في السابع من يونيو/حزيران الحالي، أقرت المملكة العربية السعودية خطة التحول الوطني التي تهدف إلى تحويل اقتصاد البلاد القائم على النفط. يعتزم ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» إنشاء أكبر أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم،عبر تسييل عوائد الاكتتاب العام لشركة النفط الأكثر قيمة في العالم، وخفض قيمة المساعدات لأحد الشعوب الأكثر حصولا على الدعم في العالم. وبالنظر إلى كل عوامل القوة الظاهرة فإنه سوف يكون من الصعب عدم الرهان على مدى طموح الخطة وقدرتها على البقاء. ويبدو أن العديدين قد فعلوا ذلك بالفعل. قامت جنرال إلكتريك بالفعل برهان هائل عبر وعد باستثمار ما لا يقل عن 1.4 مليار دولار في البلاد.
وحتى لو كان بإمكانه تحقيق جميع البنود المدرجة على قائمة رغباته، فإن ولي ولي العهد قد لا يستطيع ضمان المستقبل المزهر لمملكته. عن طريق خفض الدعم والتنازل عن بعض السيطرة على الصناعة النفطية، فإن المملكة العربية السعودية قد تضطر للاستسلام في مواجهة أحد الأصول التي لا تقل قيمة: وهي النظام السياسي المستقر في منطقة تموج بالصراع.
السبب الرئيسي للصعوبات يكمن في تأخر الدفع نحو مرحلة ما بعد النفط. التحولات الاقتصادية الكبيرة تكون أكثر قابلية للتحقق في وجود خزائن ممتلئة وإيرادات مرتفعة. المملكة العربية السعودية على النقيض تخوض طريقها نحو التنويع في ظل عجز مزمن وأسعار نفط منخفضة لفترة طويلة.
تحديات كبرى
لتحقيق اقتصاد متنوع، سوف تحتاج المملكة العربية السعودية إلى إنشاء قطاع خاص لم يسبق له مثيل قادر على إنتاج 6 ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030 وربما أكثر من ذلك في حال قررت النساء الدخول إلى سوق العمل بأعداد أكبر. خلقت الطفرة النفطية بين عامي 2003 و 2013 فقط ثلث هذا العدد من الوظائف. وتأمل المملكة في أن تصبح قادرة على إنتاج 450 ألف وظيفة غير نفطية قبل عام 2020. ومع ذلك، تحتاج البلاد إلى خلق 226 ألف فرصة عمل سنويا فقط من أجل استيعاب الوافدين الجدد.
وقد تم بالفعل تجاوز فرص الانتقال السلس. في السنوات الماضية، كان بإمكان المملكة العربية السعودية استثمار احتياطيات هائلة من العملات الأجنبية في نفس الخطط التي تأمل في تحقيقها في الوقت الراهن. بدلا من ذلك، تستخدم المملكة العربية السعودية هذه الأموال من أجل سد عجز يناهز مائة مليار دولار سنويا.
يمكننا أن نرى ذلك بالنظر إلى حجم الاحتياطيات التي بلغت 593 مليار دولار في شهر فبراير/شباط بانخفاض شهري قدر بـ10 مليارات دولار. الأخطر من ذلك أن تزايد الاستهلاك المحلي للوقود يهدد قدرة المملكة على الاستفادة من عائدات موردها الرئيسي: النفط.
يعتمد الشعب السعودي بشكل شبه كامل على الديزل المحلي والغاز الطبيعي المرتبط به للحصول على احتياجاتهم من الطاقة. الطلب ينمو بسرعة كبيرة وبإمكانه أن يقوم باستهلاك مليوني برميل يوميا من الصادرات الحالية بحلول عام 2020 حال استمر النمو بالمعدلات الحالية. ومن المفارقة أن المملكة العربية السعودية تحتاج بشكل كبير إلى هذه العائدات من أجل تمويل مستقبل ما بعد النفط.
وقد استفادت البلاد لفترة طويلة من قيادتها لأسواق النفط العالمية في مراكمة عائدات هائلة. والآن فإن هذه النعمة تتحول تدريجيا إلى عبء. ينبغي على المملكة العربية السعودية أن تستثمر 4 تريليونات دولار من أجل التحول إلى مستقبل اقتصادي جديد وفق ما أشار به تقرير «ماكينزي». يمكن للقيام بذلك أن يتسبب في زعزعة استقرار المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم وحليف الولايات المتحدة.
مقاومة داخلية
وقد دفع الجدول الزمني الصعب البلاد بالفعل نحو اتخاذ عدد من القرارات غير المسبوقة أبرزها التحرك نحو عمل اكتتاب عام في شركة أرامكو السعودية. وحتى لو تم بيع 5% فقط من أسهم الشركة كما هي الخطط الحالية فإنه سوف يكون الطرح الأكبر في التاريخ مقدرا بقيمة 100 مليار دولار.
