ليس سرًا أن السعودية تعاني من تباطؤ اقتصادي حاد، وأنها قررت القيام بإصلاحات اقتصادية تبلغ أهدافها على المدى الطويل. ولكن في هذه الأيام فإنّ عاملًا ليس معروفًا بشكل جيد في هذا التحول أصبح مرئيًا يسلط الضوء على التداعيات والمخاطر المحتملة للأزمة في المملكة.
وبعد 60 يومًا من إعلان الحكومة السعودية عن برنامجها الخمسي للتحول الوطني كجزء من المشروع الإصلاحي الأكبر المسمى «رؤية 2030»، أعلنت الحكومة الهندية بدء عملية طوارئ لإنقاذ آلاف العمال الهنود المفصولين العالقين في عدد من المقاطعات الاقتصادية في المملكة. وقد ظهر الوجه الإنساني لأزمة العمالة الأجنبية المهاجرة بسبب الأعداد الكبيرة من العمال الجنوب آسيويين الذين عانوا من الفصل التعسفي من وظائفهم.
وبدأت الهند في توزيع المواد الغذائية على 16 ألف من العمال المفصولين فور ورود أنباء عن تضورهم جوعًا في السعودية بدون أجور أو طعام أو حتى قدرة على الرجوع لبلادهم. ولم يتلق هؤلاء العمال رواتبهم لشهور قبل فصلهم من عملهم، بسبب نظام (الكفالة) الذي يعطي للكفيل سلطات واسعة للتحكم في العامل الأجنبي. كما يتحكم الكفيل بشكل روتيني في جوازات السفر والحصول على تأشيرات للسفر بما في ذلك تأشيرات الخروج.
كانت أزمة العمال لتظل مغيبة في زمان آخر. لكن في عصر مواقع التواصل الاجتماعي ، كانت تغريدة واحدة غرد بها أحد العمال بشكل مباشر ردا على حساب وزيرة الخارجية الهندية «سوشما سواراج»، يخبرها فيها أنه وزملائه لم يتناولوا طعامًا منذ ثلاثة أيام، حتى انتشر الخبر حول العالم، وأطلقت الوزيرة برنامجًا عاجلًا لمساعدة العمال وتزويدهم بالطعام.
بدأت صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالقنصليات الهندية بتغطية خطوات مساعدة العمالة الجائعة خطوة بخطوة من خلال الجهود الدبلوماسية، وأظهرت الصور الزحام من العمال للحصول على الطعام، كما أظهرت الصور مقابلات بين مسؤولين سعوديين وهنديين لمحاولة إيجاد طريقة لحل الأزمة.
تسبب هذه الوضع بمشاكل دبلوماسية للمملكة في الدول المصدرة للعمالة إلى السعودية، كما تسبب إعادة رواية القصة من قبل أطراف أخرى مثل إيران في وضع المملكة في موقف حرج.
عمل أغلب العمال أصحاب الأزمة لدى مؤسستين كبيرتين في مجال الإنشاءات، الأولى مؤسسة «بن لادن» المملوكة لعائلة بن لادن المعروفة والأخرى «أوجيه» السعودية التي يقودها «سعد الحريري» رئيس الوزراء اللبناني الأسبق. وقد قامت الشركتان بعملية تسريح جماعي للعمال، وقبلها لم تدفع لهم أجورهم لشهور.
وبالعودة إلى مايو/ أيار، نجد أن شركة بن لادن قد سرحت أكثر من 40% من موظفيها أغلبهم من الأجانب، وكان قد سبق ذلك احتجاجت عنيفة من العمال الذين لم يحصلوا على رواتبهم لشهور عبر إشعال النيران بسيارات الشركة في مكة التي نادرًا ما تشهد احتجاجات عنيفة.
