كان ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» في زيارة إلى واشنطن خلال الأسبوع الماضي ما أثار موجة من الأسئلة المعتادة حول ما يجري في بلاده. هل البلاد مستقرة؟ هل ولي العهد الأمير «محمد بن نايف» في صحة جيدة؟ هل تفوق ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، نجل الملك، على ولي العهد، نجل شقيق الملك؟ لا أحد يعلم على وجه اليقين بطبيعة الحال، لكن المراقبين السعوديين وغيرهم من المراقبين يستمرون في محاولاتهم للتخمين على أي حال.
تبدو دراسة الشأن السعودي أكثر صعوبة من دراسة الشأن السوفيتي. أثناء الحرب الباردة، كان المحللون يتكهنون بما يحدث خلف جدران الكريملين بناء على الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر الواقفين بالقرب من الزعيم السوفيتي أثناء المناسبات العامة وهو يلوح للعامة، وأيهم يظهر مبتسما في هذه المقاطع. التكهنات حول السياسة السعودية في كثير من الأحيان تبنى على همسات يدلي بها مسؤول أو أمير سعودي إلى محاور غربي. قد يكون بعض ما نتعلمه عن المملكة العربية السعودية بهذه الطريقة دقيقا، ولكنه يبدو في كثير من الأحيان أشبه بلعبة تناقل الأطفال للمعلومات. في الوقت الذي تصل فيه الكتلة الصلبة من المعلومات إلى نهاية الخط فإنها غالبا ما تكون قد تشوهت بعنف ولا تحوي إلا أقل القليل من الحقيقة.
عندما يتعلق الأمر بـ«محمد بن سلمان»، الذي يبلغ عمره 29 أو 30 أو 31 عاما، فإن هذه اللعبة تصبح أكثر إلحاحا بسبب حجم السلطة والنفوذ المتراكمين بين يديه في هذا السن الصغير. بالإضافة إلى منصب نائب ولي العهد، يشغل الأمير عدة مناصب تشمل وزارة الدفاع والطيران والإشراف على الديوان الملكي ومنصب المستشار الخاص للملك ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. واستنادا إلى هذا العدد من المناصب والألقاب، فإن «محمد بن سلمان» يبدو هو الرهان الأقرب لخلافة والده وليس ولي العهد الحالي. هذا يجعل «بن سلمان» يذكرنا بوريث آخر لأحد عروش الشرق الأوسط في وقت سابق وهو «جمال مبارك»، الابن الأصغر للرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك».
بين «بن سلمان» و«جمال مبارك»
يختلف كل من «محمد بن سلمان» و«جمال مبارك» كثيرا من حيث النشأة والخلفيات. وفي الوقت الذي فشل فيه «حسني مبارك» في جلب نجله، الذي كان الشخصية الأبرز في الحزب الوطني، إلى السلطة، فإن الملك «سلمان» يبدو أنه يمتلك ما يكفي من الموارد لأجل لجعل نجله خلفا له. ومع ذلك فإن هناك ما يكفي من التشابه لجعل هذا القياس مثيرا للاهتمام. وأنا هنا لا أتحدث عن الحقائق المسلية بعض الشيء حول ظروف كلا الرجلين الذي يعد كل منهما الابن المفضل لوالده والذي بنيت سلطته السياسية على ذلك، أو أن كل منهما حمل اسما للشهرة (MBS في حالة بن سلمان أو جيمي في حالة جمال مبارك)، أو أن كلا منهما كان يفتقر إلى الخبرة السياسية اللازمة قبل يصبح واحدا من الفاعلين السياسيين الأكثر أهمية في بلده. لكن على المستوى التحليلي الأكثر أهمية، فإن «محمد بن سلمان»، كما كان «جمال مبارك» من قبل، صار مسؤولا عن تحويل بلاده. ويصف بعض المحللين والمعلقين «محمد بن سلمان» بـ«المزعج» وهو مصطلح له دلالة إيجابية في نهاية المطاف، ولكن مثل جمال قبله، فإن «محمد بن سلمان» ومشروعه للمملكة العربية السعودية قد يثبت أنه يتسبب في زعزعة استقرار البلاد.
