أعلنت وزارة العمل السعودية هذا الأسبوع أنها أحالت على مجلس الوزراء اقتراحاً يقضي بإغلاق مراكز التسوق في السعودية عند التاسعة مساءً، في محاولة من الوزارة لتنظيم الأسواق وجعلها جاذبة لتوظيف الشـــباب الســعودي من الجنسين واحتواء بطالتهم. وشهد اقتراح الوزارة جدلاً ونقاشاً واسعاً على مواقع التواصل الاجــتماعي بين مؤيد ومعارض، وفريق ثالث وقف في الوسط، أي مع تطبيق القرار ببعض الشروط.
هدف وزارة العمل من القرار بالتأكيد هو توظيف الشباب وإلحاقهم بالعمل في المولات وأسواق التجزئة، وهو أمر يصعب حالياً نظراً إلى طول ساعات عمل هذه المراكز التي تبقى مفتوحة حتى ساعات متأخرة تصل إلى منتصف الليل وبدوام يزيد على 12 ساعة يومياً، ما يجعل العمل فيها غير جاذب للشباب وشبه مستحيل للنساء، وهن من تصل بطالتهن إلى ما يزيد على 30 في المئة في السعودية، ويشكل توظيفهن إحدى مبادرات وزارة العمل التي ألزمت بها نفسها في «رؤية 2030».
تاريخياً، سبق للوزارة أن ألزمت المولات قبل أربع سنوات بتوظيف الفتيات إلا أن جهودها لم تنجح إذ سرعان ما انسحبت كثيرات منهن نتيجة طول ساعات العمل وقلة الرواتب وارتفاع تكلفة النقل من العمل وإليه في بلد لا تتوافر فيها وسائل نقل عام مريحة ورخيصة.
بالطبع، القرار ما زال اقتراحاً ولن يكون نافذاً إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليه، علماً أنه سيقتصر على المولات وأسواق التجزئة، ولن يشمل المطاعم والمقاهي وأماكن الترفية وفق تصريح للناطق باسم الوزارة خالد أبا الخيل قبل يومين، لكن إعلان الوزارة أثار الرأي الشعبي في شكل كبير فهي المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة العمل نيتها الإقدام على هذه الخطوة.
المؤيدون للقرار يرونه جيداً لتوظيف الشباب - والفتيات خصوصاً - كما أن له منافع أخرى منها تقليل استهلاك الطاقة، وزيادة الروابط الأسرية والاجتماعية التي لا يجد لها كثر الوقت الكافي حالياً، وسيساهم في تقليل المشاكل الأمنية من تحرشات وملاحقات، وسيوقف سهر الموظفين ليناموا مبكراً استعداداً ليوم عمل جديد نشيط ومنتج، وغير ذلك من الحسنات.
أما المعارضون فيرون في القرار فرضاً غير مقبول، فالبلد ليس فيه متنفس للأسر سوى الأسواق، كما أن الليل هو وقت التسوق المفضل للأسر إذ لا يمكن الخروج للتسوق ظهراً وعصراً في ظل درجة حرارة تراوح حول 50 درجة مئوية في أكثر شهور السنة، إضافة إلى قصر زمن التـــسوق لــموظفي الحكومة والقطاع الخاص الذي يبدأ من بعد العصر إلى التاسعة مساءً ويتخلله أيضاً إقفال للأسواق مرتين لصلاتي المغرب والعشاء بما يصل إلى ساعة كاملة لمجموع زمن الصلاتين (تقفل الأسواق عادة قبل الأذان بـ 10 دقائق وتفتح بعد انتهاء الصلاة بدقائق مثلها).
الواقفون في الوسط يرون أن القرار جيد بشرط تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد التاسعة مساءً ليتمكن الناس من التسوق بسعة، وأن يُمدَّد عمل الأسواق لما بعد التاسعة في أيام الإجازات الأسبوعية والمواسم كرمضان وعيدي الفطر والأضحى، وإذا طُبِّقت هذه الشروط فهم يرحبون بإيجابيات القرار التي يسوقها المؤيدون ومن أهمها فتح فرص التوظيف أمام الشباب والفتيات الذين يمنعهم طول فترة العمل حالياً من الالتحاق بهذه الوظائف، ولا يستطيعون منافسة العمالة الأجنبية في ذلك خصوصاً أن بعض الأجانب يعمل ما يصل إلى 15 و16 ساعة بلا تذمر أو شكوى.
اقتصادياً، يُعتبَر تنظيم عمل الأسواق شيئاً جيداً، لكن هل تعتقد وزارة العمل بأن بمجرد إغلاق الأسواق التاسعة مساءً سيتوافد الشباب على وظائف الأسواق زرافات ووحداناً؟ الإجابة الأكيدة هي لا، فساعات العمل معوق من ضمن مجموعة معوقات يجب أن تُحل كلها بالتزامن، وأهمها ضآلة الرواتب وتكلفة الانتقال من العمل وإليه خصوصاً للفتيات. فالفتاة التي تحصل على راتب مقداره ثلاثة آلاف ريال يكلفها الانتقال بالليموزين ما لا يقل عن ثلثي الراتب، ولو امتلكت سيارة خاصة فسيكلفها استقدام سائق أجنبي وراتبه مبلغاً لا يقل عن هذه النسبة، وهو ما يجعل الوظيفة كعدمها بالنسبة إليها.
وضعف الرواتب وصعوبة التنقل خصوصاً للنساء العاملات من العوائق الكبيرة التي يجب أن تُحَل بالتزامن مع تقصير ساعات العمل حتى التاسعة مساءً. وما لم تفعل الوزارة ذلك فالنتيجة المعروفة سلفاً هي إخفاق جديد ودوران في حلقة مفرغة من اللاحلول.
عبدالله بن ربيعان- الحياة السعودية-