شرعت المملكة العربية السعودية في طريق التحول الجذري. وكان الحافز المباشر لذلك هو الانهيار الكبير لأسعار النفط وما نتج عنه من عجز في الموازنة بلغ 13% من الناتج العام المحلي. ويلوح في الأفق في خلفية الوضع الحالي تسارع في الزيادة السكانية قد تضيف 6 مليون سعودي إلى قوة العمل خلال الـ 15 عامًا القادمة، وهو ما يضاعف عدد السعوديين العاملين في سوق العمل حاليًا. لذا، فإن الديموغرافيا السكانية في المملكة يجب أن تكون هي الدافع الرئيسي للتغيير وليس أسعار النفط. فحتى لو ازدادت أسعار النفط أكثر مما كانت عليه، فإنّه مع الزيادة السكانية الكبيرة، لن تستطيع المملكة الحفاظ على النموذج الاقتصادي الحالي، الذي تعتمد فيه الأسرة السعودية في 80% من دخلها على المرتبات الحكومية والمعونات الحكومية الأخرى، ولن يصبح ذلك مستدامًا.
تعترف الرياض بالمشكلة، ولديها خطة طموحة بعنوان رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، وتم الكشف عنهما في وقت مبكر هذا العام. ويقود عملية التغيير، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، وسيشكل هذا التغيير كل عوامل السياسة الاقتصادية في المستقبل المنظور.
بدأت تغييرات كبيرة بالفعل. وفرضت الحكومة حقبة جديدة من التقشف. تم تقليص الدعم، وتخفيض رواتب القطاع العام، وزيادة محدودة في الضرائب لازالت قيد الإعداد. ولا تزال الجهود جارية حاليًا لتعزيز القطاع الخاص. الهدف من ذلك هو تحول السعودية من دولة يعتمد اقتصادها على النفط، إلى دولة يتسم اقتصادها بالتنوع والديناميكية والتنافسية صناعيًا وماليًا وفي قطاع السياحة. ولن يساعد نمو القطاع الخاص فقط في تنوع القاعدة الاقتصادية للمملكة وزيادة الناتج المحلي العام، ولكن أيضًا سيساعد في خلق وظائف جديدة للسعوديين بأرقام تفوق التوقعات.
وكما تواجه السعودية تحديات مستقبلها الاقتصادي، تواجه أيضًا تحديات أمنية. وعلى الساحة الدولية، فإنّ الرياض متورطة في حرب مكلفة في اليمن. كما زادت التوترات بينها وبين إيران في عموم المنطقة، من خلال حروب بالوكالة في سوريا والعراق ولبنان وأماكن أخرى، وملاسنات في الدوائر الدبلوماسية. بالإضافة لتحولات في علاقة كل من البلدين بالولايات المتحدة.
وعلى مستوى الجبهة الداخلية، تواجه السعودية سلسلة من التحديات. لازالت القاعدة في شبه الجزيرة العربية تشكل تهديدًا كبيرًا، وتكررت هجمات الحوثيين على أهداف داخل المملكة. وتعرضت المملكة لعدة هجمات انتحارية قام بها تنظيم الدولة الإسلامية ومناصروه في رمضان في يوليو/ تموز هذا العام، وسلسلة من التفجيرات التي استهدفت الأقلية الشيعية في البلاد. كما تشهد المناطق الشيعية في المنطقة الشرقية اضطرابات، ولاسيما منذ إعدام المملكة للشيخ «نمر النمر» في بداية 2016.
مملكة حديثة
توجد أسباب للتفاؤل تجاه التحول الاقتصادي في السعودية. وربما لا تتكشف رؤية 2030 وفقًا للخطة، لكنَّ السعودية قد وضعت نفسها على مسار التغيير الاقتصادي من الناحية الهيكلية والأساسية، ولا عودة للخلف. ويمتلك السعوديون الموارد والمواهب لإحداث هذا التغيير، وقطع الأمير «محمد بن سلمان» خطوات نحو تشجيع التغيير في الرأي العام ولاسيما بين الشباب.
