تبدو طريقة تحكمه في الأمور صلبة ومتماسكة، وتشير لغة جسده إلى قدر كبير من الثقة على الرغم من كونه أصغر الأشخاص وأقلهم خبرة في الغرفة. ولكن الأهم من ذلك كله، أنه يتبنى قضية بلاده بشكل قوي لم يفعله أي مسؤول سعودي من قبل.
للتأكيد، سيكون من قلة الحكمة أن نقوم بتشكيل أي أحكام مهمة وجدية حول ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» الذي التقيته مع مجموعة من الزملاء في الرياض لبضع ساعات في لقاء واحد. ومع ذلك، فإنه من الصعب ألا نقدر استعداد «محمد بن سلمان»، صاحب الـ31 عاما، لتحمل المسؤولية تجاه المشاكل الأصعب في بلاده في هذه المرحلة المبكرة من حياته السياسية.
من خلال قيادته لتغيير شامل في المملكة العربية السعودية، فإن «محمد بن سلمان» يضع كل شيء على المحك. وسواء أكان دافعه لذلك الطموح أو السذاجة أو أي شيء آخر، فإن ما يهم حقا هو أنه يمضي قدما بحسم وبراغماتية.
وتضمنت تحركات «بن سلمان» المبكرة خفض الأشكال المختلفة للدعم ورفع الضرائب، وبيع أصول الدولة الرئيسية، والضغط من أجل تطبيق ثقافة الكفاءة والمساءلة في البيروقراطية السعودية غير المنتجة بشكل ملاحظ، وإفساح المجال للقطاع الخاص للقيام بدور أكبر في الاقتصاد. وبالرغم من أن بن سلمان هو الثالث في ترتيب العرش، فإن لديه السيطرة الكاملة على النفط في الدولة وصندوق الاستثمار الوطني، والشؤون الاقتصادية، ووزارة الدفاع العملاقة. وقد اكتسب المسؤولية عن جميع هذه الحقائب بعد أن أصبح والده الملك «سلمان» حاكما في يناير/كانون الثاني 2015.
القول بأن الصعود السريع لـ«محمد بن سلمان» ولد الكثير من جدل في المملكة العربية السعودية وفي واشنطن ليس مبالغا فيه. بالنسبة إلى أنصاره، فإنه ينظر إليه كمنقذ للمملكة، في حين أنه بالنسبة إلى منتقديه ومنهم قدامى الأمراء السعوديين الذين يعيش بعضهم خارج البلاد فإنه بمثابة دجال انتهازي. ومن المتوقع أن تظهر مثل هذه الانقسامات مع محاولة إحداث أي تغييرات في نظام يحتوي على العديد من المنتفعين. ولذا فإنه من المنطقي أن هناك مزيجا من الإثارة والارتياب على حد سواء بسبب قيادة «بن سلمان» المفاجئة للسعودية. أحد أبرز الأمور المثيرة للقلق هي أن «محمد بن سلمان» يمتلك بالفعل العديد من السلطات. وجود محفظة تجمع بين مهمة الدفاع والاقتصاد هي مسؤولية شاقة حتى بالنسبة إلى أكثر الساسة خبرة ناهيك عن شخص لديه القليل من الخبرة في العمل العام. ومع ذلك فإن تكديس «محمد بن سلمان» للسلطة ينبغي أن ينظر ليه ضمن منظور أوسع. هذه العملية، المصممة من قبل ولده، تهدف إلى منحه الصلاحيات اللازمة لقيادة الإصلاحات الصعبة والإدارة الفعالة للمعارضة الداخلية.
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه إلى حد كبير تقييم عملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأت للتو، فإن النتائج الأولية للسياسات الدفاعية تبدو غير مبشرة. لدى «بن سلمان» أفكار صحيحة حول كيفية إنشاء جيش أكثر فعالية وبناء القدرة الصناعية الدفاعية في الداخل بما يشمل خلق استراتيجية لإنتاج واقتناء الأسلحة وخلق بنية تحتية مؤسسية أكثر تبسيطا للدفاع الوطني. ولكن حرب اليمن التي أشرف عليها فشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وأدت إلى كارثة إنسانية وكابوس للمملكة في علاقاتها العامة مع واشنطن ولندن. الكيفية التي ستنهي بها المملكة حربها في اليمن مع الحفاظ على أهداف أمنها القومي ودون تقديم الكثير من التنازلات في مواجهة غريمها اللدود إيران ستكون تحديا كبيرا أمام «بن سلمان». ورغم أن مهمته ليست مستحيلة إلا أنه كلما أدت الحرب إلى وفاة المزيد من المدنيين، كلما صارت المهمة أكثر صعوبة.
