بعد عامين من حملته كمسؤول عن التغيير في المملكة النفطية المحافظة، يبدو أنّ ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» يكتسب الثقة والنفوذ السياسي لصالح تحقيق أجندته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
وأبرز الأمير الشاب خططه فى محادثة استمرت نحو 90 دقيقة ليلة الثلاثاء في مكتبه هنا. وقال مساعدوه أنّها أول مقابلةٍ مطولة يجريها في عدة شهور. وعرض تفسيرات تفصيلية عن السياسة الخارجية وخطط خصخصة شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط واستراتيجية الاستثمار في الصناعة المحلية وتحرير قطاع الترفيه، على الرغم من معارضة بعض المحافظين الدينيين.
وقال «محمد بن سلمان» أنّ الشرط الأساسي للإصلاح هو الرغبة العامة في تغيير المجتمع التقليدي. وأضاف: «إنّ أكثر ما يقلقنا هو ألا يقتنع الشعب السعودي. وإذا كان الشعب السعودي مقتنعًا، فإنّ طموحنا يبلغ عنان السماء» قال ذلك متحدثًا من خلال مترجم.
رغبة متزايدة في التغيير
ويبدو أنّ هناك رغبة متزايدة في التغيير في هذا البلد الشاب الذي لا يهدأ. وقال «عبد الله الحقيل»، رئيس مركز الرأي العام الحكومي، أنّ استطلاعًا للرأي أجرته الحكومة السعودية مؤخرًا قد أظهر أنّ 85% من الجماهير، إذا اضطروا للاختيار، فإنّهم سيؤيدون الحكومة بدلًا من السلطات الدينية. وأضاف أن 77% من الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون خطة إصلاح الحكومة «رؤية 2030»، وأنّ 82% يفضلون العروض الموسيقية فى التجمعات العامة التي يحضرها رجال ونساء. وعلى الرغم من أنّ هذه الأرقام لم تؤخذ من قبل جهة مستقلة، إلا أنّها تشير إلى اتجاه الشعور الشعبي، الذي يقول السعوديون أنّه مدعم بالأدلة القولية.
وقال ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» أنّه «متفائلٌ جدًا» تجاه الرئيس «ترامب». ووصف «ترامب» بأنّه «الرئيس الذي سيعيد أمريكا إلى المسار الصحيح» بعد «باراك أوباما»، الذي لم يثق فيه المسؤولون السعوديون. وأضاف: «إنّ ترامب لم يكمل بعد 100 يوم، وقد استعاد جميع تحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين».
وكان وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» قد قام بزيارة هنا الأسبوع الحالي في إشارة لاحتضان المملكة لإدارة «ترامب». وبينما انتقدت إدارة «أوباما» الحرب السعودية في اليمن، ناقش «ماتيس» إمكانية دعم أمريكي إضافي إذا لم يوافق المتمردون الحوثيون هناك على تسوية بوساطة الأمم المتحدة. (وقد سافرتُ إلى المملكة العربية السعودية كجزءٍ من الوفد الصحفي المرافق لماتيس).
وكان «محمد بن سلمان» يغازل روسيا، وكذلك الولايات المتحدة، وقدم تفسيرًا مثيرًا للفضول عن هدف السعودية من هذه الدبلوماسية. وقال: «إنّ الهدف الرئيسي هو عدم وضع روسيا لكافة بطاقاتها فى المنطقة وراء إيران». ولإقناع روسيا بأنّ السعودية هي رهانٌ أفضل من طهران، كما قال «محمد بن سلمان»، «شرعنا في تنسيق سياساتنا النفطية مؤخرًا» مع موسكو، وهو ما «قد يكون أهم صفقة اقتصادية لروسيا في العصر الحديث».
يوجد توتر سياسي أقل وضوحًا من العام الماضي، عندما رأى العديد من المحللين التنافس بين «محمد بن سلمان» وولي العهد «محمد بن نايف»، الذي يعد رسميًا الأول في خط خلافة العرش لكنّه أقل ظهورًا من ابن عمه. وأيًا كان من يتولى خلافة العرش، يبدو أن ولي ولي العهد قد سيطر بقوة على الاستراتيجية العسكرية السعودية والسياسة الخارجية والتخطيط الاقتصادي. وقد جمع فريقًا من التكنوقراط الذين هم أصغر سنًا وأكثر نشاطًا من القيادة السابقة للمملكة.
ببطء.. وثبات
ويبدو أنّ خطط الإصلاح تتقدم ببطء ولكن باطراد. وقال «محمد بن سلمان» أنّ العجز في الميزانية قد انخفض. وارتفعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 46% بين عامي 2014 و2016، ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 12% أخرى هذا العام. وقال أنّ البطالة والإسكان ما زالا يمثلان مشاكل قائمة، ومن غير المحتمل حدوث تحسن فى تلك المجالات إلّا بين عامي 2019 و2021.
ويتمثل التغيير الاقتصادي الأكبر في خطة خصخصة نحو 5% من شركة أرامكو السعودية، والتي قال «محمد بن سلمان» أنها ستجري العام المقبل. ومن المحتمل أن يجلب هذا الاكتتاب العام مئات المليارات من الدولارات وأن يكون أكبر بيعٍ من هذا القبيل في التاريخ المالي. وأخبرني أنّ الحجم الدقيق للعرض سوف يعتمد على الطلب في السوق المالية وتوافر الخيارات الجيدة لاستثمار العائدات. ويرجع الأساس المنطقي لبيع حصة من الكنز النفطي للمملكة إلى جمع المال لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على الطاقة. ويمثل التعدين إحدى الأولويات، حيث سيستفيد القطاع بنحو 1.3 تريليون دولار من الثروة المعدنية المحتملة.
