وفقا لإصلاحات الأمير «محمد بن سلمان»، لا يمكن للشرطة الدينية اليوم أن تعتقل النساء بسبب عدم تغطية شعورهن.
قال وزير الشباب حين تم إنشاء الهيئة العامة الجديدة للترفيه في المملكة: «مرحبا بكم في المملكة العربية السعودية الجديدة». وبينما نحن نجلس في الظلام نشاهد الراقصين تحت الأضواء في نيويورك وصوت موسيقى الهيب هوب يصم الآذان كان وراءنا، 1300 من الرجال السعوديين من أعمار مختلفة ونساء ترتدين بالعباءات يجلسون جنبا إلى جنب، يصيحون صيحات التشجيع.
ما الذي يجري في هذه المملكة المحافظة؟ لقد كان هذا الاختلاط بين الجنسين منذ فترة طويلة ممنوعا. والموسيقى كذلك. وحتى وقت قريب جدا كانت كلمة الترفيه كلمة بذيئة جدا. وتعتبر هذه الأمور رعونة عند السلطات الدينية الوهابية في المملكة.
ولكن في هذه الأيام هز التغيير أسس المجتمع السعودي. وأسقطت العديد من التقاليد الفكرية مرة واحدة دون سابق إنذار، ومع تفسير بسيط، ليس هناك وقت للتهيئة. لا شيء يبدو مقدسا في هذا العالم الجديد مع تقلص عائدات النفط.
النظام الملكي، يقوده فعليا ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» البالغ من العمر 31 عاما، والذي يبدو مصمما على إعادة صياغة وتشكيل المجتمع السعودي، وتغيير طريقة تفكير وتصرف السعوديين. وللقيام بذلك، يتم استبدال التقاليد المريحة بلا رحمة بوقائع جديدة غير مريحة. ويعتقد الأمير أن مثل هذه التغييرات، ضرورية لتحقيق هدفه المتمثل في رؤية 2030 للاقتصاد الحديث، الذي يعتمد على الجهود الخاصة والمؤسسية، وليس على المساعدات الحكومية.
يوجد أمر مهم آخر وهو توافق بيت آل سعود التقليدي. ففي حين أن العديد من أعمام وأبناء عمومة الأمير الشاب يعارضونه، فإن هذا يثبت إمكانية إبطاء التغير، ناهيك عن عرقلته.
بقيت المؤسسة الدينية لعدة قرون شريكة للنظام الملكي الحاكم. ولكن رجال الدين الذين يتجرؤون على انتقاد التغيير يتم سجنهم والبقية يصمتون. ومع اضطراب هذه الركائز الأساسية واهتزاز وحدة الأسرة المالكة والدعم الديني، يخشى أيضا من اهتزاز موقف المواطنين السعوديين في أي وقت. حيث أن الحماس للأمير ولرؤية 2030 على نطاق واسع قبل بضعة أشهر فقط تحول الآن إلى تناقض وقلق وغضب.
وقد كانت أحدث صدمة هي قرار النظام بخفض بنسبة 30٪ إلى 40٪ من تعويضات الموظفين الحكوميين، الذين يشكلون ثلثي السعوديين العاملين. وهذا لم يحدث في العقود السابقة بالرغم من الصعود والهبوط في أسعار النفط، فلم تمس الحكومة معيشة شعبها. كان ذلك غير وارد مهما حدث.
والأسوأ من ذلك، هو قلق وزراء الحكومة وإرسالهم إلى التلفزيون لشرح القرار للجمهور محذرين من أنه بدون هذه التخفيضات فسوف تواجه المملكة الإفلاس في ثلاث أو أربع سنوات. ومما زاد الطين بلة، اتهام وزير الخدمة المدنية لموظفي الحكومة بالعمل ساعة واحدة فقط في اليوم، مما يعني أن خفض تعويضاتهم له ما يبرره تماما. ويتم أخذ بصمات العاملين في الحكومة في المدينة المنورة خمس مرات في اليوم لضمان وجودهم في العمل.