أما عن «أوجيه» السعودية فقد سمحت لعمالها بالبقاء في معسكرات العمل على الرغم من فصلهم من وظائفهم ومع تأخر رواتبهم لشهور، وكانت معسكرات العمل توفر لهم الطعام إلى وقت قريب، قبل أن تتوقف خدمة التغذية، ويتأزم الوضع. ولا يستطيع العمال الأجانب مغادرة البلاد أو الحصول على تأشيرة خروج بدون أذونات مكتوبة من تلك المؤسسات، وقد فشلت المؤسستان في دفع الرواتب المتأخرة أو تسهيل خروج العمال من البلاد.
وتعد هذه الأزمة علامة مظلمة حول التقلبات الاقتصادية في البلاد. وأجبرت أسعار النفط المنهارة الحكومة على بدء اتخاذ تدابير كان من المعروف لفترة طويلة أنها ضرورية. وكان من المعلوم الحاجة للتنوع الاقتصادي منذ سنوات، لكن انهيار أسعار النفط قد نبه لسرعة اتخاذ إجراءات في هذا الشأن. وما جعل الأمر مؤلمًا، هو اتخاذ هذه الإجراءات في وقت يتباطأ فيه الاقتصاد.
وكجزء من الخطة الإصلاحية طويلة المدى، «رؤية 2030»، التي يتبناها ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» التي كشف عنها في أبريل/ نيسان، يأتي برنامج التحول الوطني متوسط المدى، والذي يهدف لمضاعفة الدخل غير النفطي لثلاثة أضعاف بحلول نهاية هذا العقد. وبشكل أساسي، يسعى البرنامج في النهاية للحد من اعتماد اقتصاد المملكة على النفط، وتحفيز القطاع الخاص ليصبح هو عصب الاقتصاد السعودي عبر حزمة من الإجراءات.
وتؤدي بعض جوانب هذا التحول إلى التأثير السلبي على النمو على المدى القصير، ولن تقدم الحكومة على إنقاذ برامج التطوير الفاشلة أو المشاريع الإنشائية عديمة الأهمية كما كانت تفعل في الماضي. وعلى المدى الطويل، إذا نجحت الخطة، سيصبح الاقتصاد أكثر مرونة بكثير، لكن يظل الأمر حتى الآن محفوفا بالمخاطر.
تأثيرات ممتدة
ويقع كامل التأثير الآن على دول الجنوب الآسيوي، والتي ترسل معظم العمالة التي تعمل في مجال البناء في المملكة. ويوجد 3 مليون هندي داخل المملكة بالإضافة إلى 1.5 مليون باكستاني. وقد أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية أن آلاف العمال الباكستانيين في حالة يرثى لها، غير قادرين على الحصول على رواتبهم أو تأشيرات لمغادرة البلاد. وقد أعلنت الوزارة أنها تلقت أوامر من رئيس الوزراء الباكستاني بتقديم العون للعمال لمساعدتهم في الحصول على رواتبهم المتأخرة وتأشيرات المغادرة.
وتأثرت دولة نيبال بذلك أيضًا، حيث يعمل نحو 600 ألف نيبالي بالمملكة السعودية العربية، وهي الوجهة الأولى للعمالة النيبالية المهاجرة، ومصدر دخل رئيسي لدولة الهمالايا الفقيرة. وقد بدأت مكاتب التوظيف في كاتماندو في إغلاق أبوابها أمام الجمهور بداعي أن طلبات العمل تنضب.
لقد تسبب التغيير الحاصل في المملكة بمعاناة فردية للعمال، وربما يتسبب في تأثير أعم على الاقتصاد الكلي للبلاد التي تعتمد على المملكة في استيعاب العمال، ومن ثم في الحصول على التحويلات الحيوية من العملة الصعبة. ويبدو هذا التأثير واقعًا ليس فقط على دول جنوب آسيا، بل على دول الشرق الأوسط أيضًا.
وبالنسبة للملكة، فإن مشهد العمال الجائعين، وحتى أعمال الشغب، يمثل تذكيرا بالمخاطر العالية. فبرنامج الإصلاح يتخطى الاقتصاد إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو يهدد استقرار وبقاء المملكة التي يحكمها آل سعود.
وولد بوليتكس ريفيو - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-