الصراع حول التغيير
قلق آخر ربما يشعر به الأمريكيون أكثر من السعوديين وهو أن صعود «محمد بن سلمان» يغير كثيرا من الترتيب الملكي. هناك الكثير من الأحاديث في واشنطن حول قيام «بن سلمان» بتهميش ابن عمه الأمير «محمد بن نايف» ولي العهد. ولكن ليس هناك دليل على وجود انقسام حكومي في الرياض. الاختلاف موجود بالفعل (وهي سمة لا تكاد تقتصر على النظام السياسي السعودي) ولكنه ليس من النوع الذي يتسبب في الانقسام الداخلي والشلل وليس قريبا من الوضع الذي يمكن أن يقلق واشنطن.
وتشير الحقائق أن «محمد بن سلمان» و«محمد بن نايف» يعملان بشكل وثيق ويلتقيان بشكل يومي. في الواقع فإن دور كل منهما يكمل الآخر ولا يوجد مجال كبير للتداخل أو المنافسة. «محمد بن سلمان» هو المسؤول عن إصلاح الاقتصاد وتعزيز الدفاع الوطني. في حين يسيطر «بن نايف» على ملفات الأمن الداخلي الذي يتضمن مطاردة الإرهابيين والحفاظ على القانون والنظام في المحافظات والبلديات الكثيرة في المملكة.
أحد المخاوف المتعلقة هي أن «محمد بن سلمان» يتحرك بسرعة كبيرة لاسيما في الشؤون الاقتصادية والثقافية، بما يغضب الحرس القديم ويهدد أسس العقد الاجتماعي القائم في السعودية. ومع ذلك، تعكس المخاطر ضخامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المملكة العربية السعودية، وهذه التغيرات سوف تؤدي حتما إلى درجة معينة من عدم الاستقرار. تبدو مخاوف السعوديين مفهومة، ولكن هناك أيضا إجماع قوي وحاسم داخل الحكومة السعودية حول عدم استدامة النظام الاقتصادي الحالي في البلاد. تدرك الرياض أنه كان ينبغي عليها أن تصل إلى هذه النتيجة قبل 10-15 عاما مثل معظم مشيخات الخليج الأخرى المنتجة للنفط، ولكن أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا.
على الرغم من أنه من الإنصاف طرح الأسئلة والتعبير عن المخاوف بشأن تضخم سلطة «محمد بن سلمان»، فإنه لا ينبغي تفويت النظر إلى الفرص الكامنة في وقوع البلاد تحت قيادته. ولعل الأهم في هذه الفرص أنه لم يحدث من قبل في تاريخ المملكة العربية السعودية أن عضوا من العائلة المالكة كان يتمتع بهذا القدر من الاتصال مع الشباب السعودي. في بلغ أكثر من نصف سكانه تحت 25 عاما فإن هذا أمر مهم. وبسبب صغر سنه ونشأته داخل المملكة (خلافا للعديد من أعضاء العائلة المالكة) وفهمه لتطلعات أبناء جيله، فإن «بن سلمان» يحظى بأفضلية في الاستفادة من طاقات الشباب في البلاد من أجل تعزيز خطة الإصلاح.
يحمل «بن سلمان» التزاما حقيقا تجاه الكفاءة والجدارة، على النقيض من النظام القائم على أساس المحسوبية في البلاد. يقوم «بن سلمان» بتوظيف أفضل وألمع الطاقات ويقوم بالاستغناء عن الآخرين أو إحالتهم إلى المعاش المبكر. في نفس الوقت، فإن «بن سلمان» يضع نفسه في مواجهة رجال الدين المتشددين في المملكة. في الماضي، حاول عدد من رجال الدين السعوديين، بما في ذلك الملك الراحل «عبد الله بن العزيز»، الجدال مع رجال الدين بشأن مسألة التغيير، إلا أنهم في النهاية تراجعوا تجنبا لحدوث اشتباك خطير قد يهدد الاستقرار الداخلي والنظام الملكي. تعلم «محمد بن سلمان» من هذه التجارب. للتعامل بفعالية مع المشايخ الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن، يقول «بن سلمان» إن لديه استراتيجية من 3 محاور: إشراك وتقسيم وتحويل هؤلاء باستخدام المبادئ المبنية على القرآن والتعاليم الدينية المستقاة من حياة النبي محمد وصحابته.