وقد أخذ المواطنون السعوديون هذه الصدمة إلى تويتر، المنبر المفتوح للجمهور في النظام الملكي. (السعوديون شعب رائد عالميا في استخدام تويتر). بعض الرد الردود جاءت تحمل الحنين إلى الملك الراحل «عبد الله»، الذي أغدق بالإنفاق على المملكة خلال حياته. ووضعت تعليقات غاضبة تتهم الوزراء بالعمل 15 دقيقة يوميا فقط. وغرد وزير سابق أن على مستشاري الأمير الشاب أن يتذكروا أن رؤية 2030 لا تعني أن هذه الحكومة سوف تقوم بالانتقال «من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على دخل الناس».
يدرك الأمير في وسط هذه الثورة القلق العام جيدا. ولكنه لا يظهر أي علامات تدل على التخلي عن جهوده لتحقيق التوازن في الميزانية وإعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع. فالخيار الوحيد للخلاص الآن هو النجاح بالنسبة له.
لن يكون تحويل المجتمع السعودي سهلا، ولكن إعادة هيكلة الاقتصاد بهذا الحجم نحو الاعتماد على نمو القطاع الخاص لا يمكن أن يتم دون إجبار الأفراد السعوديين على الاعتماد على النفس. يقول مستشارو الأمير أن وتيرة التغيير يجب أن لا تتباطأ. ويحذرون من أن المملكة فقدت عقدين من الزمن تحت ملوك سابقين فشلوا في اتخاذ قرارات صعبة لتقليل اعتماد البلاد على النفط.
و يضغط الأمير «محمد» أيضا في مسألة تجديد دور الدين، وتقديم الترفيه مثل رقصات نيويورك في جدة وعروض السيرك في غضون سنوات قليلة. تم منع حق الشرطة الدينية في شوارع السعودية من اعتقال النساء لعدم تغطية شعورهن أو اختلاطهن بالرجال. كما اختفت الشرطة الدينية إلى حد كبير من مراكز التسوق السعودية. ومع ذلك، فإن تراجع هذه المؤسسة التقليدية يرفع احتمالات أن تغييرات أكبر قد باتت وشيكة.
وقد أدى القلق المتزايد إلى توجيه أصابع الاتهام الغاضبة. وبينما تلوم الحكومة الحكام السابقين بسبب الاعتماد قصير النظر على النفط، ويلقي بعض السعوديين باللوم على النظام الحالي في سوء إدارة إنتاج النفط في السنوات الأخيرة. ولا يزال البعض الآخر يقوم بالثناء على خطة 2030 مع انتقاد تنفيذها بسرعة.
في حين لا يزال آخرون، يعارضون أي تغيير، ويتهمون الأمير بسذاجة الوقوع في مؤامرة أمريكية لزعزعة استقرار المملكة وجعل إيران قوة مهيمنة في المنطقة. والدليل بالنسبة إليهم أن شركة ماكينزي الأمريكية للاستشارات قد ساعدت في وضع رؤية 2030 وأن الكونجرس الأمريكي وافق على تشريع يسمح للأميركيين برفع دعوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية لدورها المزعوم في هجمات سبتمبر. بشكل واضح، تقول هذه الأصوات، أن الولايات المتحدة هي بلد «صليبية» تعمل لتدمير المملكة العربية السعودية والإسلام السني. وقد تحول بعض السعوديين لمناهضة للولايات المتحدة نتيجة لهذا التشريع.
ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي يبدو من المرجح أن يحرك «محمد بن سلمان» عن موضوع رؤية 2030، هو وفاة والده الملك «سلمان»، الذي سيكمل عامه 81 في ديسمبر/ كانون الأول. وحتى الآن قال أنه يتمتع بدعم والده منذ تعيينه وليا لولي العهد قبل 18 شهرا فقط.
وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن المواطنين السعوديين الساخطين يفهمون أن هذا النوع من الثورة التي يمرون بها يختلف اختلافا جذريا عن الفوضى والمذابح التي تخيم في المناطق المجاورة مثل العراق وسوريا واليمن. لذلك، في حين أن السعوديين قد يتذمرون، فمن المشكوك فيه أنهم سوف يتحركون تجاه هذا النوع من الصراع الذي أصاب جيرانهم.
وول ستريت جورنال- الخليج الجديد-