تعني الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد السعودي أنه من المرجح أن تحقق الرياض أهدافها الاستراتيجية الجديدة بشكل جزئي فقط.
يأتي الإعلان عن استراتيجية التنويع الجديدة وسط أدلة متزايدة على حدة الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على المملكة العربية السعودية. أظهرت بيانات رسمية في يوليو/تموز أن البلاد سقطت في هوة الركود للمرة الأولى منذ الثمانينيات، وتعمل التخفيضات في الإنفاق الحكومي على تفاقم تأثير انخفاض أسعار النفط.
تأثرت صناعة البناء والتشييد، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على مشاريع البنية التحتية التي تمولها الدولة، وخصوصا مع وجود عشرات الآلاف من عمال البناء الأجانب الذين تقطعت بهم السبل بسبب عدم تلقيهم أجورهم لمدة تصل إلى ثمانية أشهر.
وقد أعطت التوقعات الاقتصادية المتدهورة دفعة جديدة للحكومة للنظر في الإصلاح الاقتصادي، حيث كشفت الرياض في يونيو/حزيران عن برنامج للتحول الوطني بقيمة 72 مليار دولار. وتحدد الخطة التي تتكون من 110 صفحات، السياسات الاقتصادية الرئيسية والأهداف لمدة خمس سنوات (2016-2020)، كجزء من خطة اقتصادية طويلة الأجل منصوص عليها في جدول أعمال رؤية عام 2030.
يسعى برنامج التحول الوطني لتحويل الاقتصاد من خلال خصخصة الأصول المملوكة للدولة مثل الموانئ والشركات، بما في ذلك حصة بقيمة 5٪ من شركة النفط الوطنية السعودية أرامكو. وسيتم ترتيب أولويات القطاعات الرئيسية مثل الصناعات الدوائية وتكنولوجيا المعلومات والسياحة والبناء والتعدين، كما تسعى الخطة أيضا إلى جلب الاستثمار.
على الرغم من أن الخطة توضح مستوى أكبر من الإلحاح من جانب الحكومة لمواجهة التحديات الاقتصادية الهيكلية في البلاد، فإن مزيدا من الوضوح بشأن الشروط واللوائح اللازمة مهم لجذب المستثمرين. على سبيل المثال، تعهدت السعودية بتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع التعدين، ولكن لم تقدم الحكومة أي تفاصيل بشأن التغييرات أو الحوافز التنظيمية للمستثمرين.
يمكن أن تواجه مقترحات خصخصة الأصول المملوكة للدولة معارضة محلية بسبب مخاوف من أن الشركات التي تمت خصخصتها حديثا سوف تنفذ عمليات تسريح جماعي لخفض الرواتب المتضخمة. وعلاوة على ذلك، هناك نقص تاريخي في الشفافية في مؤسسات الدولة، وهذا قد يكون مشكلة بالنسبة إلى المستثمرين.
ومع ذلك تستفيد الشركات في السعودية من الإصلاحات البيروقراطية والتنظيمية المقررة، والتي سوف تكون أقل إثارة للجدل من خطط الخصخصة وأسهل بكثير لتنفيذها. وقد صنفت السعودية في المرتبة 82 من أصل 189 من الاقتصادات في سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في تقرير للبنك الدولي 2016، وتخطط أن تصل إلى الترتيب العشرين بحلول عام 2020.
من أجل تحقيق ذلك، تخطط السعودية لتسوية بعض من أكثر الشكاوى المتكررة التي عبر عنها المستثمرون الأجانب، بما في ذلك صعوبة الحصول على التأشيرات والتصاريح. وتخطط الحكومة أيضا إلى تقليل الوقت المستغرق في حل المنازعات التجارية ومعالجة القضايا الأخرى المتعلقة بإنفاذ التعاقد، أما القلق الرئيسي الآخر فهو خفض تكلفة صعوبة تأمين الموافقات الحكومية والامتثال للمتطلبات المحلية في مجالات مثل قانون العمل التي تعتبر حاسمة بالنسبة لآفاق الاستثمار.
الجهود مستمرة في القطاع غير النفطي
من خلال مقارنة استراتيجيات التنويع السابقة، هناك دليل على وجود التزام أكثر موضوعية من قبل الحكومة لمواجهة التحديات الاقتصادية الهيكلية. حيث كانت كل خطط التنمية السابقة لتنويع الاقتصاد في البلاد والتي أعلنت منذ 1970 تفتقر إلى برامج تنمية وأهداف أو آليات واضحة لتحفيز القطاع الخاص، في حين أن قرارات سياسية صعبة، مثل خفض الدعم وفاتورة أجور القطاع العام، تم تجنبها.
