الخليج الجديد-
يوما بعد آخر تكشف الأرقام، تعثر مساعي الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها خطة «التحول الوطني 2020» المنبثقة عن «رؤية السعودية 2030»، سواء بخسارة العمالة أو طباعة البنكنوت لمواجهة أزمة السيولة، أو ارتفاع البطالة، أو انكماش سوق العمل.
ويعد أحد أسباب هذا الانكماش، وخسارة العمالة الأجنبية، هو تعثر الكثير من الشركات، وإعلان أخرى إفلاسها بسبب الركود، خاصة في قطاع الإنشاءات، وتسريح آلاف العمال، في الوقت الذي لم يتلق آلاف آخرون رواتبهم، خصوصا من الأجانب، في ظل فرض ضرائب جديدة، مما جعل الأزمة تتخذ طابعا اجتماعيا.
وعلى الرغم من أن أحد محاور «رؤية 2030»، هو تحسين بيئة الأعمال، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40% إلى نحو الثلثين، إلا أن ذلك لم يحدث.
خسارة الأجانب
آخر الأرقام التي تم الإعلان عنها، ما كشفته نشرة سوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، حين قالت إن أكثر من 61 ألف أجنبي خسروا وظائفهم خلال الربع الثاني من 2017، في الوقت الذي تراجعت الوظائف للعمالة الأجنبية بنسبة 0.6%.
ويعد العاملون في شركة «سعودي أوجيه» أبرز الأجانب الذين خرجوا من السوق السعودي، خلال الفترة الأخيرة، بعد الأزمة المالية العاصفة التي طالت الشركة، المملوكة لعائلة «الحريري» اللبنانية، ما أدى إلى تسريح الآلاف من موظفيها وإغلاق أبوابها نهاية يونيو/حزيران الماضي.
يأتي ذلك، تزامنا مع كشف صحيفة «الوطن» عن إيقاف وزارة العمل السعودية، في يوليو/ تموز الماضي، خدمات مليون منشأة خاصة، لم تلتزم بقرارات التوطين.
وبلغ عدد المشتغلين الأجانب بنهاية الربع الثاني من هذا العام 10.79 مليون، مقارنة بـ10.85 مليون نهاية الربع الأول.
ولا تقارن هذه الأرقام بعدد الأجانب الذين ألغيت عقودهم في عدد من الوزارات والأجهزة الحكومية عام 2016 والذين يقدروا بنحو 2393 موظفا وموظفة فقط، وفي عام 2015 والذين بلغ عددهم 3793 موظفا أجنبيا، بحسب صحيفة «الاقتصادية».
ويأتي خروج الأجانب من السوق السعودي، رغم تطلع الحكومة إلى استقطاب 18 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول عام 2020، مقارنة مع 8 مليارات دولار عام 2015.
إلا أنه من المتوقع أن تؤثر الأزمة الخليجية الراهنة، خصوصا في حال استمرارها لفترة طويلة، على البيئة الاستثمارية في السعودية، وربما تقلل من حجم الاستثمارات المتوجهة إلى المملكة.
يشار إلى أن حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السعودية، يتراجع سنويا منذ عام 2009، عندما بلغ ذروته ووصل إلى 36.5 مليار دولار، ليصل العام الماضي إلى 7.4 مليارات دولار فقط.
ولعل تضييق الخناق على العمالة الأجنبية في البلاد، بغرض إحلالها بمواطنين سعوديين، زاد من أعداد العقود الملغاة.
فقد أعلنت السعودية فرض رسوم شهرية على العمالة الوافدة، بواقع 400 ريال (106.7 دولاراً) خلال 2018، لترتفع إلى 600 ريال (160 دولاراً) في 2019 وتصل إلى 800 ريال (213.3 دولارا) في عام 2020.
هذا فضلا عن فرض رسوم على المرافقين للعمالة الوافدة في السعودية بنحو 100 ريال (26.7 دولاراً) عن كل مرافق شهريا اعتبارا من يوليو/تموز 2017، حيث ترتفع 100 ريال شهرياً كل عام حتى تصل 400 ريال (106.7 دولار) شهريا عن كل مرافق في 2020.
