لم يتوقع أحد أن تكون سنيّ السعودية المعدودة منتقاة النهاية كما الآن. فمملكة الذهب الأسود تتأرجح هذه الأيام بين جبال لم تعتد علوها، حتى بدأ التعب يأكل مفاصلها؛ حرب اليمن، حرب ليبيا، الخلاف مع إيران، الحرب في سوريا، اتهامها بالإرهاب، دعمها للإرهاب، خلافات حادة ضمن الأسرة الحاكمة، وصمات عار في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة لمشاكل اقتصادية واجتماعية ومعيشية وعسكرية، الآن بدأ الهمس بتقسيم المملكة، همس يعلو تدريجياً ليصبح كلاماً في أروقة أصحاب القرار.
انهيار المملكة العربية السعودية آت لا محالة، وقد توقعه الكثير من الخبراء الغربيين، توقعوا ذلك خلال عقود قادمة، لكن الأسرة المالكة نفسها تُسرّع في عملية الانهيار، وكما قلنا في بحث “هل سيشهد جيلنا انهيار الامبراطورية الأميركية” أن الأمم تنتهي من الداخل إلى الخارج، ونحن في مركز فيريل للدراسات في برلين نتوقع انهيار المملكة العربية السعودية عام 2023.
الهاوية الاقتصادية:
سقطت المملكة السعودية اقتصادياً، وباتت ديونها تتراكم نتيجة سياسة عدوانية غير مدروسة اتبعتها ضد دول أكبر منها، وتدخلها ومشاركتها الفعلية في حروب ضد هذه الدول، شاركت بشكل أساسي في الحرب والإبادة الوحشية ضد شعب اليمن، وفي حرب ليبيا وسوريا والعراق وأفغانستان ولبنان والصومال والسودان ونيجيريا والجزائر، واضطرت لتخصيص قسم كبير من ميزانيتها لتمويل أعمالها العدوانية، ويكفي أن نعلم أنّ حرب العراق كلفت الخزينة السعودية 48 مليار دولار، بحيث تجاوزت تكاليف هذ الحروب 1000 مليار دولار. سرّعت سياسة المملكة العدوانية تجاه روسيا وإيران، برفع سقف انتاج البترول لخفض أسعاره، عسى أن تضرب اقتصاد البلدين، فضربت اقتصادها أولاً.
ذكر بعض الخبراء الألمان أن السعودية تعاني من عجز في الميزانية بنسبة 23%، وأفادت تقارير صندوق النقد الدولي أن هذا العجز هو الأكبر منذ 10 سنوات، لأن مدخرات البنك المركزي السعودي قد تراجعت بنسبة 10% عام 2015 مقارنة بعام 2014، كما تراجع مؤشر الأسهم السعودية بنسبة 50% خلال الأشهر الأخيرة، ويزيد ذلك من احتمال انخفاض قيمة الريال السعودي وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين السعوديين.
إجراءات التقشف السعودية السرية، والتي أمر بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عام 2015، قلّصت الإنفاق الحكومي، وأوقفت جميع مشاريع البنى التحتية الجديدة، وشراء التجهيزات الكهربائية والالكترونية والأثاث والسيارات للدوائر الحكومية، كذلك إيقاف صرف أي تعويضات مالية، ومنع إبرام أية عقود استئجار جديدة. لا يتجاوز الصرف من اعتمادات البنود والمشاريع 25% من الاعتماد الأصلي للربع الرابع من عام 2015. وقد تم سحب 669 مليار دولار من الودائع السعودية في الخارج، للتغلب على الأزمة الاقتصادية، أي أنّ كل ما تم رصده في بنود ميزانية عام 2015 أو أي عام يليها سيتم صرفه بمتوسط 20% فقط من الميزانية المرصودة لكل بند. حسب أليستر نيوتن مدير مؤسسة آلافان: “لابد أن يعود سعر النفط إلى 110 دولارات للبرميل لكي تتمكن السعودية من الوفاء بالتزاماتها الطارئة فقط، ولتعود بالميزانية كما كانت وتعويض ما تنفقه وتكوين فوائض.”
نشر موقع ويكيليكس وثيقة سرية لبرقية دبلوماسية أميركية أرسلت من السعودية؛ تفيد بأنه قد بولغ باحتياطي النفط السعودي وأن قدرة السعودية بالضخ بالطاقة الحالية مبالغ فيه. تقول البرقية بأن المسؤول عن التنقيب والإنتاج في شركة آرامكو أعطى معلومات مخالفة لما أعلنته الشركة. أي لا يمكن أن يعود برميل البترول إلى سعر 110 دولار.
