من قبل هيئة التحقيق والادعاء العام، ويتم نظر القضايا المتعلقة بالفساد المالي والإداري في المحاكم الشرعية على اختلاف درجاتها، وفي المحكمة الإدارية فيما يختص بقضايا التزوير والتزييف والتي تعتبر من أكبر صور جرائم الفساد، وأشار إلى أنه يجب أن يتوفر لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الحق في التحقيق.
كيفية تمويل"نزاهة"
رصد "القحطاني" أنه على الرغم من أن نظام هيئة مكافحة الفساد أوضح بأن الهيئة مستقلة، إلا أن النظام لم يوضح بشكل قطعي كيف يتم تمويل هيئة مكافحة الفساد؟ ولم يوضح إن كان يتم تمويلها من قبل الدعم الحكومي المباشر أو من قبل مصادر أخرى مثل مصادرة الأموال المتحصلة من قضايا الفساد.
التحفظ على الأموال
وأوضح أنه يجب على هيئة مكافحة الفساد أن تقوم بفتح حساب في مؤسسة النقد العربي السعودي وذلك من أجل التحفظ على الأموال والمنافع الناتجة عن قضايا ومعاملات الفساد ريثما يتم إرجاع هذه الأموال إلى أصحابها المستحقين لها نظامًا أو تتم مصادرتها عن طريق هيئة مكافحة الفساد كما يجب على هيئة مكافحة الفساد تحويل حساب إبراء الذمة والمستخدم حاليًا من قبل بنك التسليف السعودي ليكون تحت الحسابات المختصة والمتعلقة بهيئة مكافحة الفساد.
حماية المبلغين
شدد "القحطاني" في تقييمه لأداء «نزاهة» على أن نظام هيئة مكافحة الفساد لم يبين حق توفير الحماية للأشخاص المبلغين عن قضايا الفساد. لذلك، يجب أن يتم توفير الحماية للشهود والمبلغين والخبراء المكتشفين لقضايا الفساد، وقال إنه يجب أن تمتد هذه الحماية إلى عوائلهم وذلك من أجل التأكد من عدم إلحاق الضرر بهم وإمكانية التضييق عليهم في حياتهم العامة والعملية. ويجب أن يوفر لهم الحماية في أماكن سكنهم وأماكن أعمالهم.
وأكد على استخدام وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة لحفظ بلاغاتهم بسرية عالية وأن يتم التأكد من عدم التمييز والتفرقة ضدهم. وفي الجانب الآخر، كما يجب أن تقوم الهيئة بصياغة قانون الإفصاح للمصلحة العامة (Whistle Blowing Law) والمعمول به في العديد من الدول المتقدمة ومنها بريطانيا وأستراليا على سبيل المثال.
آليات عقابية ضد من ولماذا؟
نبه "القحطاني" إلى أن نظام هيئة مكافحة الفساد لم ينص علي أي عقوبة وقال إنه من المعلوم بأن أي قانون لا يتوفر لديه الجانب العقابي يصبح قانونًا يعتريه النقص وتشوبه الشوائب بناءً على ذلك، يجب أن يصاغ نظام هيئة مكافحة الفساد ليشتمل على العديد من الآليات العقابية.
وضرب أمثلة لذلك بأن الهيئة تستطيع طلب أي معلومة أو ملف أو وثيقة من قبل الأفراد والمنظمات على حد سواء. والأفراد الذين يمتنعون عن تزويد هيئة مكافحة الفساد بأي معلومة أو وثيقة أو يحاولون التضليل في هذا السياق، تستطيع الهيئة معاقبتهم بالسجن أو بالغرامة مالية أو بهما معًا، كما أن أي فرد ارتكب أو شارك أو شجع تصرف أو فعل فساد ثم بعد ذلك قدم المساعدة لهيئة مكافحة الفساد بتزويدها بمعلومات ووثائق تفيد في اكتشاف قضية الفساد، يجب إن يتم تخفيف العقوبة المقررة تجاهه إلى ثلث العقوبة من قبل المحكمة المختصة التي تنظر القضية.
ملاحقة المتورطين
وشدد على أهمية أن يكون لـ"نزاهة" الحق في ملاحقة الأشخاص المتورطين في قضايا الفساد، وإيقافهم، والتوصية بوضع ممتلكاتهم المنقولة أو غير المنقولة تحت الحجز القضائي، ويجب أن يكون لها الحق في المطالبة بمنعهم من السفر خارج المملكة ويجب أن يكون لها الحق في إصدار أوامر الملاحقة القضائية الدولية، ويجب أن يكون لها الحق في التوصية بإنهاء عقودهم الوظيفة، ولها الحق في إيقاف مخصصاتهم المالية وتعويضاتهم.
حصاد 2015 ..ما القادم
بدوره كشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية النزاهة الدكتور خالد المحيسن -في حوار مع "عكاظ" في 1 مايو 2016 - تسجيل 3336 بلاغا عن حالات فساد خلال العام الماضي، مشيرا إلى أن الهيئة فحصت 111 مشروعا تنمويا تزيد تكاليف المشروع الواحد على 500 مليون ريال للتأكد من سلامة إجراءات الطرح والترسية والتنفيذ.
وحول الدور الذي ستقوم به هيئة مكافحة الفساد لتحقيق أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030؟ قال "المحيسن" الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لها دور سيكون بإذن الله إيجابيا في الإسهام في جميع ما يدخل في اختصاصاتها.والهيئة تدرك أهمية دورها في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والحوكمة والرقابة على المال العام، وهذا سيتم بالتعاون والتكامل مع الأجهزة الرقابية الأخرى المختصة.
شؤون خليجية-