أعلنت السعودية في وقت مبكر هذا العام عزمها تنفيذ خطة طموحة لتطوير الصناعة العسكرية كجزء من الرؤية العامة للحد من اعتماد اقتصادها كليا على النفط، مع هدف إنتاج 50% من المعدات العسكرية محلياً بحلول 2030.
تهدف الخطة لتطوير معدات الصناعة المتقدمة لتكون بديلة عن شراء الأسلحة من الخارج مع توفير وظائف أكثر للسعوديين. وبينما تعد هذه الخطة مؤشرا لفهم الأمير السعودي الجديد لمخاطر الاعتماد بشدة على موردي السلاح الأجانب، إلا أن الخطة لا تعبر عن واقع معرفة سبب ذلك من الأساس. فهذه الخطة الطموحة لا يمكن بأي حال من الأحوال تنفيذها بالتوازي مع الخطة الشاملة للإصلاح الاقتصادي «رؤية 2030»، حيث تعتمد الصناعة العسكرية على النفط، بينما تهدف الرؤية لتحويل الاعتماد الاقتصادي إلى الصناعات الأخرى.
واليوم، يذهب فقط 2% من إنفاق الجيش السعودي إلى الموردين المحليين، ما يجعل المملكة معتمدة بشكل شبه كامل على المورد الأجنبي. وبالإضافة إلى أن ذلك يساهم في زيادة مستويات الإنفاق العسكري، فهو يكبل السعودية أيضا ويجعلها خاضعة في ساحة المعركة. ويعرض قلة الاعتماد على الصناعة المحلية العسكرية السعودية إلى مواجهة صعوبات في أقلمة السلاح الأجنبي مع الظروف المحلية، وعدم التمكن من إصلاح المعدات وقت المعركة، كما يجعلها أكثر عرضة لقرارات حظر السلاح.
حاولت العديد من الدول الغنية بالنفط مثل السعودية الاتجاه إلى الاعتماد على الصناعة العسكرية المحلية في التسعينيات، لكنها لم تنجح. فدولتان مثل نيجيريا والعراق فشلتا في ذلك بسبب الفساد الذي ضرب الصناعة العسكرية الداخلية. ويرجع فشل هذه الدول في تحقيق نجاح في هذا الأمر إلى اعتمادهم الكامل على شراء الأسلحة من الخارج بعائدات النفط، سعر متذبذب وغير مستقر للنفط تتغير قيمة ميزانية الأمن في هذه الدول. كما ساهم في هذا الفشل أيضا فساد القادة العسكريين في هذه الدول، وتفضيلهم شراء معدات عسكرية من الخارج عديمة الفائدة وغير ذات أهمية للحصول على عمولات من صفقات السلاح. حدث هذا وقت أن كانت عائدات النفط ترتفع للغاية، مثلما حدث في فنزويلا والجزائر وتشاد قبل انهيار أسعار النفط في 2015. تعاني الدول الغنية بالنفط أيضا من نقص العمالة الماهرة بالصناعات عالية التقنية، بسبب الأجور العالية في قطاع النفط الذي لا يتطلب تقنية عالية، ما يسبب نقص جودة العمالة التي تعمل في الصناعات العسكرية.
وتسبب هذا المزيج من العوامل في خلق جيوش ذات تسليح قوي على الورق، لكنه يتفكك ويتكشف وقت المعركة، وهذا ما حدث لجيشي العراق والسعودية في حرب الخليج الأولى، وهو ما حدث لطرف الحرب الآخر إيران أيضا. ويشكل الأداء الهزيل للسعودية في حرب اليمن الدائرة مثالا أيضا على ضعف النتائج التي يحققها هذا الجيش باهظ الثمن.
عوامل النجاح
يتطلب بناء صناعة عسكرية من الصفر مثلما تريد السعودية عدة عوامل:
أولا: لابد أن يكون لدى الجيش والقطاع العسكري بيئة اقتصادية مستقرة وميزانية ثابتة طويلة الأجل من أجل وضع خطة واقعية، وهو ما تفتقر إليه السعودية بسبب أسعار النفط غير المستقرة.
ثانيا: تحتاج الدولة إلى مهندسين ذوي مهارة تقوم عليهم هذه الصناعة، وهو ما تفتقر إليه السعودية أيضا.
ثالثا: تتطلب الصناعة العسكرية المحلية إنتاج أسلحة ومعدات إما متقدمة أو رخيصة إلى الحد الذي يجعلها تنافس في الأسواق العالمية، وهو ما يبدو أن السعودية غير قادرة عليه.
ولأجل نجاح السعودية في مشروعها، فإنها تحتاج إلى ميزانية ثابتة لعدة أعوام والتي تعتمد على عدم تغير أسعار النفط عالميا. يجب عليها أيضا تخطي مشكلة نقص المهندسين المهرة لديها بفتح المجال للشركات الأجنبية للعمل داخل المملكة، ما يسمح بنقل التكنولوجيا والخبرة للمهندسين المحليين.
ولكن في ظل اعتماد المملكة في 87% من دخلها على النفط غير مستقر الأسعار، فإنها لن تكون قادرة على ذلك. وفقط مع نجاح خطة التحول الاقتصادي، وفقط بعد الوصول إلى تحقيقه، عندها من الممكن البدء في إصلاح الصناعة العسكرية. فالإصلاح العسكري لن يصلح الاقتصاد السعودي المختل، لكن النجاح الاقتصادي يمكنه إصلاح الصناعة العسكرية المختلة.
وور أون ذا روكس - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-