يُبدي البعض تفاؤلهم تجاه «رؤية 2030» الاقتصادية للسعودية، إلا أنهم لا يُدركون أن «الاندفاع باتجاه الإصلاح» قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي في المملكة، ولهذا يجب على واشنطن تشجيع الرياض على هذه الخطوة الإصلاحية من خلال تقديم التنسيق العالي المستوى والخبرة التقنية، بدلاً من الدعم غير المشروط.
وخلافاً لما سمّاها البعض «ثورة مُقنّعة بإصلاحات سياسية»، فإن رؤية «2030» عبارة عن سلسلة من الخيارات المحفوفة بالمخاطر المفروضة على الحكومة السعودية، بسبب سوء التخطيط في فترة الرخاء الاقتصادي، والاعتقاد الخطأ بأنّ أسعار النفط ستبقى مرتفعة.
تنطلق السعودية في عملية الانتقال الاقتصادي تزامناً مع عبأين رئيسيين في الميزانية: التغيّر الديموغرافي وانهيار أسعار النفط.
سيزداد عدد السكان البالغين في السعودية أكثر من ضعفين خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة، الأمر الذي سيرفع من مستوى الإعانات المالية والمدفوعات الحكومية الأخرى. إن إيجاد فرص عمل جديدة في القطاع الخاصّ هو العلاج المُناسب للمملكة حيث يستحوذ القطاع الحكومي على 70 في المئة من الموظّفين. ويتطلّب تنفيذ الرؤية الإصلاحية إيجاد ستة ملايين وظيفة جديدة مع حلول عام 2030، بل أكثر من ستة ملايين إذا انخرطت السعوديات في سوق العمل بمعدّل أكبر، لكنّ الثورة النفطية بين عامي 2003 و2013، لم توفّر سوى ثلث هذا المعدل. وتهدف السعودية، في الوقت الحالي، إلى توفير 450 ألف وظيفة جديدة بعيداً من القطاع النفطي قبل عام 2020، وعليها توفير 226 ألف وظيفة جديدة سنوياً لتوظيف الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
وتزامناً، يستنزف انخفاض أسعار النفط الأموال التي من المفترض أن تُخصّص للإصلاحات، والتي يُتوقّع أن تصل تكلفتها إلى حوالي أربعة تريليونات دولار. علاوة على ذلك، يعتمد السعوديون، اعتماداً شبه كامل، على الديزل المحلي والغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة، وحسب المعدّلات الحالية للاستهلاك، فإن الطلب على مصادر الطاقة هذه يعني خفض الصادرات النفطية بمعدل مليوني برميل يومياً، وبالتالي تقليص الأموال من أجل تنفيذ الإصلاحات.
هذه الضغوط دفعت بالسعودية إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة، بينها قرار الحكومة طرح عام أولي جزئي لشركة «أرامكو» والجهود الرامية إلى إلغاء الدعم الحكومي للوقود الأحفوري. وأقدم وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان على بيع أجزاء من «أرامكو» كحافز من أجل الشفافية ومحاربة الفساد. فالسعودية، خلافاً لغيرها من الدول الخليجية، تمتاز بشبكة واسعة ومعقّدة من أفراد العائلة الحاكمة الذين يمتازون بدور فعّال في تحديد التوجّه السياسي للمملكة.
لكنّ الشفافية قد تُزعزع استقرار البلاد. فالأرباح النفطية جعلت «شبكة أعضاء العائلة الملكية السعودية» تُذعن للقيادة السعودية، لكنّ سياسة الشفافية التي اعتُمدت في «أرامكو» قد تُغيّر ذلك. وبالفعل، فإن العديد من الأمراء السعوديين الكبار دعوا إلى تغيير النظام ووجّهوا انتقادات حادّة للتوجّه الجديد في المملكة ولسياسة محمد بن سلمان نفسه.
على المقلب الآخر، ستؤدي خطط وقف الإعانات المالية وتقليص الإنفاق في القطاع العام إلى اضطرابات اجتماعية كبرى. وسبق للملكة أن تفادت موجة من الاضطرابات في عام 2011، بفضل نظام الرعاية الاجتماعية السخيّ المموّل نفطياً، لكنها تعرّضت هذا العام لموجة جديدة من الاضطرابات تمثّلت في قيام عمّال بناء بإحراق حافلات الركاب في مدينة مكة المكرمة بسبب عدم دفع رواتبهم، دليلاً على أن الظروف التي أنتجت الربيع العربي تظلّ مصدر قلق يلوح في الأفق.
هناك تفاؤل مُبالغ فيه إذا اعتبرنا أن السعودية تمتلك الموارد والمهارات المطلوبة لانتقال سهل نحو مستقبل لا يعتمد على النفط، كما أنه لا يُمكن الاعتماد على الاستثمارات الخارجية لإيجاد العدد المطلوب من الوظائف.
من المرجّح أن تُواجه السعودية صعوبات كبيرة في المرحلة المقبلة. فانعدام الاستقرار قد يأتي بأشكال مُختلفة، كالنزاعات الدموية داخل العائلة الملكية أو اضطرابات شعبية وسياسية عنيفة شبيهة بأحداث «الربيع العربي».
كل هذه الأحداث يجب أن لا تدفع واشنطن إلى التخلّي عن التزامها تجاه المملكة. بل على العكس، على الإدارة الأميركية المُقبلة اتخاذ الخطوات اللازمة للحدّ من هذه الاحتمالات. أولاً: يجب أن تتصدّر القضايا الاقتصادية أولوية البحث بين المسؤولين الأميركيين والسعوديين. ثانياً، على الرئيس الأميركي المُقبل، أن يوضح أن واشنطن لن تُباشر الاستثمارات التي يتداخل فيها الاقتصادان السعودي والأميركي. يجب ألا توفّر السياسة الأميركية دعماً ضمنياً للقيادة السعودية.
في الوقت نفسه، يُمكن للمسؤولين الأميركيين أن يُشجّعوا المساعي السعودية من خلال تقديم الخبرات التقنية، ومساعدة المملكة بإعداد برامج تربط الإصلاح بمساعدة الفقراء من أجل تجنّب الاضطرابات الاجتماعية. لكن، في المقابل، يجب على السعودية ألا تعتمد، حصراً، على الاستشارات بينما ترسم مساراً جديداً لها.
فالمسار المستقبلي للسعودية ليس خياراً مزدوجاً بين المزيد من الدعم وفكّ الارتباط المُطلق، بل هو حل وسطي، حيث يُمكن للمسؤولين الأميركيين تقديم المساعدة والاستشارة والاستعداد لمواجهة المشكلات.
موقع «ديفينس وان»-