في تقرير لموقع «ذا هيل» الأمريكي المتخصص في صنع القرار والسياسات، ناقش الكاتب ريان ريج التراجع الكبير في الاقتصاد السعودي، وكيف يهدد ذلك استقرار النظام الملكي، وكيف يمكن أن يكون دافعًا لخوض السعودية حربًا شاملة.
مشكلة اقتصادية
خلال مؤتمر أُقيم قبل أسبوعين وجمع مسؤولين من مجلس التعاون الخليجي مع مسؤولين من الحكومة السلوفينية، ناقش الدكتور عبد العزيز حمد العويشق الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات، المشكلة الاقتصادية الرئيسية التي تواجهها المملكة العربية السعودية، وهي وصول متوسط استهلاك الطاقة في المملكة إلى ما يزيد عن 8%، في حين لم يتخطَّ متوسط النمو الاقتصادي 4% خلال العقود القليلة الماضية. أي أن معدل استهلاك الطاقة قد تجاوز معدل النمو الاقتصادي بأكثر من الضعف. لذلك اضطرت السعودية إلى اتخاذ تدابير قاسية لتحافظ على مكانتها الرائدة، وتحافظ على استقرارها الداخلي.
على الرغم من اقتراح الدكتور العويشق أن مشكلة استهلاك الطاقة في السعودية يمكن حلها من خلال إصلاحات اقتصادية قوية، إلا أن شراء المملكة الأسلحة باستمرار على مدار السنوات الست الماضية، وافتقار رؤية 2030 إلى التفاصيل، قد يوحي بأن بعض العناصر المتشددة داخل السلطة السياسية السعودية تستعد لحرب كوسيلة للتحوط ضد فشل الدولة.
يقول الكاتب إنه لكي نفهم سبب قلق الدكتور العويشق إزاء مشكلة استهلاك الطاقة، والسبب الذي قد يدفع المتشددين داخل المؤسسة السياسية السعودية للاستعداد للحرب، علينا أن نفهم مدى التدهور الذي يمر به الاقتصاد السعودي في الوقت الحالي. الرسم البياني بالأعلى يعرض قيمة الصادرات السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، ويتضح الانخفاض الكبير في قيمة الصادرات خلال العام الجاري، مقارنة بما كانت عليه في عام 2012.
تراجع غير مسبوق
لم تشهد السعودية مثل هذا التراجع في قيمة الصادرات منذ عام 2009 خلال الأزمة المالية السعودية. لكن في عام 2009 بلغ التعداد السكاني في المملكة ما يقرب من 26 مليون نسمة، أما الآن فقد وصل إلى نحو 32 مليون نسمة، مما يعني أن صادرات السعودية أقل قيمةً، وفي الوقت ذاته تحتاج السعودية للإنفاق على عدد أكبر من السكان.
يقول الكاتب إن هذا التراجع في الاقتصاد السعودي ليس مرحلة مؤقتة، وإنما هو ناتج عن مشكلة كُبرى تهدد السعودية، ألا وهي مشكلة استهلاك الطاقة، فمن المتوقع أن يتجاوز الاستهلاك المحلي السعودي صادراتها من الطاقة. أي أن الاستهلاك السعودي سوف يتخطى 50% من إنتاج المملكة للطاقة.
في اقتصادات الدول الطبيعية، لا يُعدّارتفاع استهلاك الطاقة مشكلة، بل غالبًا ما يدل على النمو الاقتصادي. على سبيل المثال، يزداد استهلاك الطاقة في الصين سنويًا، لكن لأنها تستخدم هذه الطاقة لزيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة التصدير. لكن بالنسبة للسعودية، كما أشار الدكتور العويشق خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، فإن زيادة استهلاك الطاقة ليس نتيجة لزيادة إنتاج السلع ذات القيمة المضافة للتصدير، وإنما نتيجة زيادة الاستهلاك المنزلي واستهلاك المزيد من السيارات للطاقة. ونظرًا لأن نحو 90% من الصادرات السعودية لا تزال من النفط والغاز، فإن زيادة الاستهلاك المحلي ينتج عنه نقص في الصادرات، أي ينتج تراجع في عائدات الصادرات وزيادة في الإنفاق في الوقت ذاته.
وأشار الكاتب إلى أن السعودية قد حاولت كثيرًا تنويع اقتصادها وإصلاحه، ولكنها فشلت. وتعتبر القيود الدينية أحد أسباب هذا الفشل، إذ إن ما يقرب من نصف القوة العاملة – أي غالبية النساء – ممنوعة من العمل. والنتيجة هي بدء الاقتصاد السعودي في الفشل، حيث تتجه السعودية لإلغاء مشروعات عامة بقيمة 20 مليار دولار، ورفع الدعم عن الطاقة، واتجاه الأمراء إلى تخبئة أموالهم في بنما وفي دول أخرى، بحسب ما ذكره التقرير.
وعلاوة على ذلك، تواجه السعودية مشكلة زيادة عدد الشباب، إذ إن ما يقرب من نصف السكان هم ذوو أعمار أقل من 25 عامًا، وهذا يعني أن عددًا متزايدًا من الشباب السعودي سيدخل في تعداد القوى العاملة خلال فترة ما بين خمس إلى عشر سنوات قادمة. وبالنظر إلى عجز السعودية عن تنويع اقتصادها، فإن الكثير من هؤلاء الشباب لن يتمكنوا من العثور على وظائف. جدير بالذكر أن معدل بطالة الشباب في المملكة يصل إلى نحو 28%. وعلى الحكومة السعودية أن تدرك أن ترك الشباب بلا عمل فترةً طويلة يثير غضبهم، مما يمكن أن يؤدي إلى ثورات مثلما حدث في الربيع العربي.
