DW بالعربية-
تشهد السعودية تغييرات تجاوزت الاقتصاد و"رؤية 2030" وامتدت للقضاء وهرم السلطة. لكن حقوقيين يحذرون من القبضة الحديدية مع زيادة الإعدامات. بالمقابل هناك من ينظر بتفاؤل للمستقبل مع التغييرات وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد.
التغييرات التي أجراها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في رأس السلطة وترتيب البيت السعودي بإزاحة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف وتعيين نجله الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، عززت قبضة أسرة سلمان على السلطة. هذا التغيير لم يكن مفاجئا للكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن السعودي، حيث كانت مساعي الأمير الشاب وطموحاته السلطوية واضحة، منذ تعيينه وزيرا للدفاع وتولي الملف اليمني مع جلوس والده الملك سلمان على عرش المملكة. وهو لم يحكم قبضته على المؤسسة العسكرية فقط، إذ طرح رؤيته الخاصة للتغيير والإصلاح في المملكة أيضا تحت عنوان "رؤية المملكة 2030".
لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: ما الذي دفع العاهل السعودي إلى إجراء هذه التغييرات في هرم السلطة؟ وما مدى تأثيرها على الوضع السياسي والدعوات الإصلاحية وحقوق الإنسان والحريات العامة والفردية في المملكة؟
الإجابة على ذلك حمالة أوجه. ففي حين يرى المعارضون أنها تغييرات شكلية ولا يعول عليها، يعلق المؤيدون آمالا كبيرة عليها ولاسيما على ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان (31 عاما). وفي هذا السياق يقول علي الدبيسي، رئيس المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان في حوار مع DW عربية، إن مثل هذا التغيير أمر معتاد في السعودية وهو "أمر يخص الأسرة الحاكمة ولضرورات معينة. ولا يخضع لأي انتخابات أو لخيارات شعبية". ويضيف بأن هذا التغيير لا يجسد "ما يطمح إليه الشعب" وبعيد عن إرادته وبالتالي فإنه "لن يؤدي إلى تحسين ظروف حقوق الإنسان وحجمم المشاركة السياسية وتحقيق الإصلاح الذي ينشده الشعب".
في حين يرى عضو مجلس الشورى السعودي السابق، د. محمد بن عبد الله آل زلفى، أن التغييرات الأخيرة التي شهدتها الدولة الخليجية المهمة مدروسة وتهدف إلى "تحديث أدوات الحكم والآليات التي يجب أن تسير عليها المملكة، وإن ولي العهد يمثل آمال أكبر شريحة في المجتمع السعودي وهم الشباب". ويضيف متفائلا بأن التغييرات ستنعكس إيجابيا على الإصلاح والوضع السياسي وحقوق الإنسان، و"ما يتعلق بحقوق المرأة وتطلعات الشباب والحقوق السياسية وحرية الرأي".
زيادة كبيرة في تنفيد أحكام الإعدامات!
لكن المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان تشير في إحصائيات لها إلى أن المملكة شهدت زيادة كبيرة في نسبة تنفيذ الإعدامات، حتى بعد تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد وتعويل البعض عليه في الإصلاح والانفتاح، حيث تم خلال أقل من شهر بعد تعيينه تنفيذ 17 عملية إعدام بقطع الرأس، وهي نسبة غير مسبوقة -حسب المنظمة- التي تقول إنه وبعد إعدام الشيخ نمر النمر "انفتحت شهية السلطات السعودية على إعدام المعارضين السياسيين".
د. آل زلفى، وفي حواره مع DW عربية، ينفي أن يكون قد تم إعدام معارضين سياسين سلميين، ويقول إن "الإعدامات تمت لمن مارسوا الإرهاب وقتلوا نفوسا بريئة ورجال شرطة وتعطيل التنمية وإثارة القلاقل" ويضيف "لا نريد استغلال قضية حقوق الإنسان". ويشير إلى أن الحوادث التي وقعت في مناطق معينة "تم فيها القيام بأعمال إرهابية خدمة لدول إقليمية معينة تريد أن تنال من أمن واستقرار المملكة باستخدام هؤلاء السذج والتغرير بهم".