وذكر الأمير أهدافًا استثمارية أخرى، مثل إنشاء صناعة أسلحة محلية، وتخفيض إنفاق المملكة من 60 مليار دولار إلى 80 مليار دولار سنويًا على شراء الأسلحة من الخارج. وكذلك إنتاج السيارات داخل المملكة لتحل محل ما يقرب من 14 مليار دولار تنفقها الحكومة سنويًا في شراء السيارات المستوردة. بالإضافة إلى إنشاء صناعات ترفيهية محلية وسياحية للحصول على جزء من الـ 22 مليار دولار التي ينفقها السعوديون في السفر إلى الخارج كل عام.
وتعتبر صناعة الترفيه عن لغزٍ أكبر حول كيفية فتح الاقتصاد السعودي. وقد بدأت التغييرات. وكانت فرقة أوركسترا يابانية شملت نساءً قد قامت بعرض أداء هذا الشهر، أمام جمهورٍ مختلط من الرجال والنساء. وتم عقد مهرجان كوميك كون في جدة مؤخرًا، مع ارتداء الشباب والشابات لملابس شخصيات من البرنامج التلفزيوني «خارق» وغيرها من العروض التلفزيونية المفضلة. ويقدم الكوميديون عروضًا ثابتة بنوادي الكوميديا (ولكن لا يظهر بها نساء كوميديات حتى الآن).
وتعد هذه الخيارات ثورةً متواضعة، حيث كانت أماكن الترفيه الرئيسية، حتى وقتٍ قريب، هي المطاعم ومراكز التسوق. واستضاف استاد الملك فهد الدولي في الرياض الشهر الماضي مع فعاليات برنامج «مونستر جام» للشاحنات.
وتقول «مايا»، وهي واحدة من عشرات الشباب العاملين على إنتاج الأفكار الترفيهية في الهيئة العامة للترفيه بالمملكة، أنّها ترغب في إقامة متحف في المملكة للمثلجات (الآيس كريم) كالذي شهدته في نيويورك.
وقال «أحمد الخطيب»، وهو مصرفيٌ استثماريٌ سابق ويعمل رئيسًا لهيئة الترفيه: «نريد تغيير الثقافة». وهدفه هو خلق ست خيارات للترفيه العام في نهاية كل أسبوع للسعوديين. بيد أنّ الهدف الأكبر هو «نشر السعادة» في البلد التي كانت تفتقر يومًا ما إلى أي نوعٍ من الترفيه.
وكان المحرض على هذه المحاولة لإعادة تصور المملكة هو ولي ولي العهد البالغ من العمر 31 عامًا. ومع سلوكه الجرئ، فإنه يقدم صورة عكسية للصورة البدوية التقليدية للقادة السعوديين السابقين. وعلى عكس الكثير من الأمراء السعوديين، لم يحصل على تعليمه في الغرب، والتي ربما حافظت على طاقته القتالية الصافية، والتي هي جزء من عنفوان الشباب السعودي.
وتعتبر خدعة «محمد بن سلمان» هي الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة، دون أن يبدو دمية في يد أمريكا. وقال: «لقد تأثرنا بكم فى الولايات المتحدة كثيرًا. ليس لأنّ هناك من يمارس ضغوطًا علينا، فإذا ضغط أي شخصٍ علينا، نذهب نحن في الاتجاه الآخر. ولكن إذا شاهدتُ فيلمًا في السينما، فسوف أتأثر». وبدون هذا التحفيز الثقافي، كما قال: «كنا سننتهي إلى وضعٍ يشبه كوريا الشمالية». ومع وجود الولايات المتحدة كحليفٍ مستمر، «سنندمج أكثر مع العالم، بلا شك».
وكان «محمد بن سلمان» حذرًا في الحديث عن القضايا الدينية. وحتى الآن، استطاع التعامل مع السلطات الدينية كحلفاء ضد التطرف، بدلًا من جعلهم خصومًا لبرنامجه للتغيير الثقافي. ويقول أنّ النهج المحافظ الديني المتطرف في المملكة ظاهرة حديثة نسبيًا، وقد أتى كرد فعلٍ على الثورة الإيرانية التي وقعت عام 1979 وما تبعها من الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة المكرمة من قبل متطرفين سنة في وقتٍ لاحقٍ من ذلك العام.
وأضاف: «أنا شاب، و70% من مواطنينا من الشباب. ولا نريد أن نضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها في الأعوام الـ 30 الماضية. نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن. وأرغب، مثلي مثل الشعب السعودي، في أن نستمتع بالأيام القادمة، وأن نركز على تنمية مجتمعنا ونطور أنفسنا كأفرادٍ وعائلات، مع الحفاظ على ديننا وعاداتنا. ولن نستمر في مرحلة ما بعد عام 79». ثم استدرك: «هذا العصر قد انتهى».
ديفيد أغناتشيوس - واشنطن بوست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-