ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

الثورة قادمة في السعودية

في 2017/07/28

ميدل إيست آي- ترجمة شادي خليفة-

تعرف جدة على أنها المدينة السعودية النابضة بالحياة والمركز الاقتصادي للبلاد. حسنًا، ليس بعد الآن. يشعر المرء قليلًا بأنها اليوم مثل مدينة أشباح. لم تع الأشياء تبدو براقة وواعدة كما كانت في السابق.

وهذا الحال ليس خاص بجدة وحدها، مع وجود العديد من الشركات في جميع أنحاء البلاد التي تكافح من أجل الوفاء بالتزاماتها المالية. وتشمل هذه الالتزامات التكاليف الثابتة والتشغيلية، مثل المرتبات والإيجارات والرسوم والمتطلبات الحكومية المتزايدة باستمرار.

وترى الحكومة أنّ الأجانب العاملين في سوق العمل السعودي مصدر مشروع لتوليد الدخل بشكلٍ مستمر. ووفقًا لتقرير البنك السعودي الفرنسي، الذي صدر في يوليو/تموز ونُشر في وسائل الإعلام السعودية، هناك ما يقدر بنحو 11.7 مليون أجنبي في السعودية، 7.4 مليون منهم يعملون، والباقي 4.3 مليون موجودون كمرافقين.

وفي 1 يوليو/تموز ، بدأت السلطات في تحصيل الرسوم على المرافقين عند تجديد بطاقات الهوية الخاصة بهم، وتجديد تصريح الإقامة السنوي. وسوف يدفع المرافق الآن 100 ريال (26.66 دولار) كل شهر. وبحلول عام 2020، وفقًا للبنك، سيرتفع هذا الرقم إلى 400 ريال (106.66 دولار)، ومن المتوقع أن يولد هذا 20 مليار دولار للناتج القومي.

ويبدو أنّ صناع السياسات في دوائر اتخاذ القرار لم تتجاوز رؤيتهم الأرقام النظرية لهذه المبادرة. نعم، قد تؤدي هذه الرسوم الجديدة إلى زيادة الإيرادات المباشرة، لكنّها ستدمر أيضًا ريادة الأعمال في البلاد والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. وتعمل هذه المؤسسات على ميزانيات وموارد محدودة للغاية. وبدلًا من دعم هذا القطاع الذي يكافح بالفعل، فإنّ هذه الأنظمة الجديدة سوف تضغط عليها فقط بهذا القرار.

ولهذا السبب، رد العديد من أصحاب العمل بنقل هذه الرسوم الجديدة إلى موظفيهم وعمالهم. ونتيجةً لذلك، يتعين على الغالبية العظمى من العمال الأجانب دفع هذه الرسوم من دخلهم الخاص. وبدلًا من الدفع، في الأسابيع التي أعقبت تطبيق القانون، فرّ عشرات الآلاف من البلاد، وسيتبع ذلك المزيد.

ونتيجةً لذلك، فإنّ سوق العمل آخذٌ في التقلص إلى اليوم، في حين أنّ تكاليف العمل والخدمات آخذة في الارتفاع. كما سترتفع أسعار العديد من الخدمات التي تقدمها الشركات المتأثرة.

وتذكر، كل هذا يحدث في اقتصادٍ يتقلص بالفعل.

الأضعف منذ حرب الخليج

وستتسبب الضغوط المتصاعدة والمفرطة على هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة في دفع الكثيرين منهم إلى مغادرة البلاد في وقتٍ تعد فيه القوة الشرائية للسعوديين في أدنى مستوياتها منذ عقود وتزداد سوءًا.

وفي تقريرٍ له عام 2016، ذكر البنك التجاري الوطني في جدة أنّه في فبراير/شباط عام 2015، «انخفضت السحوبات النقدية بنسبة 13.3% (على أساسٍ سنوي)، وتراجعت قيمة البيع بنسبة 9.0% سنويًا، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2009».

وأضاف: «نعتقد أنّ انخفاض الدخل المتاح مع ارتفاع أسعار الطاقة والمياه، بالإضافة إلى الآثار السلبية للانخفاضات السنوية المتتالية في السوق المالية السعودية، سوف يضعف الإنفاق الاستهلاكي ...».

