اختلفت زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في ظروفها مع تلك التي أجراها في مايو/أيار 2015، وزيارته الثانية في سبتمبر/أيلول الماضي، مع الملك سلمان بن عبد العزيز، فالزيارة هذه التي بدأت في 13 يونيو/حزيران، هي الأولى بعد إعلان رؤية السعودية 2030 التي يشرف عليها.
الأهداف الاقتصادية من الزيارة لدعم رؤية 2030، واضحة منذ بداية الزيارة وقبلها، فقد أعلن وزير التجارة والاستثمار السعودي، ماجد القصبي، أن الزيارة "ستتضمن توقيع عقود مع شركات عدة"، مشيراً إلى "ضرورة جذب استثمارات واعدة لخلق فرص لمرحلة ما بعد النفط".
في حين شهدت ليلة سفر بن سلمان لواشنطن، اجتماعاً له بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ناقش فيه عدداً من الموضوعات الاقتصادية والتنموية، واتخذ المجلس حيال تلك الموضوعات التوصيات اللازمة.
ويؤكد سعيد الشيخ، عضو مجلس الشورى السعودي، صدور قرار حصول الشركات الأجنبية على التراخيص مباشرة أثناء زيارة بن سلمان، واعتبرها مؤشراً إلى جدية الحكومة السعودية لفتح المجال لاستثمار الشركات، فضلاً عن أن دخول تلك الشركات يعطي ميزة لمصالحها للاستثمار في ظل بيئة استثمارية لأي مستثمر يتمنى الدخول في السوق السعودية، بحسب صحيفة الاقتصادية.
وتأتي الزيارة بالدرجة الأولى لدعم خطة التحول الوطني، وهي المرحلة الأولى من استراتيجية اقتصادية أوسع في النطاق، تعرف باسم رؤية 2030، أطلقها بن سلمان في أبريل/نيسان الماضي. وتؤكد مجلة "فوربس" الأمريكية أن جذب الاستثمارات الدولية سيشكل جزءاً محورياً من تلك الاستراتيجية.
- اتفاقيات وعقود
بحسب وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية للأنباء، فإن بن سلمان يقود حالياً أكبر عملية تغيير اقتصادي تشهدها السعودية، وهو التغيير الذي سيؤدي بالبلاد إلى تنويع اقتصادي يُنهي الاعتماد على النفط، ويُدر عوائد إضافية غير نفطية على المملكة تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020.
وقد كان لزيارة الأمير لما يسمى بـ"وادي السليكون"، وهو معقل شركات التقنية العالمية الكبرى، الأثر الكبير بعد إجرائه العديد من اللقاءات هناك في 21 يونيو/حزيران؛ بهدف معرفة كيف يمكن للسعودية أن تستفيد من الابتكارات التي ولدت في كاليفورنيا، كما يريد أن يشرح للمستثمرين في نيويورك الفرص المتاحة في المملكة، بما في ذلك فرصة الاكتتاب في شركة أرامكو، بحسب "بلومبيرغ".
فقد نتج عن لقائه بالرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، توقيع مذكرة تفاهم تهدف إلى التعاون لتدريب الكفاءات الوطنية وتأهيلها، ودعم التحول الرقمي والابتكار القائم على المعرفة.
كما تم توقيع خطاب تعيين من مركز دعم اتخاذ القرار في الديوان الملكي مع "مايكروسوفت"؛ لإنشاء البنية التحتية والأنظمة وبرامج التشغيل، والاستعانة بخبرات علماء المعلومات في الشركة.
الرئيس التنفيذي لـ"مايكروسوفت"، قال في تصريح بعد اللقاء، إن من المشاريع التي سيعمل بها مع السعودية "تحويل البيانات إلى ثروة نفطية جديدة تساعد على التنبؤ وتخلق قوة تحليلية كبيرة". وأضاف: "ستأتي مايكروسوفت بالتكنولوجيا لتسهم في ترجمة رؤية السعودية 2030، وكيف يمكن الابتكار في مجال البيانات ورأس المال البشري، ونتطلع أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن".