وقررت وزارة العمل السعودية، في مارس/آذار الماضي، رفع نسب التوطين في الشركات العاملة في البلاد بهدف خفض نسبة البطالة بين السعوديين.
وبدأ تطبيق القرار الجديد، اعتبارا من 3 سبتمبر/أيلول الماضي؛ ويختلف تعديل النسب بحسب أحجام المنشآت ونوع النشاط.
بطالة ترتفع
ورغم ذلك، ظل معدل البطالة بين السعوديين في تزايد، مع نهاية الربع الثاني من 2017، فوصلت إلى 12.8%، مقارنة مع 12.7% في الربع الأول السابق له.
وبحسب البيانات الربعية لنشرة سوق العمل الصادرة، الأحد، عن الهيئة العامة للإحصاء (حكومي)، فإن معدل البطالة الإجمالي في السعودية (سعوديين وأجانب) بلغ 6% ، مقابل 5.8% في الربع السابق له.
وبلغ عدد المشتغلين 13.84 مليون فرد، منهم 3.05 مليون سعودي، و10.79 مليون أجنبي يعلمون في القطاعين العام والخاص، بحسب صحيفة «الرياض».
وتراجعت قوة العمل في السعودية (سعوديين وأجانب) بنسبة 1% وقدرها 132 ألف و532 شخصاً، لتبلغ 13.32 مليون بنهاية الربع الثاني، مقابل 13.45 مليون بنهاية الربع الأول.
هذه الأرقام وغيرها، تثبت أن مساعي السعودية في التوطين، وإجراءات الإصلاح الاقتصادي، لم تفلح في خفض نسب البطالة.
وبحسب مراقبين، فإنه مع خفض الحكومة لعمليات التوظيف في القطاع العام، من المستبعد أن ينمو القطاع الخاص بسرعة كافية لخلق عدد كاف من فرص العمل للشباب السعوديين الذين يدخلون إلى سوق العمل سنويًّا، والذين يقدر عددهم بنحو 300 ألفا.
وهذا العدد يحتاج إلى معدلات نمو اقتصادية سنوية تبلغ 7-8%، وبشكل مستمر، وهو الأمر الذي من غير المتوقع تحقيقه خلال السنوات المقبلة، بحسب المراقبين.
كما أن هذه الأرقام تتعارض مع خطط الدولة الهادفة إلى خفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى 9% بحلول 2020 عبر برنامج الإصلاح الاقتصادي «التحول الوطني»، وإلى 7% في 2030، طبقا لما كشفت عنه «رؤية السعودية 2030».
ولا تواكب المبادرات التعليمية في المملكة أهداف «السعودة»، فضلا عن وجود اعتبارات اجتماعية تناهض خطط إلحاق النساء في بعض القطاعات.
كما تشتكي وزارة العمل، من عدم تعاون بعض الجهات معها في «سعودة» بعض الوظائف المشغولة بغير سعوديين، مثل الجامعات والمؤسسات والهيئات العامة التي لا تملك الوزارة صلاحيات التوظيف على وظائفها.
كما أن العديد من القطاعات المستهدفة في برنامج «السعودة» الكاملة، تقدم وظائف منخفضة المهارة والتي يرفضها السعوديون تماما وينظرون لها بدونية؛ ما يعني وجود حاجة ماسة إلى تبنى برامج توعوية ضخمة لتعديل الثقافة المجتمعية تجاه العمل.
وفي ظل انكماش الإنفاق الحكومي، تتضاءل فرص التوظيف بالقطاع الحكومي، الذي يعد الوجهة الأولى والمفضلة للسعوديين الباحثين عن فرصة عمل.
انكماش السوق
ونتيجة لذلك، توقع معهد «التمويل الدولي» إن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة سينكمش بنسبة 0.4% عام 2017، بحسب «الجزيرة نت».
وذكر المعهد في تقرير، صدر قبل أسبوع، أن الوضع الاقتصادي الراهن في السعودية سيعرقل استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، بسبب تراجع أداء القطاع الخاص والقطاعات غير النفطية بوجه عام.