كما أشار التقرير إلى أنّ إجمالي الودائع في النظام المصرفي السعودي عام 2015 قد نما بنسبة 1.9%، وهو المعدل الأضعف منذ حرب الخليج.

ونلاحظ أنّ هذا التقرير قد نُشر في عام 2016. وأنّ معظم الزيادة في أسعار المياه والطاقة والرسوم الحكومية الجديدة لم تكن قد أصبحت سارية المفعول بحلول ذلك الوقت. لكن عندما يبدأ تأثيرها هذا العام وأوائل العام المقبل، من المرجح أن تكون الشركات المتوسطة والصغيرة السعودية، التي تشكل نحو 90% من جميع مؤسسات الأعمال في المملكة، قد تعرضت لضررٍ أكبر.

لماذا قد يثور السعوديون

قد يسأل البعض، إذًا، ما هو المختلف هنا؟ لا تعتبر المشقة الاقتصادية بالضرورة العامل الحاسم الذي يدفع الناس إلى الوقوف ضد حكوماتهم. وهناك عشرات وربما مئات البلدان في جميع أنحاء العالم تعاني أوضاعًا اقتصادية أسوأ من المملكة العربية السعودية. وانظروا إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أو أمريكا اللاتينية أو أماكن أخرى كثيرة، حيث لا تزال الحكومات القسرية موجودة، بغض النظر عن الحقائق الاقتصادية السيئة.

حسنًا، الوضع مختلف قليلًا في المملكة. وتخيل إذا كان لديك منزل للأسرة، استطعت شراءه بعد أعوامٍ طويلة من العمل الشاق. ولقد عشت في هذا المنزل لأجيال، وفجأة، كنتَ على وشك أن تفقد ذلك. كيف يمكن أن تشعر أنت أو أي شخص قد يكون مكانك؟

تخيل خيبة الأمل التي ستصيبك، ستنحدر أسرتك نحو الفقر والتشرد، بعد أن كنت تعتقد لعقود أنها بعيدة عن كل هذا. بالنسبة للأفراد، سيكون من السهل أن نتصور أنّ هذا قد يدفع البعض للجنون أو حتى الانتحار، في حين سيبدأ البعض الآخر من الصفر.

أما بالنسبة للمجتمع السعودي ككل، فإنّ هذا لا يعني سوى شيءٌ واحد، الثورة. عندما يفقد الناس كل ما لديهم، يكون رد فعلهم الوحيد هو تفريغ الغضب والإحباط في الشوارع.

ولم يصل الاقتصاد السعودي بعد إلى القاع. ولا يزال هناك بعض المساحة \ لأن تزداد الأمور سوءًا. وعلى سبيل المثال، هناك شائعات بأنّ الحكومة، بعد أن جمدت رسميًا التوظيفات الجديدة في القطاع العام، وهي تنظر بجدية في إنهاء خدمة عشرات الآلاف من موظفي الحكومة.

وبالإضافة إلى الصدمات النفسية والمالية، ستنحدر أعدادٌ أكبر من الأسر إلى الفقر، نتيجةً للبطالة الجماعية.

وبصرف النظر عن الفقدان المفاجئ للثروة، يكمن الفارق الآخر في السعودية في حقيقة أنّ الفقراء في المملكة، وبقية السكان إلى حدٍ كبير، يتركزون في المدن. وعلى هذا النحو، فهم قادرين على التحرك بفاعلية، على خلاف الفقراء في بلدان العالم الثالث الأخرى.

وكما أظهر الفقراء التونسيون والمصريون في ثورات بلدانهم، يتمتع الفقراء السعوديون ببنية تحتية متينة للاتصالات، وهم على اتصالٍ جيدٍ جغرافيًا، وبالتالي يمكنهم بسهولة التنظيم والتجميع.

وهناك عاملٌ مهمٌ آخر، وهو المال في السياسة السعودية، حيث كانت القيادة السعودية تستخدمه دائمًا كأداة لتوسيع النفوذ وتعزيز الاستقرار، من خلال الإنفاق الداخلي على عقود العمل والبناء. وبالتالي، فإنّ تجفيف السيولة سيزيد من زعزعة الاستقرار في المملكة في المستقبل القريب.

