ظهرت الإشارات الحقيقية الأولى التي تدّل على أنّ برنامج التحوّل الوطني الطموح يمضي قدمًا للأمام في هذا الشهر (يناير/كانون الثاني) عندما حدّدت الحكومة برنامجها من الطاقة المتجدّدة في 10 جيجاوات خلال الستة أعوام القادمة، كلها عن طريق القطاع الخاص. ومنذ كشف «محمد بن سلمان» عن خطّته للتحوّل في يونيو/حزيران عام 2016، سارعت الوزارات والسلطات وشركات المرافق للعمل على كيفية تنفيذ برنامج التحوّل الوطني الجديد.
ويهدف المخطّط الليبرالي الحديث إلى تعزيز دور استثمار القطاع الخاص في السعودية، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة. والغاية النهائية هي تنويع الاقتصاد السعودي، والحدّ من الاعتماد على النفط، وتقليص البطالة بعد أن وصلت أعلى من 12 بالمائة. والأمير «محمد بن سلمان» هو ولي ولي العهد ومهندس الإصلاحات، وهو من خطّ الخطوط العريضة لرؤية 2030. وقد راهن بمستقبله على نجاحها. ويقول دكتور «مارك فاليري»، المحاضر في اقتصاد الشرق الأوسط بجامعة إكستر: «هذا أمرٌ بالغ الأهمية بالنسبة له. فموقف «محمد بن سلمان» أضعف بالفعل بسبب المشاكل في اليمن وطريقة التدخّل السعودي هناك. لذا فهو يراهن بكل أوراقه على الاقتصاد».
لكن بشكلٍ عام، لم يسر الأمر على ما يرام في عام 2016، بفعل الأزمات المستمرة. ويقول أحد المصرفيين في المملكة: «لا شيء يحدث، لم يتمّ بناء شيء حقيقي. وتقول الحكومة إنّها لن تبرم أي عقود باستثناء الشراكات مع القطاع الخاص».
مبادرات جديدة
لطالما أوصت الاستشارات الأجنبية في الخليج العربي بالترويج لشراكات مع القطاع الخاص لعقود كوسيلة لزيادة استثمارات القطاع الخاص. وفي العام الماضي، قرّرت السعودية، من بعد عمان وقطر، أنّ شركات القطاع الخاص هي الحل الأفضل للخروج من أزمة انخفاض أسعار النفط. ولكن كما تعلمت المملكة من تجربتها الخاصة، فإن من الصعب جدًا أن تسير الأمور على ما يرام، كما أنها تكون غير شعبية ومكلّفة عندما تسير على نحوٍ خاطئ».
وتنطوي الشراكة مع القطاع الخاص على أن يقدّم المطوّرون في القطاع الخاص خدمات عامّة نيابةً عن الحكومة، مع تحقيق أرباح جيّدة لهم وللمموّلين. وتعني أيضًا أنّ على الحكومة تغيير علاقتها بالقطاع الخاص، من عملاء إلى شركاء. وتثار الشكوك حول ما إذا كانت الخدمة المدنية السعودية لديها الخبرة الكافية للتعامل مع تلك الصفقات المعقّدة، أو مدى سرعة تعلّمها لذلك.
وعلى الرغم من أنّ السعودية تنفق 45 بالمائة من ميزانيتها على أجور القطاع العام لتوظيف أغلبية القوّة العاملة المحلّية، قد لا تكون الخدمة المدنية قادرة ببساطة للتعامل مع هذا التغيّر الكبير في كيفية تشغيلها. وتتزامن خطط الخصخصة وشراكات القطاع الخاص مع تجميد الوظائف في القطاع العام، وتقليص العلاوات، وإعادة هيكلة حكومية ضخمة، والتي خلقت وزارة ضخمة تشمل جميع قطاعات الطاقة من نفط وغاز وكهرباء، ودمجت عددًا من الوزارات الأخرى.
وقد تسبّبت أسعار النفط المنخفضة في انخفاض عائدات المملكة إلى النصف، وأصبحت الوزارات مضطرة للتعامل مع ميزانيات أقل بكثير ممّا اعتادت عليه، بينما ظلّ الطلب على الكهرباء والمياه والمدارس والإسكان في الارتفاع. وقد أحصت الحكومة حاجتها لبناء 1.5 مليون منزل، ومضاعفة قدراتها من الطاقة، وخلق وظائف لملايين الشباب. لكن لم تعد هناك ميزانية حتّى لبناء طرق جديدة ومدارس ومستشفيات كما اعتادت السعودية أن تفعل في الماضي. ويتعيّن أن يوافق «محمد بن سلمان» على أيّ نفقات، وتمّ إخبار الكيانات الحكومية بأن تعمل على تحقيق التمويل الذاتي، كما أشارت العديد من المصادر في قطاع الصناعة.
ووجد الوزراء، الذين اعتادوا التعامل بمستوى معيّن من الميزانيات، أنفسهم مقيّدين. ويقول دكتور «فاليري»: «لقد كانت عملية شديدة المركزية، حيث يعتمد محمد بن سلمان على عددٍ قليلٍ من النّاس، ويعتبر الآخرين غير موثوقٍ بهم. والدائرة التي تصنع كل تلك القرارات غير خاضعة للمساءلة أمام مجلس الوزراء أو مجلس الشورى أو حتّى باقي الأسرة الحاكمة».
التأخير والارتباك
وقد دفعت الاحتياجات الملحّة للسكّان الحكومة لمحاولة جذب استثمارات القطاع الخاص في كل مشروع لإنفاق رأس المال، كبر أو صغر. ونصح المستشارون بعدد من المشروعات الأولية في قطاعات أبسط، لكنّ العديد من الكيانات الحكومية تخطّط لمشاريع مع قليل من التنسيق، الأمر الذي سبّب الارتباك. وعلى سبيل المثال، توجد خطّة للهيئة العامة للطيران المدني لخصخصة كل مطارات المملكة، ومن المتوقّع أن تعاني تلك الخطّة. فالعديد من المطارات الإقليمية التي يستخدمها بضعة آلاف من المسافرين سنويًا، ببساطة، ليست مربحة بشكلٍ كافٍ لجذب القطاع الخاص.
وتأخّر أيضًا برنامج بناء مستشفى بشراكة مع القطاع الخاص حتّى تقرّر وزارة الصحة إذا ما كان القطاع الخاص سيوفّر الإنشاءات فقط، أو سيقدّم الخدمة الطبيّة أيضًا. وعلّقت كذلك وزارة الإسكان مشروعها للإسكان بالشراكة مع القطاع الخاص، في حين يتم إعادة النظر في خططها. ويشكّل الجمود وعدم القدرة في القطاع العام السعودي تحدّيًا، لكن قد تكون هناك مقاومة أيضًا تقابل الإصلاحات الصّعبة، وبشكلٍ خاص من عائلات الأعمال التي تسير أمورها جيّدًا في ظلّ هذا النظام، وكذلك كبار الشخصيات في الحكومة التي سيطالها التهميش بهذه التغييرات.
وبحلول أواخر عام 2016، كان موظّفو الخدمة المدنية يتذمّرون حول الاستشارات الأجنبية، التي قادتها شركة «ماكينزي»، والتي ساعدت في إعداد رؤية 2030، وفقًا لمصادر في قطاع الصناعة. ويعيد برنامج التحوّل الوطني أساسًا طرح عددٍ من البرامج الليبرالية الحديثة التي لم تنجح سابقًا في أنحاء الشرق الأوسط.
لكن من غير المرجّح أن يستطيع السكّان قول كلمتهم والتعبير عن رأيهم حول الإصلاحات، حتّى وإن سبّبت التخفيضات في الإنفاق انخفاضًا في مستوى معيشتهم. ويقول دكتور «فاليري»: «إنّ الإصلاحات بالفعل تسبّب سخط العديد من الناس غير الراضين عن خفض الدعم، لكن من الصعب أن يصرّحوا بذلك علنًا. فالسيطرة السياسية شديدة للغاية، ولا أرى أنّ السخط العام يمكن أن يترجم إلى مقاومة واسعة».
يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت السياسات الليبرالية الحديثة في الخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر ستوفّر حلًّا لمشكلة البطالة المزمنة في السعودية وقلّة التنوع. ومن جانب ولي ولي العهد، فهناك حاجة لنتائجٍ إيجابية في الأعوام القليلة القادمة وإلّا ستتضرّر مصداقيته بشدّة.
الإندبندنت - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-