أما صندوق «النقد الدولي»، فقال في يوليو/تموز الماضي، إنه قرر خفض توقعاته لنمو المملكة عام 2017 إلى «قرابة الصفر»، غير أن محللين في بنوك «سيتي غروب» و«إي أف جي هرميس» و«ستاندرد تشارترد» يرجحون ما يراه معهد «التمويل الدولي»، وهو أن الاقتصاد السعودي سينكمش لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009.
وأظهرت البيانات الرسمية السعودية أن الناتج المحلي انكمش بالفعل في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 0.5% على أساس سنوي، وهو أول انكماش فصلي في المملكة منذ عام 2009.
كما أن توقف الصادرات السعودية إلى قطر، عقب الأزمة الخليجية التي بدأت في يونيو/حزيران الماضي، سوف يضر العديد من المصدرين السعوديين الذين بلغت صادراتهم إلى قطر العام الماضي نحو 1.3 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن تلك الصادرات مثلت نسبة بسيطة من إجمالي الصادرات السعودية التي بلغت حوالي 169.7 مليار دولار عام 2016، إلا أن كلها تقريبا صادرات غير نفطية ومن الشركات الخاصة التي هي بأمس الحاجة لزيادة نشاطاتها خصوصا في ظل الركود الذي يشهده اقتصاد السعودية.
ركود الاقتصاد
وعاد اقتصاد المملكة إلى الانكماش، بسبب ركود قطاع النفط، وتضرر القطاع الحكومي بسياسات التقشف الهادفة إلى تقليص العجز في ميزانية الدولة، الناجم عن انخفاض أسعار النفط.
ويحدد الاقتصاديون الركود بوجه عام بحدوث فترتين متتاليتين من انكماش الناتج المحلي الإجمالي على أساس معدلات كل ربع على حدة.
وفي مقابل ذلك، لجأت الحكومة السعودية، إلى طباعة 213.9 مليارات ريال (57 مليار دولار) في أغسطس/آب الماضي، مقابل 205 مليارات ريال في يوليو/تموز 2017، بزيادة بلغت 8.9 مليارات ريال في شهر واحد، بحسب البيانات الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي.
ورغم أن الأرقام المعلنة لا تشير إلى ضخامة حجم النقود المطبوعة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي خلال شهر أغسطس/آب، إلا أن مصرفيين أعربوا لصحيفة «العربي الجديد»، عن قلقهم من إمكانية تزايد اللجوء إلى هذا الإجراء مع استمرار التراجع في الموارد المالية للدولة، مشيرين إلى ضرورة مراقبة حركة إصدارات النقود الجديدة للأشهر المقبلة.
وكانت تقارير صادرة في سبتمبر/أيلول الماضي، عن وكالة «بلومبيرغ»، قد رجحت أن «تواجه السعودية عجزا ماليا، وتباطؤا غير مسبوق في النمو».
أحد دلائل هذا العجز، هو فقد الاحتياطي السعودي من النقد الأجنبي حوالي 74 مليار دولار خلال عام، في الفترة من أغسطس/آب 2016 إلى أغسطس/آب 2017، بينما بلغ إجمالي ما فقده الاحتياطي منذ ديسمبر/كانون الأول 2014 وحتى أغسطس/آب 2017 (32 شهرا) حوالي 245 مليار دولار.
دليل آخر على الأزمة السعودية، هو الدين العام، حيث لجأت السعودية إلى توسيع دائرة القروض، لسد العجز في إيراداتها المالية، خاصة بعد تهاوي أسعار النفط إلى أكثر من النصف، منذ منتصف عام 2014، الأمر الذي هدد إيراداتها المالية.
وفي 30 يونيو/حزيران 2017، بلغ الدين العام 91 مليار دولار، منها 54.5 مليار دولار ديون محلية، و36.5 مليار دولار ديون خارجية.
ومن المتوقع أن ترتفع الديون الخارجية والمحلية بنهاية العام الجاري، في ظل توسع المملكة في إصدار سندات الدين المحلية والخارجية.