وقد كانت أحد الأسباب التي تسببت في سفر «محمد بن سلمان» إلى واشنطن وأجزاء أخرى من الولايات المتحدة هي رغبته في تسويق ما يسمى بـ«رؤية 2030». تتلخص الأهداف العامة لهذه الرؤية في تحديث وترشيد وتنويع الاقتصاد السعودي. وبشكل أكثر تحديدا، تتضمن الخطة تحويل المملكة العربية السعودية إلى قوة استثمارية ومركز للتبادل التجاري. تسعى رؤية 2030 أيضا إلى تحسين أداء البيروقراطية السعودية وخفض الدعم بشكل دائم وتخفيف القيود الاجتماعية في محاولة لجذب السعوديين لقضاء أوقات أكبر في وسائل الترفيه داخل البلاد بدلا من السفر إلى البلدان المجاورة أو أوروبا والولايات المتحدة. وكان الجزء من الخطة الذي تلقى القدر الأكبر من الاهتمام العالمي هو ذلك الجزء الخاص بخصخصة بعض أجزاء شركة أرامكو السعودية. في محاولة لتوفير الزخم لرؤية 2030، قام الملك «سلمان» بإدخال تغييرات حاسمة على مجلس الوزراء شملت على وجه الأخص الإطاحة بوزير البترول المخضرم «علي النعيمي» ووضع «خالد الفالح»، الذي كان رئيسا لشركة أرامكو، على رأس وزارة جديدة للطاقة والصناعة، والموارد الطبيعية، والتي لن تكون مسؤولة فقط عن السياسة النفطية السعودية ولكن أيضا عن استغلال الذهب والفوسفات واليورانيوم في البلاد. وخلاف ذلك، فقد أدخل الملك تغييرات على قيادة وزارة التجارة والصناعة فضلا عن مؤسسة النقد العربي السعودي. وقد رأى المحللون الغربيون والسعوديون أن هذه التغييرات جاءت بناء على طلب نائب ولي ولي العهد.
تبدو خطة «محمد بن سلمان» مشابهة في أهدافها، وإن لم تكن كذلك في مضمونها، لخطة «جمال مبارك» التي تم طرحها تحت شعار «فكر جديد». ركز المحللون والمراكز المالية في الشرق الأوسط على تفاصيل خطة 2030 ولكن بعضهم قد ركز بشكل واضح على كون «محمد بن سلمان» لديه هدف أوسع من جعل المملكة العربية السعودية مركزا عالميا للاستثمار والتجارة. مثل ما اقترحه «جمال مبارك» لمصر في عام 2004، يعتزم «محمد بن سلمان» إعادة هيكلة الطريقة التي تدار بها الأمور في الرياض. ربما يكون هذا شيئا جيدا. لا أحد ينظر إلى عملية صنع القرار في المملكة العربية السعودية على أنها نموذج للكفاءة، ولكنها مكنت المسؤولين السعوديين وشركاءهم الدوليين من الحفاظ على الاستقرار العزيز لفترة طويلة.
وقد قيل لي أن القادة السعوديين قد قاموا في كثير من الأحيان بمناقشة القضايا السياسية الرئيسية خلال مناقشات طويلة الأمد بين أفراد العائلة المالكة هدفت إلى استجابة لمخاوف زعماء القبائل الرئيسيين وحساسيات الزعماء الدينيين بسبب قضايا السياسات الكبرى. ووفقا للسعوديين، فإنه من دون هذه المشاورات فإن استقرار وتماسك المملكة سوف يكونان في خطر.
