التفجيرات الإرهابية الثلاثة الآثمة التي وقعت في مدن متفرقة من بلادنا الحبيبة يوم الاثنين الأسود الموافق 4 تموز (يوليو) الماضي، والتي صعق بها العالم الإسلامي بأسره، كون أن إحداها وقع على بعد أمتار من الحرم النبوي الشريف، كشفت القناع عن الوجه القبيح البائس واليائس لحقيقة سلسلة العمليات الإرهابية التي وقعت في المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية.
الكاتب محمد معروف الشيباني في مقال له بعنوان "من جهيمان إلى تفجير المدينة" المنشور بصحيفة أنباء الأحساء الالكترونية، أكد على أنه لا يجوز اعتبار الحادث الذي وقع بالقرب من الحرم النبوي الشريف، على أنه حادث إرهاب فقط.. بل هو (حادثٌ نوعيٌّ) بكل معاني الكلمة.. لا يقلُّ شناعةً عن حادث احتلال الحرم المكي قبل 37 عاماً من جهيمان وعُصبتِه. وهنا أنا قد أُعطي بعداً آخر للنوعية التي تحدث عنها الكاتب، والتي برأيي تؤكد على أن الإرهاب الذي يستهدف المملكة، إرهاب له مقاصد سياسية بحتة، وليس كما يعتقد البعض أن مقاصده مذهبية أو عقائدية أو حتى تصحيحية كما زعم جهيمان وزمرته الباغية عند احتلالهم للحرم المكي الشريف قبل 37 عاماً.
برأيي أن هدف ومقاصد التفجيرات والأعمال الإرهابية، وبالذات الأخيرة منها التي وقعت في المملكة، استهدفت في المقام الأول إشاعة الفوضى داخل البلاد، والمحاولة اليائسة والبائسة في نفس الوقت، لإحداث خلخلة في نظام الأمن الداخلي للبلاد لتحقيق أغراض سياسية بشعة، أشبه ما تكون بما يحدث ببعض الدول العربية تحت وطأة ما سُمى بالربيع العربي ولكن بطريقة إرهابية مقيتة ومرفوضة.
وبالتالي لا أعتقد بأن هدف الحوادث الإرهابية التي حدثت في المملكة خلال الفترة الأخيرة، قصدها ومبتغاها قتل رجال الأمن، أو إثارة الفتنة بين المذهب السني والشيعي، أو قتل الأجانب من غير المسلمين وإبعادهم عن البلاد، بقدر ما هي استهداف واضح لأمن واستقرار المملكة وفق أجندة سياسية ممنهجة تقودها قوى خارجية لا تريد الخير والصلاح لبلادنا ولن يهدأ لها بال ويرتاح لها خاطر حتى تحقق مقاصدها المشينة والشريرة، وبالذات وأن المملكة تنعم بالأمن والأمان والاستقرار وظلت صامدة وقوية ومتينة ومتماسكة (قيادة وشعباً) أمام تداعيات وارهاصات وإفرازات الربيع العربي.
الكاتب الشيباني في مقاله يبحث عن الإجابة على سؤال صعب وهو: كيف سنخرجُ كوطنٍ من أحابيلِ الأعداء و شِراكِ المتربّصين داخلياً وخارجياً؟.
برأيي أن الإجابة على هذا السؤال الصعب، تتطلب شيئا من المصارحة مع النفس بغية الوصول للإجابة الدقيقة والصحيحة، حيث باعتقادي أن المملكة قد نجحت أمنياً بامتياز في مكافحة الإرهاب والإرهابيين، وقد شهد لها القاصي والداني بذلك، ولكنها لم تنجح بما فيه الكفاية في تحصين فكر الشباب ضد الإرهاب والإرهابيين.
وهنا أنا بدوري أطرح أيضاً سؤالا صعبا آخر يبحث عن إجابة شافية ووافية وهو: كيف لمنظمة إرهابية أياً كانت تمكنت في وقت قصير جداً من أن تستميل عقول شبابنا باتجاه الإرهاب والأعمال الارهابية، باستخدام أدوات ووسائل اتصال غير مباشرة مثل شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، في حين أن شيوخنا وعلماءنا الأفاضل من دعاة ورجال علم ودين، لم يتمكنوا من تحصين شبابنا فكرياً ضد الارهاب والارهابيين؟
نحن بكل تأكيد بحاجة إلى تبني تنفيذ خطة وطنية شاملة، نحصن من خلالها شبابنا وأبناءنا ضد الارهاب، على أن تبدأ تلك الخطة بتحصين الأسرة في المقام الأول، ومن ثم تمتد إلى المدرسة والجامعة، لتشمل بذلك الطلاب والطالبات ومناهج التعليم وأسلوب التدريس، وتنتقل بعد ذلك للتركيز على المجتمع ككل ومؤسساته المختلفة الدينية وغير الدينية، بما في ذلك المساجد والأئمة والخطباء وحلقات التدريس وتحفيظ القرآن، وبهذا سنتعرف على أين تكمن مكامن الخلل والضعف في هذه المنظومة، وكيف يمكن معالجتها بما يكفل بناء مجتمع سليم وصحيح، قوي ومتين، وحيوي في نفس الوقت كما رسمت له رؤية المملكة 2030.
طلعت بن زكي حافظ- الرياض السعودية-