كما اجتمع بن سلمان مع المدير التنفيذي المؤسس لشركة "أوبر"، بعد نحو أسبوعين من استثمار المملكة 3.5 مليارات دولار في "أوبر"، التي تُعنى بخدمات سيارات الأجرة في 500 مدينة، وأكثر من 70 دولة؛ واعتبر أول استثمار كبير للصندوق السعودي في الخارج منذ كشف رؤية عام 2030.
وتطرق اجتماع بن سلمان مع المدير ترافس كلنك، إلى الشراكة الاستراتيجية القائمة، وخطط الشركة في دعم مسيرة تطورها. وسيسهم الاستثمار السعودي في "أوبر" في رفع السيولة بالشركة إلى أكثر من 11 مليار دولار، كما سيسهم في انتشار الخدمة في المملكة السعودية خصوصاً.
ووقع بن سلمان مع شركة "سيسكو سيستيمز" مذكرة تفاهم مع الشركة حول تسريع التحول الرقمي في المملكة، بحضور رئيس الشركة، جون تشامبر، في مقرها بسان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا.
كما التقى ممثلين عن شركات بوينغ، وريثيون ولوكهيد مارتن؛ لبحث إمكانية توسيع مرافق الإنتاج الحربي داخل المملكة العربية السعودية.
وبحث أيضاً تسليم ترخيص تجاري لشركة "داو كيميكال"، التي تعد بالفعل واحدة من كبرى الشركات المستثمرة داخل المملكة. ومن المتوقع أن يتم تسليم تراخيص إضافية لتكتل (3M) الموجود في "مينيسوتا"، وشركة الأدوية العملاقة "فايزر" في المستقبل القريب.
وبرز خلال الزيارة اجتماع بن سلمان مع رئيس الغرفة التجارية الأمريكية، توماس دونهيو، واستعرض فيه الموضوعات المتعلقة بالمجال التجاري والاستثماري بين البلدين، وبحث مواصلة تنميتها، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
- كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال
ومن أبرز ما نتج عن الزيارة إنشاء "كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال"، بتعاون بين مؤسسة "مسك الخيرية"، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، السعوديتين، مع كلية "بابسون" العالمية، وشركة "لوكهيد مارتن".
ويتصل نشاط المؤسسة بتطوير التعليم النوعي لدفع عجلة الاقتصاد، وسد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، ودعم المنشآت المتوسطة والصغيرة كأحد محركات النمو الاقتصادي التي تسهم في إيجاد الوظائف ودعم الابتكار، واحتضان فئة الشباب لتطوير منتجاتهم وأفكارهم الإبداعية، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
وستتضمن الكلية مركزاً للأبحاث والتطوير في ريادة الأعمال، والذي يعد الأول من نوعه بالمملكة؛ لتقديم الدراسات الإدارية والاستراتيجية لتطوير قطاع الأعمال، حيث سيتيح لطلبة الكلية فرصة التفاعل والمساهمة الفكرية مع القطاعين العام والخاص.
- لماذا أمريكا؟
تشكل أمريكا مصدراً لأكبر 500 صناعة عالمية، برؤوس أموال تقدر بـ17 تريليون دولار ستسهم في استقطاب هذه الأنواع للاستثمار في السعودية، لتوطين التقنية وإيجاد الوظائف المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد البلد، بحسب مختصين.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية وأمريكا خلال الربع الأول من 2016 نحو 30.4 مليار ريال، حيث تعد السعودية الشريك التجاري الثاني عشر لأمريكا، في حين تعد أمريكا ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، كما أن أمريكا حائزة أيضاً على أكبر حصة مـن الأسهـم للاستثمـار الأجنبـي المباشـر من السعودية.
قتادة الطائي - الخليج أونلاين-