قمنا بمناقشة برنامج رؤية السعودية 2030 وتأثيرها المتوقع على أسعار النفط في مقالات سابقة. ولقد علمنا جميعًا أن برنامج رؤية 2030 مدفوع بحاجة المملكة للإصلاح الاقتصادي، وأسباب ذلك ليس من الصعب إيجادها.
ووفقًا لوزير الخدمة المدنية «خالد العراج»، الذي شارك الخبر في مقابلة الأسبوع الماضي، أنّ العديد من موظفي الحكومة السعودية في الحقيقة لا يفعلون شيئًا. وأضاف أنّ الذين يعملون لا يتخطى عملهم الساعة، وهذا مبني على دراسات.
وفي حين من المعروف أنّ غالبية الموظفين الحكوميين هم من السعوديين، لكن لازال من المفاجئ معرفة كم أنّهم غير منتجين.
ويقترب سكان السعودية من 31 مليون نسمة، 21 مليون منهم فقط من السعوديين. ومن هؤلاء، فقط 4.6 مليون مندمجين في القوة العاملة.
ما يقارب من 70% من الـ 4.6 مليون مواطن سعودي يعملون في القطاع العام، وخلال الـ 10 سنوات الأخيرة، تحمّل القطاع العام نحو 88% من نمو دخل الأسرة السعودية. وهذا يعني أن الزيادة في ثروة الأسرة السعودية خلال العقد الماضي قد اعتمدت على إنفاق الحكومة على الرواتب والدعم.
ومع تراجع عائدات النفط، أعلنت الحكومة إجراءات تقشفية، وبدأت بتقليص رواتب الوزراء بنسبة 20% وتقليل عدد أيام الأجازات لموظفي القطاع العام. عملت هذه الإجراءات على توفير بعض المال على المدى القصير، وزيادة الإنتاجية، ولكن على المدى الطويل فإنّ الحكومة غير قادرة على الاستمرار في الإنفاق بسخاء، لسببين
الأول أنه بدون إصلاح جذري في نظاميها السياسي والاقتصادي، تكون السعودية في طريقها للإفلاس. يقف فائض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي عند 100% من الناتج المحلي. على الرغم من ذلك، فمع انهيار أسعار النفط، عانت البلاد من عجز في الموازنة بلغ 20% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015، وهو ما يمكن أن يستمر إذا استمرت أسعار النفط أقل من 50 دولار للبرميل. وفي خلال 3-4 سنوات، ستصبح احتياطيات النقد الأجنبي للمملكة أقل بكثير، وستجد السعودية نفسها في وضع المدين.
وبدون إصلاح جذري وشامل، من الممكن أن تتراكم ديون المملكة لتصل إلى 140% من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2030، ومن الممكن أن تستمر في التراكم لتصل إلى أبعد من ذلك. وهذه الحسابات تفترض أن يتجمد الإنفاق العام عند مستويات اليوم حتى 2020، وانخفاض النفقات من 40% من الناتج المحلي عام 2014 إلى أقل من 30% عام 2030.
التحول الديموغرافي
هذا يقودنا إلى السبب الثاني لحاجة المملكة لنجاح رؤية 2030، وهو التحول الديموغرافي القادم.
وعلى الرغم من أن تعافي أسعار النفط قد يوقف تعثر المملكة وتوجهها نحو الإعسار، فإنّ التحول الديموغرافي في السنوات القليلة الماضية قد يؤدي بها لنفس النتائج. فهناك أكثر من نصف سكان المملكة اليوم من الشباب أقل من 25 عامًا، وبحلول 2030 سيزيد عدد المواطنين السعوديين بعمر 15 عامًا وأكثر بنحو 6 ملايين.
وتقدر ماكنزي، الشركة الرائدة في استشارات الاعمال، أنّ التضخم الديموغرافي القادم سيجلب للسعودية نحو 4.5 مليون مواطن جديد في سن العمل بحلول عام 2030. وسيضاعف هذا التحول الديموغرافي من حجم سوق العمالة ليصل إلى 10 ملايين مواطن، ولاستيعاب هذه الزيادة الضخمة، ستكون السعودية في حاجة لخلق وظائف تساوي 3 مرات حجم الوظائف التي خلقتها في فترة الانفجار النفطي بين عامي 2003 و2013، وهو شيء لا يبدو ممكن الحدوث في الوقت الذي وصل العالم فيه لذروة استهلاك النفط. ونظرًا لانخفاض إنتاجية موظفي الخدمة المدنية وقيود الميزانية، فإنّ الوضع حرج للغاية للدرجة التي لا يمكن للقطاع العام وحده مواجهتها.
وهذا يعني أنّ التغيير ضروري. فقد عانت المملكة من وضع اجتماعي منحرف في السنوات الماضية، ساهمت فيه عائدات الثروة النفطية، بالقيام بالإنفاق العام في شكل وظائف في القطاع العام. وللأسف، كان الجميع راضين بهذا الوضع. وقد تسبب هذا الوضع في توجه كل السعوديين القادرين على العمل للقطاع العام، وترك القطاع الخاص يعاني.
ومع انخفاض أسعار النفط والتحول الديموغرافي الوشيك، ينبغي تغيير هذا الاتفاض الاجتماعي الضمني. فإذا كان القطاع العام غير قادر على النمو، والقطاع الخاص صدفة فارغة، من أين ستأتي الوظائف التي سيتطلبها هذا التحول الديموغرافي؟
تخيلوا السعودية مكانًا حيث ملايين الشباب عاطلين ومتعثرين اقتصاديًا ومحرومين يأتون للمطالبة بحقوقهم. من المؤكد أنّ مثل هذا الوضع سيؤدي للاضطراب داخليًا وخارجيًا.
إذا كانت الأسرة الملكية تريد أن تظل في السلطة، يتعين عليها اتخاذ 3 مسارات في وقت واحد:
أولا: تقليص ميزانية الحكومة والدعم لإبطاء النزيف الحالي في الثروة.
ثانيا: زيادة أسعار النفط للحد من المزيد من المعاناة الاقتصادية، في الوقت الذي تحاول فيه طرح جزء من أسهم أرامكو السعودية.
ثالثا: إعادة استثمار رأس المال من بيع الأصول لتحفيز القطاع الخاص.
في نهاية المطاف، فإنّ رؤية 2030 ليست رغبة. فهي في هذه المرحلة المتأخرة حاجة، وستدفع هذه الحاجة نحو ارتفاع متسارع ومستدام لأسعار النفط من أحد أكبر منتجي النفط في العالم.
سيكينج ألفا - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-