رفض رؤية 2030

لم يعد الجمهور السعودي ينظر إلى الحكومة كجزء من الحل. بل إنّهم يشعرون بالخيانة. وللتغلب على أزمة مصداقيتها، سيتعين على الحكومة أن تعمل بجد في الأشهر والأعوام القادمة.

ومن الأمثلة على ذلك، الرفض واسع النطاق لرؤية 2030، برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي عرضه «محمد بن سلمان» العام الماضي. فالناس يستيقظون على واقعٍ قاسٍ وغير متوقع، ويشعرون بالذهول أنّ حكومتهم، التي كان من المفترض أن تهتم بمصالحهم، تتصرف في الواقع بطريقة غريبة وغير مسؤولة في منتصف أزمةٍ اقتصادية وحرب استنزافٍ في اليمن.

وخلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مؤخرًا إلى المملكة، وقعت الحكومة اتفاقات قيمتها 350 مليار دولار على مدى 10 أعوام، وتعامل السعوديون على نطاقٍ واسعٍ على أنّ هذا الاتفاق مهين. كما قدمت الحكومة السعودية مليارات الدولارات إلى حكومة الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، في صور مختلفة من الوقود والنقد والمنح الأخرى.

ويتصاعد الغضب العام ولا أحد يعرف حقًا متى سيصل إلى نقطة التحول. ويزداد شعور الجمهور بالضجر إزاء سلوك الحكومة في الإنفاق، ويطالبون بتمويل مبادرات الصحة والإسكان والعمل التي تشتد الحاجة إليها.

الصوت الحر مرفوض

في خضم كل هذه الفوضى، لا يزال القادة السعوديون يتصرفون مثل الغزاة، حتى بين مواطنيهم. ولا يسمح نظام الملكية المطلقة بأي انحرافٍ عن الرأي أو الموقف الرسمي، بما في ذلك التعبير عن التعاطف مع قضية لا توافق عليها الحكومة أو بلدٍ لا تحبذها مثل قطر.

وعلى سبيل المثال، إذا ثبت أنّ أي مواطنٍ سعوديٍ مذنبٍ بتعاطفه مع موقف دولة قطر في النزاع الدبلوماسي الأخير، قد يواجه عقوبة السجن التي تصل إلى 15 عامًا، وغرامة تصل إلى نصف مليون دولار. فأي نوعٍ من الأنظمة يعاقب على مثل تلك الأمور بهذه القسوة؟

ومن الواضح أنّ هذا القانون قد ولد موجة من السخرية في منصات وسائل التواصل الاجتماعي. لكنّ النقطة هنا هي أنّ الحكومة لا تلامس الواقع ولا تفهم إحساس الناس بالإحباط إزاء مواقفها وسلوكياتها.

وعلاوةً على ذلك، تعمل الحكومة على تهميش الثقافات الفرعية المحلية لكل منطقة في السعودية إلا نجد، التي تنحدر منها أسرة آل سعود الحاكمة. وقد ألغوْا اللباس التقليدي الإقليمي لكل منطقة، وأجبروا الجميع على اعتماد اللباس النجدي كزي رسمي للدولة.

ويجب على موظفي الخدمة المدنية في المملكة الالتزام بهذا اللباس الوطني ولا يمكنهم ارتداء لباسهم المحلي في العمل. ويجب على السعوديين ارتداء اللباس الرسمي «النجدي» عند التقاط الصور لبطاقات الهوية الوطنية وجوازات السفر، وإلا لن يتم إصدارها.

ولك أن تتخيل أنّ الناس لا يستطيعون ارتداء اللباس التقليدي الإقليمي في عسير أو الحجاز مثلًا، ولكن يجب ارتداء لباس الأسرة المنتصرة. وهذه هي الطريقة التي تعامل بها عدوًا هزمته، وليس شعبك.

كيف قد تبدأ الحرب الأهلية

والآن، لكي تنشأ الحرب الأهلية، تحتاج إلى شرارة. وأنا لست هنا لا أدعو إلى اشتعال الحرب الأهلية. على العكس من ذلك، أنا أكتب هذا بمثابة محاولة للإيقاظ.