أعلنت السعودية نيتها بيع شركة أرامكو، أكبر شركة نفطية في العالم، أو حصص منها، لأسباب علنية وخفية نذكر بعضها:
العجز في الميزانية، ورفع سقف الإنتاج السعودي وهبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، والتأثير على منظمة أوبك.
الخصخصة والمضاربة في أسواق الأسهم وعولمة القطاع كسبب خفي للبيع، فالمقصود أنه ليس من الضروري أن يكون احتياطي النفط والغاز الموجود في دولة ما ملكاً لها، في إشارة غير مباشرة إلى الاستيلاء على ثروات الدول، فمن الممكن أن تكون النوايا في خدمة هذا المشروع الخطير.
التنافس مع إيران التي فرشت السجاد الأحمر للمستثمرين العالميين، إذ يسعى المسؤولون السعوديون لإبعاد هذه الشركات عن فرص الاستثمار في إيران.
تغيير بنية الاقتصاد السعودي القائمة على النفط والغاز، ويُتوقع أن تبدأ السعودية بإنتاج الطاقة الشمسية بصورة تجارية بشكل أسرع من انتاج الطاقة الذرية، كما تجري استشارات أجنبية أميركية وبريطانية وفرنسية لبناء محطات طاقة نووية.
يعتقد الخبراء أن بيع الشركة سيكشف حقيقة احتياطي النفط السعودي بالإضافة لحجم الاستثمارات والأرباح، وحجم إيراداتها من النفط والسعر الذي تبيع به، وحجم الإنتاج والصادرات، وجميع الأرقام التي كانت راقدة خلف الستار. تُخمّن المؤسسات الدولية أن احتياطي النفط الذي تملكه الشركة هو 10 أضعاف احتياطي شركة اكسون موبيل أكبر شركة خاصة في العالم. يصل سعر شركة أرامكو لـ 12 تريليون دولار بالمقارنة مع اكسون موبيل بـ 323 مليار دولار وسعر شركة آبل الأميركية التي تقدر بـ 600 مليار دولار، لكن حسب تحاليل مالية، إذا تم عرض أسهم أرامكو فإن قيمتها لن تتعدى 100 مليار دولار بسبب عدم الشفافية والفساد والمخاطر السياسية.
تحججت السعودية بالبيع للتغطية على خسائرها، وأنها ستتحول من النفط كمصدر للطاقة ومصدر أساسي للدخل إلى مصادر يتأتى منها تغييرات حكومية تتضمن تغييرات جذرية في أولويات الاقتصاد السعودي ومصادر دخله. جزء من أموال بيع الشركة لإنشاء صندوق مالي سيادي لخدمة مجالات التنمية، كي تتمكن السعودية من العيش دون الاعتماد على النفط عام 2020.
فما هي المجالات التي من الممكن أن تكون موازية للنفط في إدرارها للمال، بالأصح ما المخططات الاستعمارية للسعودية التي ستجلب لها سراً الأموال، وراء ستارة الخطط الاقتصادية التنموية البديلة عن النفط؟ هل من الممكن أن تخلع السعودية عباءة النفط؟.
أعلن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية ،أن السعودية ستتبع نهجاً جديداً لتغيير خارطتها الاقتصادية المعتمدة على الطاقة، إلى العديد من القطاعات التي تساهم في التنمية المستدامة حتى 2030. لكنه بالغ بالمدة الزمنية كي لا يكشف عن الخطر الذي يهدد السعودية. أقول أنه من الممكن أن تتحقق هذه الأحلام في حالة واحدة فقط، إن بقيت السعودية على ماهي عليه الآن. كما شجع على العمل بقطاع التعدين الذي لاتستفيد منه السعودية بأكثر من 3%، أما في المجال العسكري فهي السباقة كثالث أكبر متسلح في العالم، تجلى العمل بذلك القطاع بإنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة بالكامل للسعودية، ستطرح للبورصة بنهاية 2017.
اجتمع المئات من رجال الأعمال السعوديين، والذين يقتربون رويداً رويداً من فخ الإفلاس، مع استشاريين اقتصاديين غربيين، لبحث مستقبل الاقتصاد السعودي بعد الانخفاض الكبير لأسعار النفط. اقترحوا: تنمية المنشآت السياحية على بعض “الجزر”، بعدها باعت مصر جزيرتي صنافير وتيران للسعودية. واقترحوا أيضاً خلق مناطق حرة واسعة في المطارات، وتغييراً مهماً سيكون طارئاً على النظام في السعودية وهو منح تأشيرات الدخول للأجانب والعرب لأطول مدة ممكنة للسياحة والعمل، الاقتراح الأخير لإنقاذ الاقتصاد السعودي كان: مشاركة أكبر للنساء السعوديات في كافة مجالات الحياة! ولا ندري ما الذي حصل بعد الاقتراح الأخير؟!.
هناك سبب قد لايخطر على بال الكثيرين، يهدد صناعة النفط في السعودية، يتمثل في التغيير المناخي الذي يطمح المجتمع الدولي لمقاومته في المستقبل، مايخلق حالة ضبابية حول الطلب على النفط في المستقبل القريب والبعيد. عدا عن الإستعاضة عنه حالياً في بعض الدول بمصادر للطاقة صديقة للبيئة. حين تقلل السعودية من اعتمادها على النفط تكون بذلك قد وفرت الكثير من المصاريف، بضمان أن “البرنامج لن يجعل الفقراء أكثر فقراً!!” هو ما قاله الأمير محمد بن سلمان، بكل ما يمتلك من “حكمة وعظة”. وصرح الأمير السعودي أن الرؤية الجديدة ليست عبيدة لأسعار النفط بل هي من تتكيف معه مهما بلغ انخفاضه.
توقع الرئيس التنفيذي لصناديق التحوط “بوينت ستيت كابيتول” زاك شرايبر، قبل عامين بهبوط أسعار النفط، وكانت توقعاته بمحلها. وقال: “أمام السعودية عامان أو ثلاثة قبل أن ترتطم بالجدار”، متوقعا أن تواجه إفلاساً هيكلياً، بسبب تهديدات مزدوجة تتمثل بالتزامات الاتفاق الضخمة، وانخفاض أسعار النفط، وتابع: “لا عجب أن السعوديين يستدينون مبالغ ضخمة”. فوصلت الأسعار إلى 26 دولار للبرميل في حدها الادنى.
من تبعات الحرب اليمنية التي كلما طال أمدها، ازدياد الخوف من امتداداتها إلى منطقة الخليج والاستثمار فيها، فالإمارات وقطر والكويت تتوجه أيضاً لشراء طائرات حربية وزيادة التسلح، وسيؤثر ذلك على مشاريع القطاع الخاص والعام وسيتأخر إنجازها إن لم يلغَ بسبب الإنفاق الحكومي على الأولويات العسكرية لا المدنية والتجارية. وصل إنفاق السعودية عام 2014 لأكثر من 81 مليار دولار ليشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. مع زيادة الإنفاق العسكري تزداد التأثيرات السلبية على احتياطيات واقتصاديات الصناديق السيادية لدول الخليج وبالتالي سحب المزيد من الأموال لتمويل الحرب. مع العلم أن السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي، فإن التهديد بتراجع معدلات النمو فيها يتزايد. بالاضافة لابتعاد الاستثمارات الأجنبية عن المشاريع طويلة الأمد وانخفاض نسب السياحة الدينية، وارتفاع تكاليف النقل والتأمين، وجميع جهود السعودية الحثيثة لتنويع مصادر دخلها قد تتعرقل أمام هذه العقبات.
الأهم من ذلك أن المواطن السعودي يدفع تكاليف مقامرة حربية غير محسوبة الأمد ولا العواقب، إذ تفاجأت السعودية بقدرة المعارضة اليمنية على الصمود على مدار سنة وأربع أشهر. وضعها في موقف محرج مالياً واقتصادياً وأمام حلفائها فلا تستطيع مطالبتهم بدفع تكاليف حرب أقل ما يمكن وصفها بالمغامرة، على العكس فقد تعهدت بدعمهم بتقديم 12,5 مليار دولار للقاهرة، على شكل مساعدات واستثمارات وودائع، إضافة الى 5,5 مليار دولار للأردن والمغرب والسودان وهي الدول الحليفة من خارج مجلس التعاون. فتكثر السعودية الآن من الهدن مع الحوثيين كي تتجاوز بها أزمتها الاقتصادية وتطلب القروض من الجهات الدولية المانحة. أما في سوريا… فللحديث شجون…
إلى اللقاء في الجزء الثاني.
سارة عيسى- مركز فيريل للدراسات-