وقد قام ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» بتأطير الاكتتاب على أنه يأتي في خدمة المزيد من الشفافية ومكافحة الفساد. وبالتأكيد فإن هذه الخطوة سوف تدفع حركة الأموال في المملكة نحو المزيد من الشفافية. وهذه ربما تكون مشكلة في حد ذاتها.
المملكة العربية السعودية، أكثر بكثير من كثير من الأنظمة الملكية والأنظمة الاستبدادية في المنطقة، تحافظ على شبكة رعاية توسعية معقدة من أفراد العائلة المالكة. بينما من المستحيل حساب المجموع المحدد من البدلات العائلية التي تصرف للحفاظ على هذه الشبكة، فقد تم تقديرها بحوالي 37 مليار دولار في عام 1996 مع عائدات مليون برميل من النفط تذهب بكاملها إلى 5 أو 6 أمراء. وعلى الأرجح فقد نما هذا الرقم كثيرا منذ ذلك الحين.
رواتب الأسرة توفر الاستقرار السياسي في بلد لا يتم توريث السلطة فيه بشكل مباشر (من الأب إلى الابن) وحيث تصبح الفصائل المعارضة داخل الأسرة الحاكمة مؤثرة إلى حد كبير. الاكتتاب العام المعلن من شأنه أن يعرض تلك الصفقة لخطر كبير.
هناك رسائل غير عادية من بعض كبار الأمراء تكشف دعوة بعض أفراد الأسرة الحاكمة لتغيير النظام معربين عن استيائهم الشديد من السياسة النفطية الحالية وولي ولي العهد نفسه. يمكن لفتح ملف أرامكو السعودية أن يسهم في تصحيح العجز المالي المتزايد في البلاد ولكنه يغامر بتوليد تمرد داخل الصفوف.
عدم الاستقرار
يتزامن الخطر المحتمل من النخبة في العائلة الحاكمة مع خطر آخر يأتي من عامة الناس. وقد بدأت السعودية بالفعل في إلغاء الدعم وخفض الإنفاق العام. وعلى الرغم من العديد من هذه النفقات هي نتاج لعدم الكفاءة الاقتصادية فإنها تشكل أيضا أساس العقد الاجتماعي القائم على المدفوعات.
هذه التخفيضات تنذر بحدوث قلاقل في أفضل أحوال، واضطرابات مماثلة للربيع العربي في أسوأها. في وقت سابق من هذا العام، أحرق عمال البناء في المملكة الحافلات في مكة المكرمة احتجاجا على عدم تلقيهم رواتبهم منذ عدة أشهر. وقال مستشار سابق للسياسة الخارجية في البيت الأبيض «إن الظروف التي أنتجت الربيع العربي قبل أعوام لم تذهب بعيدا. ويبدو أنها أكثر مدعاة للقلق في السعودية في الوقت الراهن».
وقد نجحت السعودية في تجنب موجة الاضطرابات التي اندلعت في عام 2011 وذلك بفضل نظام الرعاية الاجتماعية السخي الذي يموله النفط.
بطبيعة الحال، فإن الحكومة السعودية سوف تقوم بإدخال الإصلاحات بشكل تدريجي من أجل تجنب هذه الحالة. ومع ذلك، فإن التخفيضات تحتاج إلى أن تكون أعمق وأسرع من أجل استعادة الوضع المالي للبلاد. في يناير/كانون الثاني، قامت السعودية بزيادة أسعار البنزين إلى أكثر من الضعف. جعلت هذه الزيادة السعر 24 سنتا فقط لكل لتر أو 90 سنتا لكل جالون وهي خطوة صغيرة في الطريق نحو تطبيق أسعار تتماشى مع السوق الدولية.
وفي الوقت نفسه، فإن السكان البالغين السعوديين سوف تزيد أعدادهم إلى الضعف خلال الأعوام الـ15 المقبلة ما يستلزم تخفيض نظام المدفوعات والإعانات.
تعتزم المملكة العربية السعودية التخلص التدريجي ليس فقط من دعم المنتجات البترولية، ولكن أيضا من دعم الماء والكهرباء على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتشمل الخطة تطبيق ضريبة المبيعات وضرائب الدخل وتخفيض الأجور الحكومية وهذا يعني انخفاض المرتبات لأكثر من ثلثي السعوديين.
وقد دفع الارتفاع الأول في أسعار البنزين السعوديين إلى ملء خزانات وقودهم خلال ساعات. ما يأتي بعد ذلك يمكن أن يكون أسوأ. وهناك تاريخ طويل وراسخ يربط بين خفض الدعم وحالة عدم الاستقرار السياسي. اليمن المجاورة، ونيجريا المنتجة للنفط، هي أمثلة حديثة على البلدان التي اندلعت فيها أعمال العنف بسبب ارتفاع الأسعار.
ولذلك فإن المملكة العربية السعودية تشرع في خطة التحول الوطني في وقت تتزايد فيه القيود السياسية في البلاد مقارنة بزمن الطفرة النفطية. أولئك الذين يتوقعون التغيير الاقتصادي، مثل ولي ولي العهد، ينبغي أن يتطلعوا إلى التغيير السياسي كذلك.
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-