وتعد العوامل الاجتماعية والاقتصادية للحرب الأهلية قائمة. وكذلك يفتقر المجتمع إلى التعددية الثقافية التي تكون بمثابة جدارٍ دفاعي ضد عسكرة أي اضطراباتٍ سياسية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأداء السياسي والاقتصادي للحكومة ينتج مستوياتٍ غير مسبوقة من الإحباط.

ويظهر ذلك عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي، التي تعد الوسيلة الوحيدة للتعبير السياسي المتاحة في البلاد. وقد تعمل أيضًا كوسيلة للاتصال والحشد عندما يصل الجمهور إلى نقطة تحول.

ولن يحتاج الأمر سوى بضعة آلاف ينقلون غضبهم من المنصات الاجتماعية إلى الشوارع، مع رد قوات الأمن بالعدوان والعنف، لكي ينزلق الأمر إلى ما يمكن وصفه بالمراحل الأولى لحربٍ أهلية.

وضع في تفكيرك ليبيا وسوريا في هذا السياق. وخلال الربيع العربي، ردت الدكتاتوريات الوحشية في البلدين بقوة مفرطة عندما طالب المتظاهرون بتغيير النظام. ويؤدي هذا عادةً إلى العصيان بين بعض قوات الأمن، وانشقاق الفصائل الكبيرة. وهذه هي الطريقة التي تم بها إنشاء الجيش السوري الحر.

وبمجرد أن يحدث ذلك، تصبح البلاد مفتوحة أمام التدخل الخارجي. خلاصة القول، يدعو المنطق إلى أن تتصرف الحكومة السعودية الآن وأن تحتوي الغضب العام قبل فوات الأوان.

العلاج الوحيد

ولم يعد الانفتاح السياسي، وهو المخرج الوحيد للحكومة، خيارًا أخلاقيًا، بل هو على نحوٍ متزايدٍ استراتيجية البقاء على قيد الحياة السياسية.

وهناك حاجة إلى هيئة تشريعية مفتوحة وشفافة وفعالة ومنتخبة للتوزيع السياسي العادل للمسؤولية. فالناس، بوصفهم ناخبين، سيتحملون نصيبهم من المسؤولية، كونهم مشاركين حينها في تشكيل السياسات ونتائجها. وهذا من شأنه أن يخفف من بعض الضغوط الداخلية والتوترات التي تواجهها الحكومة السعودية اليوم.

وعلاوةً على ذلك، ينبغي للحكومة أن تسمح بحرية التعبير. فهي ليست حقًا من حقوق الإنسان فحسب، وإنما هي أيضًا حاجة إنسانية. ومن الناحية النفسية، يحتاج الناس القدرة على التعبير بحرية، ويشعرون بالارتياح عندما يفعلون. فذلك يجعلهم يشعرون بالثقة والقيمة عندما يكون لديهم رأي في المسائل ذات الاهتمام العام. وسيكون من المصلحة إعطاء الجمهور انطباعًا جديدًا وإيجابيًا أنّ حكومتهم مشغولة أخيرًا بقضايا أكثر أهمية من القلق بشأن مراقبة أفواههم.

وبصورة عامة، تعد السعودية في مرحلة حاسمة من تاريخها. ويمكنها إما التطور والتكيف للبقاء على قيد الحياة، أو مقاومة الحداثة والاختفاء. ولا يمكن للإصلاح الاقتصادي تحقيق الحداثة في غياب التدقيق العام والمساءلة، لأنّ دوافع الفساد وسوء الإدارة تلغي المصلحة العامة وتضر بها.

وفي أوقاتٍ كهذه، عندما تكون الاحتياجات أكبر من الموارد المالية في البلاد، فإنّ زيادة الاندماج العام في عملية صنع القرار لم تعد ترفًا، بل ضرورة، إذا أراد القادة احتواء الغضب العام واغتنام الفرصة.

وتغذي العوامل الاجتماعية والاقتصادية العداء تجاه الحكومة. والعلاج هو الحكم الرشيد. وأي تأخيراتٍ في اعتماد هذا العلاج لن تؤدي إلا إلى أسوأ السيناريوهات التي لا مفر منها.