تقبّل شباب روّاد الأعمال السعوديون اختلاط الجنسين في مؤتمر بالرياض الشهر الماضي بشكل طبيعي. جلسوا على مقاعد من القماش، واستمعوا لحكايات الريادة الرقمية، واشتركوا في موائد مستديرة.
ويتمحور المشهد في المملكة حول خطّة إصلاح من آلاف الصفحات يقوم عليها ولي ولي العهد البالغ من العمر 31 عامًا، الأمير «محمد بن سلمان»، وفريقه المختار بعناية، تحت عنوان رؤية 2030. وتهدف تلك الخطة لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري.
لكنّ المشكلة تكمن في الفروق ما بين المدن الرئيسية التي تتشكل فيها السياسة والمناطق الحضرية النائية. ولا يزال المجال الصناعي في المملكة غير متجانس، والنفط يدفع الاقتصاد تمامًا، ولا تزال النسخة المتشددة من الإسلام تهيمن على ثقافة البلاد.
وفي مدينة جدّة العالمية، قد يوافق قادة الأعمال على التطورات التي تسعى لها رؤية 2030، لكن في قلب محافظة القصيم، يتناقش الطلاب حول التغيير، ولم يبد الكثير منهم ارتياحًا، وخاصة فيما يتعرض للقيم الإسلامية، بما في ذلك الاختلاط الزائد بين الجنسين.
القائمون على تحديث المملكة على عجلة من أمرهم، لكنّهم لم يخطّطوا جيدًا لاحتواء رد فعل الجمهور، وهو ما يشكّل خطرًا على الأمير «محمد»، الذي شرع في محاولته لتحويل المملكة، في وقت تشتعل فيه الاضطرابات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقال «بول بيلار»، الأستاذ بجامعة «جورج تاون»: «الأمير وحلفائه بحاجة لإقناع كتلة المحافظين، والمؤسسة الدينية بالحكمة وراء برنامج التحديث. وهذا قد يشمل إقناع رجال الدين بالتخلّي عن سلطتهم على شرائح معينة من الحياة مثل التعليم والأعراف الاجتماعية، في حين يركّز النظام على الإصلاح الاقتصادي».
وإذا لم ينجح الأمير في إبرام هذا الاتفاق مع الكتلة المحافظة والدينية، فقد يواجه خطر تصاعد المعارضة حتّى من داخل الأسرة المالكة.
وبعد أن دفع الركود النفطي عام 2014 إلى تعميق عجز ميزانية المملكة، رسم الأمير محمد خططًا طموحة لخفض الرواتب الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص والصناعة المحلية، ودمج النساء في سوق العمل، وجذب الاستثمار الأجنبي. وصرّح في مقابلة في مارس/ آذار، أنّه لا يوجد بديل، وحتّى مع ثروتها النفطية الهائلة، سوف تتعرض المملكة للإفلاس إذا استمرت في نهجها الاقتصادي الحالي.
وقد تخلّت المملكة تحت القيادة الجديدة عن السياسة الخارجية الحذرة، وتورّطت في حرب اليمن، في قتال ضد المتمردين المدعومين من إيران.
الجبهة الأمامية
تقع نجران على خط الجبهة الأمامية. ويمكن سماع دوي المدفعية في الصباح. وفي الصراع المستمر منذ 20 شهرًا، تجد المباني الحكومية وقد أحيطت بحواجز خرسانية وأكياس الرمل لحمايتها من الصواريخ التي تطلق عليها، كما تمّ إغلاق المطار.
وفي سوقها التقليدية يقف بعض الرجال يبيعون بضاعتهم ومنها بعض الخناجر المزخرفة. وعندما سئل أحدهم عن رأيه في خطط الأمير الاقتصادية، أبدى عدم اهتمامه قائلًا أنّه لا يمكنه بيع بضاعته في الرياض أو جدة، فلديهم هناك أذواق مختلفة.
وتشمل خطّة الأمير «محمد» الاقتصادية بيع جزء من شركة أرامكو الوطنية للنفط، سيعود بكثير من الأموال التي ستخلق أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم. كما يهدف لجذب الأموال الأجنبية والاستثمار الأجنبي مع المعرفة، واستثمار الأموال السعودية في الخارج أيضًا.
طموح للغاية؟
يدير «علي رضا»، البالغ من العمر 55 عامًا، شركة لبيع السيارات في جدة. ويقول علي، مشيرًا إلى خطة رؤية 2030: «يوجد لدينا إحساس منطقي ومشترك بأنّه سيكون أمرًا إيجابيًا للمملكة، إذا تمكنّا من تحقيقه». ولكن الجدول الزمني قد يكون طموحًا بشكل مبالغ فيه. «فالجيل الحالي لا يصلح أو لا يقبل القيام بذلك. أنا لن أقدم شيئًا. دعوا الجيل الجديد يقوم بها».
وفي مدينة القصيم، التي تنتشر بها المزارع ورعي الأغنام، في كلية «سليمان الراجحي» المحلية، كانت طموحات الطلاب الذين يدرسون اللغة الإنجليزية وإدارة الأعمال، متواضعة بشكل ملحوظ. فقد قال «وائل التويجري»، 18 عامًا، أنّ طموحه يتلخّص في تطوير مزرعة عائلته والوصول إذا أمكن لتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة.