ووفقا لـ«بن سلمان»، فإن نسبة قليلة فقط المحافظين متشددون إلى درجة أنه لا يمكن التفاهم معهم. وهؤلاء يمكن أن تطبق معهم مستويات مختلفة من الإجراءات العقابية. ويعتقد «بن سلمان» أن جهود الإصلاح سوف تنجح في جذب العديدين من بين صفوف المحافظين. وضرب مثالا بالشيخ «سعد بن ناصر الشثري» رجل الدين الذي تمت إقالته من منصبه في هيئة كبار العلماء بسبب تحديه لإصلاحات الملك الراحل «عبد الله». وهو يعمل الآن كمستشار للديوان الملكي وأحد مؤيدي أفكار «بن سلمان».
منظوره الإقليمي
وكأن عملية إعادة بناء الاقتصاد السعودي وحدها ليست صعبة بما فيه الكفاية، فإنه على «بن سلمان» أن يقوم بهذه العملية في الوقت الذي يخوض فيه حربة مكلفة في اليمن، ويتعامل مع التقدم المحموم لإيران في جميع أنحاء المنطقة. يحمل «بن سلمان» نفس رؤية بلاده التي تحمل إيران المسؤولية عن الأدواء الثلاثة الرئيسية في المنطقة: الأيديولوجيات العابرة للحدود والدول الفاشلة والإرهاب. لم تكن المشكلة أبدا في إيران في حد ذاتها، ولكنها كما يؤكد في النظام الراديكالي الذي ولد من رحم الثورة الإسلامية عام 1979. وردا على سؤال حول مستقبل الصراع على النفوذ بين السعودية وإيران وإذا ما كانت الرياض تنظر في فتح قناة اتصال مباشرة مع خصمها بحثا عن أرضية مشتركة، فقد أكد أنه لا يمكن الوصول إلى نقاط مشتركة مع بلد ملتزمة بتصدير أيديولوجيتها الإقصائية والانخراط في الإرهاب وانتهاك سيادة الدول الأخرى. إذا لم تقدم إيران على تغيير نهجها، فإن المملكة سوف تخسر إذا أقدمت على التعاون معها.
وعلى الرغم من منظور «بن سلمان» الإقليمي المتمحور حول إيران، فإنه ليس غافلا عن انتشار التطرف السني العنيف ومكائد الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة. ومع قلقه العميق من نفوذ الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، فإنه يرى أن بالإمكان احتواءها وهزيمتها في النهاية بالنظر إلى وجود دول قوية مثل مصر والأردن وتركيا، والمملكة العربية السعودية. ولكن الدولة الإسلامية لديها فرص للازدهار في أفريقيا وهذا هذا هو سبب التزام الرياض بمحاربة التطرف العنيف في القارة من خلال الشراكة مع المنظمات الدولية بما في ذلك اليونيسيف ومؤسسة بيل وميليندا غيتس.
التطرف المحلي يمثل أيضا مصدر قلق كبير. كان «بن سلمان» في سنوات مراهقته عندما قام «أسامة بن لادن» وأتباعه بشن تمرد قاتل في المملكة بعد غزو الولايات المتحدة للعراق، وقال إنه يتذكر بوضوح هذه الحقبة المظلمة من تاريخ السعودية. وأكد أنه يفهم في الوقت الراهن سر مناورة الإرهابيين للسيطرة على المدن المقدسة في الإسلام والثروة النفطية. فشل تمرد تنظيم القاعدة في النهاية بعد أن تم سحقه على يد رجال «محمد بن نايف» بمساعدة الاستخبارات الأمريكية. وقعت الاشتباكات بين أجهزة مكافحة الإرهاب السعودية والإرهابيين في العديد من المدن والمراكز الحضرية، بما في ذلك العاصمة الرياض وجدة والخبر ومكة والطائف وينبع. وكان هذا هو الصراع الداخلي الأعنف منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة.
من جانبه، يرى «بن سلمان» أن السعودية أخطأت حين تحالفت مع الولايات المتحدة في تجنيد الجهاديين لهزيمة السعودية أثناء الحرب الباردة. ولكن هذا كان في الماضي، فمنذ ذلك الحين أصبحت السعودية ضحية للإرهاب وشريكا رئيسيا في الحرب ضده. أما فيما يتعلق بالربط بين الوهابية والإرهاب فإن «محمد بن سلمان» يشعر بالاندهاش بسبب سوء الفهم العميق للأمريكيين تجاه هذا الأمر. وقال إن التشدد الإسلامي لا علاقة له بالوهابية التي نشأت في القرن الثامن. ويتساءل «بن سلمان» أنه «إذا كانت الوهابية نشأت منذ 3 قرون فلماذا لم يظهر الإرهاب إلا الآن».