ماذا لو انهار الاقتصاد السعودي؟
في حالة فشل الاقتصاد السعودي، فإن العوامل التالية هي التي قد تمنع إطاحة النظام الملكي السعودي:
تنصيب شخصية قوية ذي شعبية (مثل الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد).
قوة الأمن الداخلي للبلاد متمثلًا في الشرطة.
عدم مبالاة السعوديين، وإلقاؤهم اللوم على الولايات المتحدة.
مهاجمة أو غزو إحدى الدول المجاورة.
لذلك أمضى النظام الملكي السعودي السنوات الست الماضية في اتخاذ الاحتياطات التالية:
جعل الأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، والذي يعرف بقوته، وقد ظهر ذلك من قراره بقصف اليمن، وانتقاده الشديد لإيران في وسائل الإعلام، وإعدام عدد قياسي من السجناء.
شراء كميات ضخمة من الأسلحة الهجومية مثل الطائرات والصواريخ بعيدة المدى والقنابل العنقودية، والتي تهدف إلى شن هجمات خارج المملكة.
زيادة الإنفاق بشكل كبير على الرقابة الإلكترونية ومراكز القيادة والتحكم وغيرها من الوسائل التي تهدف إلى الحفاظ على سيطرة الدولة بما في ذلك تدعيم ميزانية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلاوة على ذلك، هددت الحكومة السعودية بسحب 750 مليار دولار متمثلة في سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة إذا ما أقرت الولايات المتحدة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب «قانون جاستا»، وهو ما اعتبره الكاتب إستراتيجية سعودية لجعل السعوديين يلقون اللوم في مشاكلهم الاقتصادية على الولايات المتحدة. أي أن السعودية تحاول الترويج لفكرة أن سبب الأزمة الاقتصادية هو تصدّيها لمحاولات الولايات المتحدة لاضطهاد السعودية من خلال «قانون جاستا».
ومع ذلك، يرى الكاتب أن إلقاء اللوم على الولايات المتحدة وحده لن يكون كافيًا لتحقيق الاستقرار في المملكة، خصوصًا في ظل التنافس الكبير بين ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول خلافة العرش بعد الملك سلمان.
الخيار الأكثر خطورة
وذكر الكاتب أن خيار الحرب هو الأكثر إثارة للقلق، إذ إن الإنفاق العسكري السعودي للفرد يصل إلى نحو أربعة أضعاف مقارنة بالولايات المتحدة أو إسرائيل أو روسيا، مما يعني أن إعلان السعودية الحرب على بلد آخر سيحمل آثارًا سلبية على استقرار المنطقة.
يشير التقرير إلى أن البعض قد يعتقدون أن السعودية ليس لديها طموحات هجومية وإنما هي تتسلح بكل هذه الكمية بسبب قلقها من إيران. لكن هذا الاعتقاد ناتج عن سوء فهم لسياسات المنطقة، فقد مرت إيران بالعديد من الحروب والثورات مما يجعلها غير مستعدة لمهاجمة السعودية، وفقًا لما ذكره التقرير.
إضافة إلى ذلك، فإن الإنفاق العسكري السعودي لا يعتمد على الإنفاق العسكري الإيراني سواء من حيث النوع أو الكم. لذلك، يرى الكاتب أنه لا يوجد أي سبب لإنفاق السعودية هذا الإنفاق الضخم عسكريًا في ظل تراجع حاد لاقتصادها إلا إذا كانت تنوي خوض الحرب لتجنب السخط المحلي.
وذكر الكاتب أيضًا أن السعودية بدأت في التسليح بشكل مكثف بعد مرورها بالأزمة المالية في عام 2009 على الفور، مما يرجّح الرأي بأن الخوف من عدم الاستقرار الاقتصادي هو السبب وراء الاتجاه لشراء الأسلحة بشكل مكثف، وليس الخوف من العدوان الإيراني.
وقد بلغ الإنفاق العسكري السعودي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الست الأخيرة نحو 13%، أي ضعف نظيره الإيراني الذي بلغ 6%، بينما تصل القيمة الإجمالية للإنفاق العسكري السعودي إلى نحو خمسة أضعاف مقارنة بنظيره الإيراني. لكن، كما ذكر الكاتب، الإنفاق العسكري السعودي مستقل تمامًا عن الإنفاق العسكري الإيراني.
يرى الكاتب أن سياسة السعودية الاستفزازية تجاه إيران في ظل وجود الأمير محمد بن سلمان في منصب وزير الدفاع – والتي تضمنت رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر، وقصف اليمن – هدفها خلق أسباب كافية للدخول في حرب إذا ما استمر الاقتصاد السعودي في التدهور، وهو من المرجح أن يحدث.
وفي نهاية التقرير، أكّد الكاتب مرة أخرى على أن السبب الأساسي في شراء السعودية الأسلحة بشكل مكثف على مدار السنوات الست الماضية، هو الخوف من عدم الاستقرار الداخلي. وأشار الكاتب إلى أنه في حالة تدهور الاقتصاد السعودي بشكل كبير، فقد يرى البعض من آل سعود أن الخيار الأفضل للتعامل مع الوضع هو الدخول في حرب شاملة مع أحد البلدان المجاورة. وذكر الكاتب أن السعودية لا تزال تحاول إتمام صفقة دبابات بقيمة 1.15 مليار دولار مما يعني أن الجيش السعودي لا يرغب في قصف أهدافه عن بعد فقط، وإنما هو قادر على الغزو والسيطرة على الأرض.
مترجم من موقع ((ذا هيل)) الأمريكي- كتابة راين ريغ-