وقد أومأ الطلاب موافقين زميلهم «عبد الله الراجحي»، 28 عامًا، الذي تحدّث عن أهمية الدين: «أنا أوافق على التغيير، ولكن في حدود قيمنا الإسلامية. الاختلاط بين الجنسين سيكون تعديًا كبيرًا».
كما اعترف أنّ التقاليد المحافظة تمنعه من تطوير عمله، حيث يقول: «لا يمكنني بدء مطعم للأسماك هنا. سيكون ذلك صعبًا جدًا في هذه المنطقة. كبار السن لا يريدون التغيير. والشباب متأثرون بآبائهم».
وحتّى في الرياض، يوجد العديد من الناس التي تقاوم التغيير الاجتماعي. فقد تلقّت سيدة عدة تهديدات عبر تويتر، بعد أن نشرت صورًا لها بدون العباءة، ترتدي فستانًا يظهر كاحليها، في واحد من أكثر الشوارع شعبية.
العجز الضخم
وقد أصبحت الثوابت القديمة موضع تساؤل من قبل الأمير «محمد». وتعمل خطته على تحريك السعوديين خارج وظائف الدولة الآمنة كجزء من إجراءات التقشّف التي تهدف لإنقاذ ميزانية البلاد من عجز بلغ 15% العام الماضي.
وفي مناطق مثل القصيم، لا توجد بدائل من القطاع الخاص.
وتوجد مراكز حكومية مسؤولة عن تلبية حاجة المحافظات من التعليم والتدريب المهني والتقني. ويقول «أحمد فهم الفهيد» المسؤول عن أحدها: «بلغ المسجلين مع مراكز التدريب المهني والتقني 7% من خريجي الثانوية العامة العام الماضي، ونهدف للوصول إلى ضعف هذا الرقم بحلول عام 2030».
ويضيف «الفهيد»: «كي ننجح في ذلك، نحتاج إلى تحسين جودتنا، ونحتاج لملائمة تدريباتنا لتوافق احتياجات القطاع الخاص». وضرب «الفهيد» مثالًا بمؤسسة في القصيم تعمل على توفير المتدربات لصالح شركة دواجن محلية. وقال أنّ الشركة الآن لا توظّف إلّا النساء، 700 سيدة، وتنتج إنتاجية عالية.
أوقات التغيير
وعمومًا، على الرغم من ذلك، فإنّ المنطقة تتعرض للضغط الشديد بفعل الخفض في الميزانية، بحسب «عبيد المطيري» عميد كلية إدارة الأعمال في كليات «سليمان الراجحي».
ومن المتوقع نمو الاقتصاد السعودي هذا العام بنسبة 1.3% وهي الوتيرة الأبطأ للمملكة منذ الركود العالمي عام 2009.
وتحاول كلية «المطيري» الخاصة التنافس مع الجامعات الحكومية المجانية، والتي يصنّف بعضها ضمن الأفضل في العالم العربي. ويدفع الطلاب في كليات «سليمان الراجحي» 60 ألف ريال (16 ألف دولار أمريكي) سنويًا للتعليم. أمّا في الجامعات الحكومية، فإنّ الطلاب يتلقّون رواتب تصل إلى 1000 ريال في الشهر.
وسواء كان التعليم عاما أو خاصا، فإنه سيكون مركزيًا من أجل إحداث عملية التغيير. وقد قال الأمير «محمد» ذلك، وأشار إلى ذلك «بيل غيتس» إلى شباب رواد الأعمال في مقطع فيديو بمؤتمر الرياض.
وتحدّث اثنان من الأساتذة الزائرين بـ«سليمان الراجحي» عن حجم تلك المهمة. وكلاهما يأتي من بلد أفقر من السعودية، لكنّهما تحدّثا أنّ الطلاب هنا أقل التزامًا من الطلاب في أوطانهما.
الالتزام مطلوب
في صباح أحد أيام نوفمبر/ تشرين الثاني، حين كان يقدم الأستاذ «أوبندرا ليلي» امتحانًا، وصل 7 طلاب، نصف الفصل، في الوقت المناسب، ووصل أحد الطلاب متأخرًا لساعة من الوقت، ولم يحضر الطلاب الـ 6 المتبقين. ولم يكن الأستاذ الهندي متعجبًا.
وقال «ليلي»: «على الطلاب السعوديون رفع مهاراتهم، إن كانوا يريدون المنافسة عالميًا». واعتاد «ليلي» التدريس في المدرسة الدولية لإدارة الأعمال والإعلام في بيون. وقال أنّه كان يعطي درجات جماعية لطلابه في الهند تقدّر بـ 8 من 10، في حين أعطى لطلابه السعوديين درجتين فقط.
وقد أقام «قاسم زريقات» مقارنة مماثلة مع مثال بسيط من وطنه الأردن، حيث قال: «في الأردن، يكون أداء الطلاب أفضل لأنّهم لم يتمتعوا بتلك الامتيازات المكتسبة لفترة طويلة مثل نظرائهم في السعودية. وبالعودة للوطن، يجب عليك التعلم من أجل الحصول على وظيفة».
ترجمة وتحرير زياد محمد - الخليج الجديد- بلومبيرغ -