العلاقات السعودية الأمريكية
على كل حال، فإن «محمد بن سلمان» محق بشأن تأكيده أن العلاقات الأمريكية السعودية لم تشف منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول. ومن المؤكد أن عدم اكتراث الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» ونفاذ صبره تجاه المملكة على مدار السنوات الـ8 الماضية لم تساعد العلاقة، ولكنها أيضا لم تكن السبب الرئيسي للتوتر. سيكون على المسؤولين السعوديين مواجهة هذه المخاوف عبر الانخراط مع الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي. وهذا سوف يستغرق سنوات، في ظل غياب مهارات الدبلوماسية العامة والتواصل الاستراتيجي لدى القيادة السعودية. ومن وجهة نظري فإن «محمد بن سلمان» هو الشخص الأنسب للقيام بهذا الأمر نظرا لتقديره لأهمية الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية وعدم خجله من التعبير عن إيمانه بأهمية القيادة الأمريكية للعالم. وخلافا لمعظم المسؤولين العرب الآخرين، الذين لديهم حساسية بشكل خاص للمحاضرات الأمريكية عن الديمقراطية أو التدخل في الشؤون الداخلية لبلدانهم، فإن «بن سلمان» يحث واشنطن على انتقاد المملكة بشكل بناء.
ولكن العثرة الأكبر في هذا الطريق تكمن بطبيعة الحال في قانون جاستا الذي يسمح للأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية ثم انتخاب «دونالد ترامب» كرئيس للولايات المتحدة. يقول «بن سلمان» إن لديه ثقة، ربما تكون غير مبررة، في قدرة المسؤولين والمشرعين الأمريكيين على التوصل إلى حل عقلاني لجاستا. ومع وصول رجل أعمال إلى البيت الأبيض، يقول «بن سلمان» إنه سوف يركز على لاستفادة من الفرص الاقتصادية الرئيسية في مبادرته 2030 لإشراك الولايات المتحدة في خطة التحول السعودية. لكنه أشار أيضا إلى أنه يود أن استئناف الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي توقف خلال سنوات «أوباما» لأسباب لا تزال غير واضحة. ربما يكون «ترامب» على استعداد لمثل هذا الحوار على الرغم من أنه صرح بكل وضوح انه يتوقع أكثر من ذلك بكثير من حلفاء أمريكا والشركاء في جميع أنحاء العالم من أجل ضمان أمنهم.
سيكون على «ترامب» أن يتعامل بحرص مع صعود «بن سلمان». وسوف يتعين على إدارته الاعتراف بتنامي نفوذ الأمير الشاب ليس فقط داخل المملكة ولكن أيضا في السياسة العربية والإقليمية. وينبغي أن يغتنم الفرصة لتشكيل وجهات نظره في القضايا الحيوية التي يسيطر عليها. ولكن على واشنطن أن تتحلى بالذكاء وألا تبسط السجادة الحمراء أمام «بن سلمان» بشكل يخل بعلاقتها المتميزة مع «محمد بن نايف» الذي تعتمد عليه في مجال مكافحة الإرهاب.
يواجه «بن سلمان» تحديات خطيرة في رحلته لتحويل المملكة بداية من الإستراتيجية وقدرة الدولة مرورا بالموارد المالية والفوضى الإقليمية. ولكن التحدي الأكبر يكمن في قدرة «بن سلمان» على بيع خطته الإصلاحية لنوعين من الجماهير الحرجة. الجمهور الأول هو الجمهور السعودي، ومعظمه ينفر من المخاطر ويتخوف من التغيير. والثاني هو الجمهور الأمريكي حيث تلعب الولايات المتحدة دورا لا غنى عنه في خطته.
وفق العديد من المعايير ذات المصداقية، حقق «محمد بن سلمان» بداية قوية. لكن تعقيدات إصلاحاته سوف تتطلب، من بين أمور أخرى، الصبر والتواضع. المسيرة نحو التغيير الحقيقي في المملكة ليست اختيارية. و«محمد بن سلمان» مجرد مايسترو لكن الموسيقى ينبغي أن تؤدى من الأوركسترا السعودي بأكمله.
بلال صعب - فورين أفيرز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-