سباق مع الزمن
وفيما يبدو أن «محمد بن سلمان» قد قذف هذه العملية جانبا قبل المضي قدما نحو رؤية 2030 مع وضع القليل من الاعتبار لمدى تأثير ذلك على المصالح الخاصة المرتبطة بالوضع الراهن. يعد هذا أمرا محفوفا بالمخاطر في بلد يرتكز فيه المسؤولون والعائلة المالكة على التوافق لأجل ضمان الحفاظ على أسهمهم. ليس لدى ولي ولي العهد أي شك في دعم والده الذي ربما يكون هو كل ما يحتاجه، ولكنه أيضا يخوض سباقا مع الزمن. لا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن يعيش الملك «سلمان» مع وجود عدد من التقارير التي تشكك في حالته الصحية لذلك يبدو أن «محمد بن سلمان» يجب عليه أن يسرع. ويبدو أن عليه أن يشتغل الفرصة لديه الآن لفرض التغيير وبناء أسس سليمة لملكه قبل أن يموت والده الذي يمثل قاعدة دعمه الرئيسية. ربما يكون لدى ولي ولي العهد عدد من الأمراء والمسؤولين الداعمين له ولكن سيكون من الغريب أن يصدق أنه قد حسم اللعبة بالفعل. من الصعب أن نرى الأمور بوضوح داخل السياسة، وخاصة السياسة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، ولكن من المعقول تماما أن نرى أن الأمور تسير في صالح الخطط الكبرى لـ«محمد بن سلمان».
مثل «جمال مبارك»، الذي كان يبدو أحد أكثر الشخصيات نفوذا في بلاده خلال العقد الأخير من عمر والده، يبدو «محمد بن سلمان» في وضع جيد للتغلب على ابن عمه ولي العهد ليصبح الملك القادم للمملكة العربية السعودية. ورغم ذلك فإن المحللين والصحفيين والمسؤولين لم يستقروا بعد على هذا السيناريو. وبجدر النظر إلى أنه لا «جمال مبارك» ولا «عمر سليمان»، المرشح الآخر للسلطة في مصر، انتهى بهما المطاف إلى كرسي الرئاسة في أعقاب الإطاحة بـ«حسني مبارك» في عام 2011. ولم يتصور أحد في أي وقت مضى أن «خليفة مبارك» سوف يكون من الإخوان المسلمين. والحقيقة أن كل هذا قد حدث في مصر لأن «جمال مبارك» كان «مزعجا» وقد أثبتت سياساته أنها مزعزعة للاستقرار بالنسبة إلى المجتمع المصري والأهم من ذلك بالنسبة إلى المكونات الرئيسية للنظام. وخلاف لضباط الجيش في مصر، فإن الأمراء المسؤولين السعوديين ونخبة رجال الأعمال الخاسرين بسبب رؤية 2030 لا يملكون البنادق، وبالتالي فإنهم لا يمكنهم دفع الملك «سلمان» و«محمد بن سلمان» عن السلطة. ولكنهم يملكون سحب أقدامهم وتقويض أركان الخطة التي لا يرحبون بها وخفض أسهم ولي ولي العهد خلال هذه العملية. في هذه الحالة، سوف يستمر تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية إضافة إلى الديناميات السياسية المضطربة بالفعل المرتبطة برؤية 2030.
بدلا من التفكير في ما إذا كانت المملكة العربية السعودية مستقرة أو غير مستقرة، قد يكون الوقت قد حان لبدء التفكير في عدم الاستقرار النسبي. وقد كانت هناك رهانات حول خطط التطوير الاقتصادي السعودية التي فشلت من قبل مثل خطط الملك الراحل «عبد الله» التي تضمنت تشييد عدد من المدن الاقتصادية. صحيح أن رؤية «محمد بن سلمان» هي الأكبر، ولكنها مزعزعة للاستقرار بما يكفي للنظر في عواقب فشلها ليس فقط بالنسبة إلى الرجل ولكن أيضا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع. وجود مملكة عربية سعودية غير مستقرة هو أمر لم نعهده من قبل، ونحن لا نستطيع أن نراهن أنه سوف يكون أمرا جيدا.
ستيفين كوك - مركز العلاقات الخارجية-ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-