آرون ميلر - بوليتيكو- ترجمة وتحرير شادي خليفة -
بدا الرئيس «دونالد ترامب»، في الفترة الأخيرة، كمعجبٍ مراهق تجاه الملك «سلمان» وابنه ولي العهد الجديد «محمد بن سلمان». ومنذ عهد «فرانكلين روزفلت»، كان هناك علاقة قوية بين الإدارات الأمريكية والقيادة السعودية، لكن أن يصل الأمر إلى حد الافتتان، فالأمر جد خطير.
لم يعبر «ترامب» وحده عن إعجابه بالأمير الشاب، بل سبق وأن عبر عن ذلك وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، ووزير الخارجية الألماني، ورئيس صندوق النقد الدولي. وذلك بسبب خطته الطموحة لتحديث السعودية، «رؤية 2030»، لكن من غير الواضح إذا ما كانت إمكاناته الشخصية ستخوله للنجاح في تلبية تلك التوقعات.
وقد ظهر افتقاره للخبرة واندفاعه وتهوره من خلال الحرب في اليمن وأزمة دول الخليج مع قطر وتصريحاته المندفعة ضد إيران. وللأسف، لم يضر بذلك السعودية فقط، بل سحب معه الولايات المتحدة لتشاركه عبء تلك الأخطاء.
لا نلوم بالطبع ولي العهد على التأثير السلبي على الولايات المتحدة، بل نلوم واشنطن نفسها. فإن كانت واشنطن ترى المحور الخليجي السني مهمًا لأهدافها الثلاثة في المنطقة، القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية ومواجهة نفوذ إيران وتحقيق السلام العربي الإسرائيلي، فمع وصول الملك «سلمان» وابنه إلى سدة الحكم عام 2015، أصبحت هناك شكوك كبيرة قدرة الرياض على تحقيق أي من هذه الأهداف. وفيما يلي ثلاثة اعتبارات تحتاج إدارة «ترامب» للتفكير بها قبل أن تصبح سياستها في الشرق الأوسط تابعة وخادمة تمامًا للسياسة السعودية.
هل يمكن للسعودية تجنب المزيد من الأخطاء المتهورة؟
لقد سارت نتائج كل ما أقدم عليه «بن سلمان» تقريبًا في الاتجاه المعاكس. فقد تحولت حربه في اليمن إلى كارثة إنسانية وفوضى عارمة، ولم تحقق السعودية حتى الآن أي نجاحٍ يذكر. بل لقد عززت إيران نفوذها في شبه الجزيرة العربية للمرة الأولى منذ زمنٍ طويل. وقد تسببت مبادرة فرض العزلة على قطر في اتجاهها إلى معسكري تركيا وإيران، كما سببت حرجًا دبلوماسيًا عالميًا للولايات المتحدة بتبني «ترامب» رأي دول الحصار. وقد دمر «ترامب» حلمه بتكوين تحالفٍ عربيٍ سني ضد إيران، وذلك باحتضانه لتلك الأزمة.
هل يمكن للسعودية تحقيق تقدم بشأن عملية السلام؟
لا شك أنّ المواجهة مع إيران وظهور تهديدات جهادية جديدة مثل تنظيم الدولة الإسلامية دفعت الدول العربية للتقارب مع (إسرائيل) أكثر من أي وقتٍ مضى، لكن هل يكفي هذا للقفز بخطواتٍ كبيرة تجاه «صفقة القرن» التي أشار إليها «ترامب»؟
قد تكون السعودية مستعدة لتقديم بعض التنازلات الصغيرة في مقابل توحيد الجهود ضد النفوذ الإيراني، لكن لكي يكون هناك خطوات واسعة نحو إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية علنية وودية مع (إسرائيل)، فإن الرياض لن تعرض نفسها للانتقادات الشعبية والرسمية من قبل الدول الإسلامية وإيران ما لم تقدم (إسرائيل) تنازلاتٍ كبيرة، وسيكون على (إسرائيل) التنازل عن القدس والعودة إلى حدود يونيو/حزيران عام 1967، وهذا مستبعدٌ تمامًا مع حكومة «نتنياهو». لكنّ الأخطر هو التوقعات المبالغ فيها من قبل إدارة «ترامب» تجاه ما يمكن للسعوديين تقديمه في هذه القضية.
هل يمكن لواشنطن التراجع عن الضوء الأخضر؟
لقد حان الوقت أن تضع إدارة «ترامب» بعض الخطوط الحمراء مع الرياض. ولدى واشنطن النفوذ اللازم على السعوديين، الذين لا يزالون يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على الدعم العسكري والمخابراتي الأمريكي لأجل أمنهم. وفي اليمن، يجب على واشنطن أن تجعل دعمها مشروطًا بالجهود التي ترعاها الأمم المتحدة للتوسط من أجل التوصل إلى تسوية النزاع. ومع قطر، يجب على البيت الأبيض ووزارة الخارجية التدخل مباشرةً مع السعوديين (والإمارات) للضغط على البلدين لتخفيف المطالب المتشددة التي قدموها إلى قطر لإنهاء الأزمة.
ومع إيران، ورغم أنّ هذا سيكون مؤلمًا، يجب على الرئيس أن يتبع بعضًا من مسار الرئيس «باراك أوباما». وبدلًا من الانخراط في الخطابات التي تصعد الصراع، يجب على الولايات المتحدة أن توضح للسعوديين أنّ دعم أمريكا لمؤسستها العسكرية والأمنية يبقى مشروطا، وسوف يتوقف إلى حدٍ ما على الجهود السعودية للتخفيف من حدة علاقتها العدائية مع إيران.
نحن لسنا على يقين من أنّ البيت الأبيض مستعد للقيام بأي من هذه الأمور. ولأعوامٍ عديدة، خلال فترة ولايتنا الطويلة في وزارة الخارجية، انتقدنا الاعتماد السعودي غير الصحي على الولايات المتحدة لحل مشاكلها الأمنية الخاصة وفشلها في تقديم حلٍ للتهديدات الأمنية الإقليمية. وأعربنا عن أسفنا إزاء نفور المملكة المزمن من المخاطرة لأجل صنع السلام العربي الإسرائيلي. والآن، بعد أن حصلنا على ما كنا نتمناه، مملكة سعودية أكثر استقلالًا وحزمًا، ربما تستطيع الولايات المتحدة توجيه السعودية الجديدة للمخاطرة بطريقة تفيد السياسة الأمريكية.
لكن إذا لم نضع بعض القواعد الأساسية ونلتزم بها إذا تراجع السعوديون إلى الوراء، ستنزلق واشنطن في أفق السياسة الضيق للقوة الصغيرة، والتي لن تخدم مصالحنا تمامًا. وسيكون الأمر من السوء بمكان لكي يستغله خصومنا، إيران وروسيا، على أكمل وجه.