ياسر أبو معيلق- DW عربية-
تزامن إيقاف ثلة من الأمراء والوزراء السابقين ورجال الأعمال السعوديين وتجميد ثرواتهم بتهم فساد مع صمت إعلامي تلفزيوني و"انفجار" من الدعم للأمير محمد بن سلمان في "تويتر". فهل بات "الأمير" يمسك بمفاتيح الإعلام والمعلومات؟.
على الرغم من أن كلاً من الأمير الوليد بن طلال ووليد الإبراهيم يمتلكان إمبراطوريتين إعلاميتين تتكونان من عدد كبير من القنوات التلفزيونية والصحف، إلا أن هاتين الإمبراطوريتين لم تنبسان ببنت شفة بعد صدور أوامر ملكية بالقبض عليهما بتهم الفساد وغسيل الأموال – رد فعل يطرح تساؤلات كثيرة لا يمكن الإجابة عنها كلها بعد مضي فترة قصيرة من الحدث.
لكن يبدو أن مفاتيح الإعلام الذي تتحكم فيه المملكة العربية السعودية – وخاصة شبكة قنوات "إم بي سي" وقناتي العربية والحدث الإخباريتين – باتت كلها في يد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ورئيس لجنة مكافحة الفساد التي لم يمض على إنشائها أسبوع واحد. ولكن لأي هدف أراد "الأمير"(التحكم في هذه الأدوات الإعلامية، والتي ساهمت في نشر السياسة السعودية وتوجهاتها ليس فقط في العالم العربي، بل في العالم بأسره؟
من أدوات إلى أسلحة؟
يحاول الإعلامي السابق في قناة "العربية" وأستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حافظ الميرازي في حديث مع DW عربية، استقراء ما حصل ولا يزال يحصل في أروقة القصور والبلاط الملكي السعودي، إذ يقول: "(هي) رغبة في السيطرة عليه (الإعلام) وممانعة هؤلاء (أصحاب القنوات الموقوفون)، أو كان هناك شيء يدبر لاستخدام الإعلام ضد من يجلس في الرياض أو من يحاول أن يستولي على الحكم بمفرده في الرياض".
ويؤكد الميرازي في معرض حديثه على أن ما أسماها بـ"الأزمة" في السعودية – وهي اعتقال نحو 11 أميراً ووزيراً سابقاً ورجل أعمال سعوديين على خلفيات تتهم تراوحت بين الفساد وغسيل الأموال وتلقي الرشاوي – ما تزال في بدايتها وأنها مرشحة للاستفحال.
ويلفت الإعلامي المصري – الذي شغل منصب مدير مكتب قناة العربية في القاهرة – إلى أن الرابح الأكبر من هذه الأزمة ستكون قطر وقناة "الجزيرة"، التي تضررت من مزاحمة "العربية" لها في الساحة الإعلامية الإقليمية لسنوات، ناهيك عن أن "سكاي نيوز عربية أيضاً في موقف صعب للغاية، لأنها ستتبع خط الرياض ولكن في نفس الوقت ستفقد دورها كقناة مدافعة عن الخليج ومعبرة عنه ضد الجزيرة، لأن الصف السعودي قد انشق".
القفز من السفينة أم الانتظار إلى "حين ميسرة"؟
وحول مصير الإعلاميين والصحفيين العاملين في تلك القنوات، وخاصة "العربية"، لا يريد الميرازي التكهن، خاصة وأن الأمر ما يزال مبكراً. لكنه يعتبر أن الأمور قد تغيرت منذ أن "أُطيح" بمؤسس القناة، أو بالأحرى من ارتبط اسم القناة به، ألا وهو الإعلامي عبد الرحمن الراشد، إضافة إلى انفصالها عن بقية مجموعة "إم بي سي" تمويلاً وتوجيهاً، حسب حافظ الميرازي.
وفي هذا الصدد يقول الإعلامي المصري: "في النهاية أعتقد أن المسألة لن تتوقف على شخص بحد ذاته، ولكنها ستتوقف على من يدير ماذا وهل ستكون هناك بدائل جديدة. سمعنا حتى أن بعض العاملين بصحيفة الحياة ممن لهم تاريخ طويل فيها بدأوا يتركونها. هل هذا لأنها ستغلق أبوابها؟ ليس لديّ معلومات دقيقة حول ذلك، ولكن في الإعلام – وخصوصاً الفضائي – وجدنا تجربة قناة العرب (المملوكة للوليد بن طلال): أناس بقوا في أماكنهم وتُدفع رواتبهم لسنوات ولم يبثوا إلا ست ساعات فقط، وألغيت بعدها القناة".
"الأمير" وسلاح "الإعلام الإلكتروني"
ومن الإعلام الفضائي إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، التي غزت كل بيت عربي تقريباً وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من العمل الصحفي، سواءاً فيما يتعلق بنقل الخبر أو سرعة إيصاله، ولكن أيضاً في التلاعب بمحتواه وتحريفه ليناسب الخط السياسي لمن يدفع ثمن أقلامه. هذا الفضاء أصبح "ساحة حرب" تتنازع فيها دول وحكومات وأنظمة سياسية دوائر نفوذ مستخدمة أسلحة غير تقليدية اصطلح على تسميتها "الجيوش الإلكترونية".
الأمير محمد بن سلمان كان سباقاً إلى إدراك أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة أن السعودية تعتبر من أنشط شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، إذ تبلغ نسبة مستخدمي موقع "تويتر" من السعودية 40 في المائة من مجموع المستخدمين العرب لهذا الموقع، بالإضافة إلى نشاطهم الكثيف على موقع "سناب تشات".
لهذا، وفي خبر مرّ تحت رادار العديد من وسائل الإعلام آنذاك، اجتمع الأمير محمد بن سلمان – عندما كان ولياً لولي العهد – مع عدد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين أواخر العام الماضي، وذلك لمناقشة "رؤية 2030" التي كان قد أطلقها آنذاك، وبهدف الترويج لها عبر تلك المنصة الهامة.
جانب مُظلم
لكن لهذا النشاط الإيجابي ظاهرياً جانب مظلم يكشف عنه أحد أبرز الباحثين في مجال التغلغل الحكومي الخليجي في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مارك أوين جونز، والذي يحاضر في تاريخ الخليج بجامعة إكزيتر البريطانية.
يقول جونز لـDW عربية إن "من الصعب معرفة طبيعة العلاقة بشكل تام بين السياسة السعودية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن من الواضح أن النظام السعودي ينظر بحساسية إلى ما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك يتضح من خلال من يتم اعتقالهم ومن يتعرضون للمساءلة القانونية والمحاكمة بتهمة المساس بما يسمى بالقيم السعودية".
وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث البريطاني، الذي يعمل أيضاً في منظمة "بحرين واتش" الحقوقية، أن "بحسب المعطيات المتوفرة لديّ، يمكن القول بأن هناك قوى تابعة للنظام في داخل السعودية تلعب دوراً مركزياً في محاولة تعطيل المحتوى الذي يتم نشره في تويتر. فعلى سبيل المثال، شهدنا كيف تقوم الحسابات الآلية (بوتز) بالتلاعب بالوسوم (الهاشتاغات) الأكثر تداولاً على تويتر".
ويسوق مارك أوين جونز على ذلك مثل الوسوم الناقدة لقطر ولقناة "الجزيرة"، والتي انتشرت في الشهرين الماضيين ويرى أنها انتشرت من خلال تلك الحسابات الآلية الوهمية. ويتابع جونز بالقول: "رأينا أيضاً أن سعود القحطاني، الذي يشغل منصب مستشار في البلاط الملكي السعودي، أشار إلى أن الوسوم الرائجة في قطر هي تلك المعارضة لحاكم قطر (الأمير تميم بن حمد آل ثاني)، بينما تبين بعد الفحص أن تلك الوسوم روّجت لها حسابات آلية يستقرّ أغلبها في السعودية، ولكنها استُخدمت لتضفي الشرعية على النقاش الدائر حول المعارضة في قطر".
من يملك المفاتيح؟
ورغم أن الأدلة واضحة على وجود تلاعب حكومي سعودي بالمحتوى الذي يتم تواتره في "تويتر"، إلا أن جونز ما يزال غير قادر على وضع أصبعه بالتحديد على المديرية أو الجهاز الذي يتحكم بهذه الحسابات الآلية، وإن كان بالإمكان تتبع الآليات التي يتم من خلالها التحكم بالمحتوى، إذ يوضح في حديثه مع DW عربية: "فيما يتعلق بالوسوم المحلية، سنجد أن تلك التي تضم أسماء مدن سعودية، مثل جدة أو الرياض أو الدمام، عادة ما تقوم منظمات بنشرها بشكل متكرر، ومن ثم تقوم الحسابات الآلية بتكرارها، ما يؤدي بالنهاية إلى تعويم النقاش حول موضوع ما أو إغراق المعلومة المركزية في بحر من التغريدات غير ذات الصلة فقط لأنها تحمل نفس الوسم". ويستنتج الخبير البريطاني من ذلك "فعلياً سيطرة تلك المنظمات على هذا الوسم وترتيبه بين العبارات الأكثر تداولاً في تويتر".
ولكن، وفيما يخص ما يحصل حالياً داخل السعودية، هل يملك الأمير محمد بن سلمان مفاتيح هذه النظم والآليات والحسابات؟ "لا يمكنني القول إن محمد بن سلمان يمسك بمفاتيح هذا الجيش، ولكنه على الأقل لا يقوم بأي شيء لمحاربته. من الواضح أن الحكومة السعودية، أو من يمسك بزمام الأمور، يرى ما يحدث على تويتر الآن ولكنه لا يقوم بأي شيء لردعه، وهذه بحد ذاتها إجابة"، طبقاً لمارك أوين جونز.
يشار إلى أنه، وتزامناً مع الاعتقالات التي حصلت في السعودية، كانت الوسوم (الهاشتاغات) الأكثر تداولاً على تويتر هي (الملك_يحارب_الفساد) و(الشعب_يحتفل_مع_محمد_بن_سلمان).
إلام ستؤول الأمور؟
وفي نظرته لمستقبل الأمور في فضاء الشبكات الاجتماعية، يلفت الباحث البريطاني إلى أن من المهم إبقاء الاهتمام في الأيام المقبلة مركزاً على وسوم أو عبارات في "تويتر" تتمحور حول تشويه سمعة الموقوفين من أمراء ووزراء ورجال أعمال، أو المحتفية بما قام به محمد بن سلمان. ويضيف جونز: "أعتقد أنه إذا كان محمد بن سلمان يهتم بصورته الإعلامية بشكل عام، فيجب عليه الاهتمام بصورته على مواقع التواصل الاجتماعي. فهو لن يقوم بالتخطيط لحملة دون أخذ وسائل التواصل الاجتماعي في عين الاعتبار".