على الرغم من أن البعض يجدون أسبابا للشعور بالتفاؤل بشأن خطة التحول الوطني في المملكة العربية السعودية، وخارطة طريق التنويع الاقتصادي التي صدرت في وقت مبكر من هذا العام، فإن هناك القليل جدا من الاحتمالات الواقعية للانتقال السلس. هذا الدفع المتزايد نحو الإصلاح، الذي أصبح ضرورة ملحة، قد يدفع المملكة العربية السعودية نحو عدم الاستقرار السياسي. إدراكا لهذه الحقيقة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع الرياض على من خلال تقديم التنسيق رفيع المستوى والخبرة الفنية ولكن ليس عن طريق الدعم غير المشروط.
بعيدا عن «الثورة المتنكرة في زي الإصلاح الاقتصادي» كما وصفها البعض، فإن الأمر أشبه بسلسلة الخيارات المتفاوتة الخطورة التي فرضت نفسها على الحكومة السعودية بسبب عدم وجود تخطيط عندما كانت المملكة زاخرة بالأموال، وبسبب العقد الاجتماعي الذي تكلفت فيه الحكومة بالرعاية الاجتماعية ظنا منها أن ارتفاع أسعار النفط سوف يستمر.
تشرع المملكة العربية السعودية في التوجه نحو التحول الاقتصادي في ظل اثنين من الأعباء الرئيسية يثقلان موازنتها: التغير الديمغرافي الكبير وانهيار أسعار النفط.
أولا: سوف يتضاعف أعداد السكان البالغين في المملكة العربية السعودية أكثر من الضعف خلال الـ15 عاما المقبلة، ما سيدفع الإعانات والمدفوعات الحكومية الأخرى إلى مستويات لا يمكن تحملها. خلق فرص عمل في القطاع الخاص هو الجواب الواضح بالنسبة إلى بلد يوظف 70% من المواطنين العاملين في الحكومة، ولكن الأعداد الهائلة تظهر صعوبة الأمر. تنفيذ خطة التحول الوطنية يتطلب إنشاء ستة ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030 وربما أكثر إذا دخلت النساء إلى سوق العمل بأعداد أكبر. يمكن التدليل على مدى ضخامة هذا الرقم بالإشارة إلى أنه خلال زمن الطفرة النفطية بين عامي 2003 و2013، تم خلق ثلث هذا الرقم من الوظائف فقط. تهدف المملكة حاليا إلى خلق 450 ألف فرصة عمل غير نفطية قبل عام 2020، وبعد ذلك فإنها سوف تحتاج إلى 226 ألف وظيفة سنويا لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
في هذه الأثناء، فإن تراجع أسعار الطاقة العالمية يتسبب في استنزاف الأموال اللازمة من أجل تنفيذ الإصلاحات المتوقع أن تكلف نحو 4 تريليون دولار. وعلاوة على ذلك، فإن السعوديين يعتمدون على إنتاجهم المحلي من أجل توليد الطاقة. بالمعدلات الحالية، فإن الطلب المحلي سوف يستنزف مليوني برميل يوميا بحلول عام 2020 وهو ما سيستنزف المزيد من النقد اللازم للإصلاح.
هذه الضغوط دفعت بالفعل إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة، بما في ذلك قرار الطرح الأولي الجزئي لأرامكو السعودية والجهود الرامية إلى تقليص دعم الوقود الأحفوري. قدم نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» الاكتتاب كحافز للشفافية ومكافحة الفساد.
ولكن الشفافية ربما تزيد من حالة عدم الاستقرار في المملكة. المملكة العربية السعودية، أكثر من ملكية أخرى في أوبك أو في دول الخليج، تمتلك شبكة واسعة ومعقدة من أفراد العائلة المالكة، وكثير منهم يقوم بدور نشط في تشكيل التوجه السياسي للبلاد.
منذ فترة طويلة، استخدمت المملكة العربية السعودية أرباح النفط لشراء الولاء من أفراد العائلة الحاكمة. ولكن صفقة اكتتاب أرامكو تهدد هذا العقد طويل الأجل. بالفعل دعا بعض كبار الأمراء إلى تغيير النظام معربين عن استيائهم الشديد من الاتجاه الذي يقوده ولي ولي العهد.
على الجانب الآخر من الطيف السياسي، فإن خطط إلغاء الدعم وخفض الإنفاق العام تتسبب في تزايد احتمالات حدوث اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق. نجحت المملكة العربية السعودية في تفادي موجة الاضطرابات التي اندلعت عام 2011 فقط بسبب نظام الرعاية الاجتماعية السخي. ولكن في وقت سابق من هذا العام، قام عمال البناء الذين لم يتلقوا رواتبهم لشهور بإحراق الحافلات في مكة المكرمة، مما يدل على أن الظروف التي أنتجت الربيع العربي تظل مصدر قلق يلوح في الأفق.
يبدو من التفاؤل المبلغ فيه افتراض أن المملكة العربية السعودية لديها الموارد والحاجة الملحة، والمواهب اللازمة للتقدم إلى مرحلة ما بعد النفط. ولا حتى الاستثمارات الأجنبية التي تتدفق داخل البلاد يمكنها خلق ملايين من فرص العمل المطلوبة.
على الأرجح، فإن المملكة سوف تواجه طريقا صعبا جدا، ويمكنها أن تواجه عدة أشكال من زعزعة الاستقرار من بينها، الصراع الشديد على السلطة بين أفراد العائلة المالكة، أو الاضطرابات الاجتماعية على نمط الربيع العربي.
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة عليها أن تتراجع عن التزامها تجاه المملكة العربية السعودية. بدلا من ذلك، يتعين على الإدارة القادمة أن تعمل على التخفيف من هذه الاحتمالات. أولا، يجب أن تكون القضايا الاقتصادية على رأس أولويات المباحثات بين الولايات المتحدة والمسؤولين السعوديين. ثانيا: يجب على الإدارة الأمريكية أن توضح أنها لن تسعى إلى الاستثمار في المملكة التي تخلط بين الاستثمار الأمريكي وبين اقتصادها. لا يجب أن تمنح السياسة الأمريكية المسؤولين السعوديين شعورا زائفا بالدعم الضمني.
ومع ذلك، يمكن للمسؤولين الأمريكيين تشجيع الجهود السعودية من خلال تقديم الدعم التقني. يمكن للولايات المتحدة أن تساعد المملكة على تصميم برامج تربط الإصلاح بمساعدة الفقراء من أجل تجنب الاضطرابات. كما يجب على المملكة ألا تعتمد حصرا على الاستشارات في الوقت الذي ترسم فيه طريقا جديدا سوف يمتد لعقود طويلة.
الطريق إلى الأمام في المملكة العربية السعودية ليس خيارا ثنائيا بين المزيد من الدعم أو فك الارتباط بشكل كامل. هناك طريقا وسطا، حيث يمكن للمسؤولين الأمريكيين تقديم المشورة والمساعدة كلما أمكن ذلك والاستعداد للمشاكل التي يبدو حدوثها مرجحا.
ديفينس ون- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-