بدوره يقر الدبيسي بأنه من حق الدولة بل وواجبها حماية "أمنها وأمن مواطنيها"، لكنه يستدرك ويقول إن ما يتم تداوله في السعودية على أنه يستهدف توفير الأمن للمواطن هو في حقيقته يهدف إلى "نشر حالة من الخوف والتهديدات للمواطنين الذين يجاهرون ويطالبون بالإصلاحات" ويضيف بأن هناك "إغفال للحقوق وتغليب للخيارات الأمنية وعدم الالتزام بالضوابط والقوانين المنظمة لمكافحة الإرهاب".
ويحذر الحقوقي السعودي المعارض من أن القمع وازدياد عمليات الإعدام يمكن أن يولد عنفا مضادا ويؤدي إلى عزوف الشباب عن الاحتجاج السلمي، ويقول إن القمع واستخدام العنف ضد المعارضة و"فقدان العدالة في النظام القضائي السعودي بشكل عام، يدفع البعض إلى العنف لتحقيق أمنهم والمطالبة بحقوقهم". أما آل زلفى فيرد على ذلك بأن من يتم استخدام العنف ضدهم ليس هؤلاء الذين يحتجون سلميا، وإنما من يمارسون "العنف والإرهاب" ويقول إن المطالبة بالحقوق لا تكون بالعنف وإنما هناك طرق سلمية شرعية للمطالبة بها، إذ "يمكن التقدم بعرائض تطالب بتلك الحقوق، ويمكن التحدث في العلن، حيث هناك منتديات يلتقي فيها الناس" ويشير إلى أهمية دور "العقلاء والحكماء" في هذا المجال حيث يمكن اللجوء إليهم ونقل المطالب إليهم، مؤكدا أن "المجتمع كله مع الإصلاح" ويحذر من أن الذين يريدون "تمرير أجندات معينة لفئة معينة ولمصلحة دول خارجية تحرض هؤلاء ضد مصلحة بلادهم، فأعتقد أن الأمر سيختلف تماما حينها".
التغيير القضائي شكلي أم فعلي؟
بالإضافة إلى التغييرات في هرم السلطة وترتيب البيت السعودي، أدخلت المملكة تغييرات في مكتب الادعاء العام مؤخرا. وقال الملك سلمان إن هذه التغييرات جاءت لجعل مطالب النيابة "أكثر استقلالية"، وهو ما فسره البعض على أنه إقرار بأن القضاء "لم يكن مستقلا بما يكفي"، كما يقول علي الدبيسي في حواره مع DW عربية. ويضيف بأن هذا التغيير "يقتضي مراجعة القضايا القائمة والتي قدم الاتهامات فيها الادعاء العام السابق (قبل التغييرات الأخيرة)". ويشدد على أن التغيير سيكون فعالا وجديا إذا "ضمن إجراءات تحقق العدالة للمواطن" أما ما عدا ذلك فسيكون التغيير "شكليا فقط وليس له أي صلة بالواقع، ويجب إعادة النظر فيه".
أما آل زلفى فيقيم التغييرات الأخيرة في مكتب الادعاء إيجابيا ويرى أنه يدخل ضمن إطار التغييرات و"إعادة النظر في كثير من المؤسسات سواء القضائية أو الحكومية التنفيذية أو التشريعية" في المملكة. ويضيف بأنها تلبية "لاحتياجات الناس وخاصة في مجال القضاء الذي يشهد نقلة نوعية وأحدث التغييرات هو تأسيس هيئة الادعاء ومن يقوم بهذا الواجب بعيدا تماما عن السلطة التنفيذية وسلطة الحكومة".
وبعيدا عن دعم وتأييد التغييرات التي تشهدها السعودية والنظر إليها بإيجابية، أو عدم التعويل عليها والتشكيك في فاعليتها ومصداقيتها؛ تبقى العبرة لما سيشعر به المواطن من تغيير في حياته اليومية وفيما إذا كان المجتمع سيشهد انفتاحا وتحسنا في حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة والفردية.