في 22 نيسان/أبريل الماضي، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عدداً كبيراً من المراسيم المَلَكية. كانت المناسبة الرسمية لهذا القرار المفاجئ إعادة المخصّصات المالية لموظفي الخدمة المدنية والعسكريين إلى سابق عهدها، بعد أن خُفِّضت بموجب خطة الإصلاح الاقتصادي الطموحة التي أطلقتها المملكة بعنوان "رؤية السعودية 2030".
لكن حين التمعّن بسلسلة المراسيم هذه، يتراءى لنا تفسيرٌ آخر لما جرى. فتحتَ ستار إعادة المخصّصات المالية، تم الإعلان عن تعيينات جديدة في مناصب حسّاسة للغاية، طالت بشكلٍ أساسي السلك الدبلوماسي ومجالات الأمن القومي والمناطق الإدارية. وولّدت عموماً الانطباع بأن المملكة شهدت انقلاباً ناعماً يرمي إلى تسريع عملية الخلافة المَلَكية، وتذليل العقبات التي تعترض اعتلاء ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان العرش.
لكن المفاجأة الكُبرى تمثّلت في تعيين الملك سلمان لنجله الأصغر سنّاً، الأمير خالد، كسفير المملكة لدى الولايات المتحدة. فعدا عن أنها المرة الأولى التي يعيّن فيها عاهل سعودي ابنه سفيراً، تشي هذه الخطوة أيضاً برغبة الملك سلمان في فتح قنوات اتصال مباشرة وشخصية مع واشنطن، وتحديداً مع دائرة المقرّبين من الرئيس دونالد ترامب.
يُضاف إلى ذلك أن الأمير خالد هو الأخ الشقيق الأصغر لمحمد بن سلمان الذي يتخبّط في لُجج معركة على الخلافة مع الأمير محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية في المملكة. لذا، سيضطلع السفير الجديد بدور صلة الوصل بين شقيقه وبين إدارة ترامب، مايمنح الأمير محمد بن سلمان الأفضلية في السباق المحموم على الخلافة.
وقد سعى محمد بن سلمان، باعتباره وزيراً للدفاع، لأن يصبح صنواً للأميركيين في شؤون الدفاع والاستخبارات في الخليج، فيتساوى على الأقل مع محمد بن نايف ومستشاره الخاص الأمير محمد بن زايد في الإمارات العربية المتحدة.
الأمير خالد، ابن الثمانية والعشرين، هو سفير يافعٌ جدّاً، وهذا أمرٌ نادر الحدوث في تعيينات السلك الدبلوماسي. لكنه أيضاً طيّار في سلاح الجو، تلقّى تدريبه في الولايات المتحدة وشارك في الضربات الجوية التي نفّذتها قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما تسجّل مؤخّراً في جامعة جورجتاون في واشنطن.
ويُتوقّع أن يؤول تعيينه إلى تصوير المملكة على أنها تخوض عملية تجديد ترمي إلى تغيير الصورة العامة المكوّنة في أذهان الأميركيين عنها، وهو ما فشلت الدبلوماسية السعودية حتى اليوم في تحقيقه.
قد يُساعده صغر سنّه وروابطه العائلية في بناء علاقات مع الأشخاص المقرّبين من ترامب - مثل أبنائه، وابنته، والأهم صهره النافذ جارِد كوشنر. إذ يبدو أن الملك سلمان وأبناءه يسعون إلى إعادة بناء الروابط المتينة مع الإدارة الأميركية، على خطى السفير السعودي السابق بندر بن سلطان الذي جمعته علاقات وطيدة مع عائلة بوش.
يُمكن أن تُعتبر التعيينات الأخرى التي أقرّها الملك سلمان محاولة لموازنة تعيين الأمير خالد. فقد عيّن الأمير عبدالعزيز، أحد أبناء الملك من أمّ سُديرية والأخ الأكبر غير الشقيق للأمير محمد، وزيرَ دولة لشؤون الطاقة، وهو القطاع الذي يُشرف عليه إلى حدّ كبير ولي ولي العهد عبر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه.
مع ذلك، يمكن أن يساهم هذا التعيين في تعزيز العلاقات داخل فرع الملك سلمان من العائلة المالكة، وإخماد ما وصفه أفراد من العائلة المالكة في شكل خاص بالاضطراب الناجم عن الصعود السريع لابن سلمان المفضل، وتهميش أشقائه الأكبر سنّا.
أما التعيين الثالث، الذي له تأثير مباشر أكثر على الخلافة، فكان منح الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، ابن أخ محمد بن سلمان، منصب نائب حاكم المنطقة الشرقية الغنيّة بالنفط، مع الإشارة إلى أن حاكم المنطقة ليس سوى الأمير سعود بن نايف، شقيق محمد بن نايف. ويمكن تفسير هذه الخطوة على أنها محاولة من جانب الملك سلمان وأبنائه لمواصلة تطويق ولي العهد وعائلته في التسلسل الهرمي للدولة.
أحدثت مراسيم أخرى تغييرات في أجهزة الأمن الوطني.
فقد تمّت إقالة قائد القوات البرية السعودية، محترف ناجح، ليحل محله أحد أفراد العائلة المالكة، نائبه الأمير فهد بن تركي. وعُيّن اللواء الركن أحمد عسيري، أحد كبار مستشاري الأمير محمد في وزارة الدفاع والمتحدث باسم التحالف الذي يقاتل الحوثيين في اليمن، في منصب الرجل الثاني في مديرية الاستخبارات العامة. ويبدو أن تسميته جاءت بمثابة مكافأة لشخص يجسّد حرباً يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها كعب أخيل الأمير محمد، حتى في دوائر العائلة المالكة.
وعُيّن محمد الغفيلي، مساعد آخر مقرّب من ولي ولي العهد، رئيساً لمركز الأمن الوطني، وهو هيكل تنسيقي بين الوكالات أنشأه الأمير بندر وكان قد تمّ تعليقه منذ العام 2015. ومن شأن هذا التعيين، من بين جميع التعيينات الأمنية، أن يشكّل أقسى ضربة لمحمد بن نايف، على الأقل باعتباره وزيراً للداخلية.
إذ يمكن لهذا الكيان أن يخرق نطاق اختصاص ولي العهد عند معالجة قضايا مكافحة الإرهاب والتطرّف، عبر رفع القرارات مباشرةً إلى الديوان الملكي الذي يسيطر عليه محمد بن سلمان.
أخيراً، فضلاً عن أن المراسيم الملكية منحت دفعاً مذهلاً لمحمد بن سلمان، إلا أنها روّجت أيضاً لجيل أصغر، سواء داخل العائلة المالكة أو في أجهزة الدولة. ولايخفى هنا أن ولاء هذا الجيل الجديد هو من دون منازع للأمير الصاعد.
علاوةً على ذلك، سعى الملك، من خلال إعادة المخصصات إلى سابق عهدها، إلى ترميم شعبية ابنه المتعكّرة، بعد أن كان برنامج الإصلاح الذي روّج له السبب في وضع حدّ لتلك المخصصات. واعتُبرت هذه الخطوة بادرة برّ وإحسان تترافق مع الوجوه الجديدة في السلطة، وذلك بهدف طمأنة شريحة كبيرة من المجتمع السعودي الذي قد يحكمه محمد بن سلمان قريباً.
جوزيف باحوط- كارنغي-