ولن يكون التغيير محدودًا في النطاق الاقتصادي فقط. ولكن سيصاحب التغير الاقتصادي تغيرًا ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا. ورغم أنّ الخطاب لا يتحدث عن تغيير مفاجئ، إلا أنه من المرجح أن يتسبب في موجات من الصدمات داخل المجتمع.
وستبدأ العملية بمرسوم من أعلى إلى أسفل، لكنها ستولد الزخم الشعبي الخاص بها من أسفل إلى أعلى. وبمجرد أن تبدأ، ستكتسب العملية حياة في ذاتها. ستبدأ الاستثمارات الأجنبية بالتدفق على البلاد، وستبدأ المؤسسات الأجنبية بتوظيف مئات الألآف من السعوديين. سيتحسن وضع المرأة. وسيندمج الشباب السعودي بشكل أكبر مع العالم الخارجي، وهو ما سيسمح للسعوديين وللعالم بفهم بعضهم البعض.
وهذا بدوره سيتسبب في بعض الاضطرابات الناتجة عن التصادم بين الأجيال المختلفة في المملكة وخاصة مع الإسلام الراديكالي. وسيكون هناك توترات بين المناطق وتوترات اجتماعية اقتصادية وتوترات طائفية وتوترات بين سكان الحضر والريف. وسيكون على الحكومة الاهتمام بكل ذلك.
وستقدم السعودية مثالًا واقعيًا لعلاقة التحول الاقتصادي بتطور أشكال التطرف. وعمليًا، ستتطلب عملية التحول طرقا غير تقليدية في محاربة الإرهاب والأساليب المتطرفة. وستستفيد السعودية من قدراتها من الذكاء البشري والمعلومات الاستخباراتية من أجل استهداف الشبكات المتطرفة، لكن ذلك لن يكون كافيًا.
والأهم من ذلك، أنّ الحكومة السعودية في حاجة لفهم مفصَّل للديموغرافية السكانية في المملكة، ومدى استجابة كل شريحة ديموغرافية لكل تغيير اجتماعي واقتصادي وسياسي. وسيتطلب ذلك تحليلا استشرافيا تنبؤيا للمؤشرات الطبيعية والواقعية. وسيتعين على الحكومة مع هذا أن تدير هذه العملية بالتوازي مع حوار مجتمعي مصاحبًا بتحفيزات واسعة وإجبار انتقائي في بعض الحالات.
ولتحقيق هذا التوازن، سيتعين على الاستخبارات والقوى الأمنية العمل جنبًا على جنب عن قرب أكثر مع القطاع العام والخاص، والاحتكاك بـ «عقول وقلوب» الشباب السعودي، بينما تظل أيضًا متناغمة مع وجهات نظر المؤسسة الدينية ومصالحها.
إنّ المخاطر كبيرة، والمهمة هائلة. ومع كون أكثر من نصف سكان المملكة أقل من 25 عامًا حاليًا، ستشهد السعودية أجيال متعاقبة تبلغ سن الرشد (بحجم غير مسبوق) في بيئة صاخبة. كما سيتعين على المسؤولين في المملكة النقاش حول جوانب الهوية الثقافية للمملكة، وسيفعلون ذلك بالطبع وسط معارضة شرسة. وإذا فشلوا، سيؤدي ذلك إلى حدوث اضطرابات داخلية كبيرة وخطيرة أكثر من أي تهديدات أخرى.
تمثل رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني نقطة لا عودة للبلاد. ولتحقيق مثل تلك الأهداف الطموحة، يتعين على المملكة تلافي الاضطرابات والتوترات والشكوك التي ستصاحب التغيير. ومن منظور أمريكي، يوجد خيار ثنائي، وهو أن الولايات المتحدة من الممكن أن تساعد السعوديين خلال العملية، أو ألا تشارك ببساطة. يمكنها مساعدة السعودية في التحول للبلد التي وصفت في رؤية 2030. أو تسند ظهرها للأريكة وتجلس في مقاعد المشاهدين وتأمل في أن يحدث الأفضل في الوقت الذي تدخل فيه الدولة الأكثر تأثيرًا في العالم الإسلامي لحظةً فارقةً من تاريخها.
فورين أفيرز-