يختلف برنامج التحول الوطني عن البرنامج الاقتصادي السابق لأنه يحدد 346 هدفا للجهات الحكومية ويؤسس وحدة لرصد وتتبع التقدم المحرز نحو التنفيذ. كما تم تطبيق خفض الدعم المكلف على المياه والطاقة. وعلى الرغم من قرار الملك «سلمان» عزل وزير المرافق في إبريل/نيسان بعد أن أثار ارتفاع أسعار المياه رد فعل شعبي أكد الحساسية من الإصلاحات والمعارضة المحتملة للتدابير التي تؤثر في مستويات المعيشة، فقد أشار الملك كذلك إلى التزامه بالإصلاح وذلك بتغيير في الحكومة فى مايو/أيار، حيث تم تعيين أشخاص ذوي خبرة تجارية موثوقة مثل وزير العمل «عادل فقيه»، الرئيس السابق لشركة مجموعة صافولا للمواد الغذائية.
وعلى الرغم من نوايا المملكة تجاه التغيير، فإنه من المرجح أن ينمو اقتصاد القطاع غير النفطي ببطء في السنوات القادمة. حيث كان اعتماد القطاع الخاص على العقود الحكومية والإنفاق الحكومي نقطة خلاف رئيسية في الجهود السابقة لتنويع الاقتصاد، وعانى القطاع غير النفطي بالتالي كما في الإنفاق المقرر من خفض الحكومة ميزانيتها بنسبة 14٪ لعام 2016. وقد تم تخفيض الأرباح المحلية عن طريق التقشف الحكومي، وفي الوقت نفسه حد الاضطراب الاقتصادي من قدرة الشركات السعودية على رفع التمويل من البنوك.
وقالت الحكومة أن تمويل القطاع الخاص سيشكل حوالي 40٪ من التمويل، بقيمة 48 مليار دولار، لمشاريع رئيسية مثل مدارس جديدة ومحطات توليد الطاقة، ولكن فرض ضرائب جديدة، مع خفض الدعم سيرفع تكاليف المشغلين المحليين. ويساعد الاستثمار الأجنبي على التخفيف من تأثير ذلك.
السياسية والمخاطر الهيكلية للإصلاحات
تدل التغيرات الإدارية على الدعم القوي للبرنامج الاقتصادي على أعلى المستويات، وعلى الأخص من قبل ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» الذي قاد جهود الإصلاح. وتمثل الخطة أكبر جهد لإعادة الهيكلة الاقتصادية منذ تأسيس البلاد، وهي الخطوة التي تخاطر بالمراكز التقليدية المزعجة للسلطة في البيروقراطية، والأسرة المالكة والمؤسسات الدينية. وقد أثارت السياسات الخارجية والداخلية للأمير «محمد» انتقادات من أعضاء آخرين من الأسرة الحاكمة، وهنا فإن افتقاره إلى الدعم داخل النخبة الحاكمة قد يؤدي لانعزال برنامجه الاقتصادي.
وبالتالي فإن التقدم في تنويع الاقتصاد سيظل عرضة للتغيرات في البيئة السياسية الداخلية أو المقاومة من المصالح السياسية ورجال الدين المحافظين الذين يعارضون التحرر.
لا تزال الاختلالات الهيكلية مثل تلك الموجودة في القوى العاملة قائمة، مما يحد من نمو القطاع الخاص. أقل من 20٪ من جميع العاملين في القطاع الخاص من المواطنين السعوديين، وهو الرقم الذي يعكس رداءة نوعية التعليم المحلي وعدم وجود تطابق مستمر في المهارات والتدريب. يشير السعوديون أيضا إلى تفضيلهم لشغل وظائف أقل إرهاقا وأكثر سخاء من الحكومة. وهذه التحديات الهيكلية من غير المرجح أن تنتهي في المدى المتوسط، وسوف يواجه القطاع الخاص ضغوطا أكبر من الحكومة في توظيف السكان المحليين حيث تسعى الدولة إلى خفض الإنفاق على الأجور. في حين أن الفشل في تحقيق أهدافها في توظيف المواطنين المحليين يمكن أن يعرض الشركات لتدقيق تنظيمي، فسوف تجد الشركات على الأرجح صعوبة في توظيف العمال المحليين ذوي المهارات اللازمة.
تستمر الظروف الاقتصادية الضعيفة أيضا، مما أدى إلى توقعات قاتمة لتوظيف العمال الأجانب في قطاعات رئيسية مثل البناء. في مايو/أيار، أقالت أكبر شركة بناء في المنطقة (مجموعة بن لادن) ما يصل إلى 77 ألف موظف مغترب، وكثير منهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور. وقد ساهم عدم دفع الأجور والصعوبات في الحصول على تأشيرات إلى خروج نوبات متقطعة من الاضطرابات المدنية. على الرغم من أن التهديد العام بخصوص الاحتجاج في المملكة العربية السعودية لا يزال معتدلا، فإن مظاهرة شارك فيها المئات من عمال البناء في يونيو/حزيران عرقلت حركة المرور في جدة، في حين أن مجموعة العمال في مايو/أيار أضرمت النار في ممتلكات شركة بن لادن في مكة المكرمة. ويمكن لتراكم الإحباط بسبب الظروف المحلية أن يظهر في شكل احتجاجات أكثر تواترا وتخريبية ما لم تتدخل الحكومة.
فير أوبزرفر - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد -