توجد الكثير من الأسباب التي قد تدفع الملك «سلمان» للخروج في رحلته الطموحة الطويلة لمدّة شهر إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. الصين واليابان شريكان اقتصاديّان هامّان تحتاجهما السعودية لتحقيق برنامجها الطموح للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، رؤية 2030. وبروناي وإندونيسيا وماليزيا والمالديف، كلها دول ذات أغلبية مسلمة سنّية وأعضاء في منظّمة المؤتمر الإسلامي، الذي يقع مقرّه الرئيسي في جدّة، وتقوده السعودية. وعلى هذا النحو، فهي هامة لبناء تحالف سنّي موحّد لمواجهة طموحات إيران لجمع السلطة والنّفوذ في العالم الإسلامي.
لكن بلا شك، قد يكون هناك أيضًا رسالة ضمنية وراء جولة الملك بأنّ السعودية ستحافظ على مرونتها عندما يتعلّق الأمر بالولايات المتّحدة. وكان ردّ فعل الرياض على انتخاب «دونالد ترامب» للرئاسة إيجابيًا. وكان «سلمان» من بين أوائل الزعماء الذين هنئوا الرئيس بانتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد عمل وزير خارجيته، «عادل الجبير»، جاهدًا لبناء العلاقات مع الإدارة الجديدة، وأشاد بها في التصريحات الصّحفية وفي المحافل العامّة.
ومن جانبها، تظهر إدارة «ترامب» في كل فرصة مبادلتها للسعودية في رغبتها في إعادة بناء العلاقة التي تضرّرت خلال السنوات غير السعيدة من رئاسة «أوباما». وكجزءٍ من تعزيز استراتيجيتها لاحتواء إيران، تزيد الولايات المتّحدة من دعمها للتّحالف الذي تقوده السعودية والذي يدخل عامه الثالث من التدخّل العسكري في اليمن.
وقد أعلنت إدارة «ترامب» عن خططٍ لرفع بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة للسعودية والتي كانت قد فرضت من قبل «أوباما»، ولاسيما بشأن الذخائر الموجّهة بدقّة (ولكن على ما يبدو ليس القنابل العنقودية). وقد ذُكِرَ أنّ وزير الدفاع «جيمس ماتيس» قد تحدّث عن اتّباع نهجٍ أكثر عدوانية في اعتراض إمدادات الأسلحة الإيرانية للحوثيين في اليمن عبر البحر. وفي الوقت نفسه، غابت السعودية عن قائمة الدول الخطيرة ذات الأغلبية المسلمة، والتي خضعت لقيودٍ جديدة على تأشيرات دخول الولايات المتّحدة، وذلك على الرغم من أنّ 15 من بين 19 شخصًا نفّذوا هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 كانوا سعوديين.
وستكون السعودية حريصة على إيجاد الوسائل لقطع منتصف الطريق إلى إدارة «ترامب».
خوف سعودي
ومع ذلك، تخشى السعودية أن ينقلب دعم «ترامب» سريعًا. وعلى ما يبدو فإنّ الإدارة الأمريكية تأمل في أن تكون السعودية جزءًا من خطّة حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية بشروطٍ تمليها (إسرائيل). وقال المفاوض السّابق «دينيس روس» لصحيفة نيويورك تايمز أنّ «المنطق يقول، أنّه مع وجود الفلسطينيين حاليًا في حالة ضعفٍ وانقسام، والعلاقة التكتيكية بين العرب و(إسرائيل)، فإنّ هناك أمل في أن يقدّم العرب المزيد».
وتركّز هذه الفكرة على تلاقي المصالح بين (إسرائيل) والعرب في مواجهة الخطر الإيراني. لكن قد لا خطّة الصفقات الاقتصادية والأمنية كافية لأن يلقي السعوديون بالفلسطينيين تحت عجلات الحافلة. وقد كان «الجبير» واضحًا كالشّمس في أعقاب تصريحات «ترامب» حول حلّ الدولة الواحدة المحتمل خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» إلى واشنطن مؤخّرًا، بأنّ السعودية لا تزال ملتزمة بحل الدولتين. وبالتالي، لن تكون السعودية طرفًا في أيّ اقتراح لا يضمن للفلسطينيين دولة مستقلة آمنة ذات سيادة خاصّة بهم، أو على الأقل، حقوق مواطنة كاملة داخل دولة وحدوية.
وبلا شكّ، لا يشعر السعوديون بالرّاحة من تصريحات «ترامب» الأولية التي أشارت إلى السعودية كماكينة صرّاف آلي، تنفق الأموال على المبادرات الإقليمية للإدارة، من المناطق الآمنة في سوريا إلى الحشد العسكري في مواجهة إيران. فالسّعودية لا تمتلك ثروة غير محدودة. وتقول تقديرات صندوق النقد الدولي أنّ الناتج المحلي الإجمالي في السعودية لعام 2017 سيصل إلى 690 مليار دولار. وهذا يضعهم على قدم المساواة مع ولاية أوهايو فقط، والتي يقدّر ناتجها المحلي الإجمالي بحوالي 653 مليار دولار.
وأمام هذا الدّخل، تواجه السّعودية تحدّياتٍ اقتصادية لإيجاد فرص العمل للشباب والنمو السكّاني المطّرد وتنويع الاقتصاد الذي يعتمد في جزءٍ كبيرٍ منه على قطاع الطاقة. ومن المفارقات، مع استمرار ضغط أسعار النفط المنخفضة عالميًا، فإنّ سياسات «ترامب» التي تحاول الوصول إلى استقلال أمريكا في قطاع الطاقة، تهدّد بتفاقم التحدّيات الاقتصادية في السعودية وتقوّض قدرة السّعوديّين على التمويل الذي يرغب به «ترامب».
السعوديون لن يدفعوا الفاتورة وحدهم
بالطّبع ستحاول السعودية قطع نصف الطريق نحو «ترامب». وإذا ما تمّ إقرار مناطق آمنة في سوريا، ستكون السعودية بالتّأكيد من ضمن التحالف الذي سيموّل ذلك، لكنّها لن تكون المموّل الوحيد. وبالمثل، فإنّ السعودية التي هي بالفعل ثالث أكثر الدول إنفاقًا على الجانب العسكري في العالم، وتستهلك ما يقارب 14% من ناتجها المحلي الإجمالي في ذلك (مقارنةً بـ 3.3% فقط في الولايات المتّحدة)، سترغب في دعم بناء جيش إقليمي يتماشى مع ما اقترحه «ماتيس»، لكنّ السعوديّين ليسوا في موقف يدفعهم لتحمّل حساب الفاتورة وحدهم.
ونظرً للمأزق الذي ترى الرياض نفسها فيه مع إدارة «ترامب»، كان «سلمان» حريصًا على السفر إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتحرص الرياض على فتح صفحة جديدة في علاقتها بالولايات المتّحدة واستئناف التعاون الوثيق الذي ميّز تلك العلاقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن يجب على السعودية التحوّط من العدائية المحتملة من قبل «ترامب» حين تخبره الرياض أنّ توقّعاته تجاه المملكة قد تجاوز المعقول.
فورين أفيرز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-