يوسف حسني - الخليج أونلاين-
"أخطر رجلين في العالم" هكذا وصفت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية "السياسة المتهورة" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث إن الاثنين يلتقيان في اتخاذ قرارات وإجراءات تخالف التوقعات وتثير العديد من الأزمات والجدل.
يتشابه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كثير من الأمور مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخاصة فيما يتعلق بإصراره على إدخال منطقة الشرق الأوسط في أتون معركة لا نهاية لها، وكأنهما قد قطعا عهداً بذلك من دون أن يعلناه أمام الصحف ووسائل الإعلام.
يبدو أن هذا الانطباع أصبح يدور في دوائر صنع القرار والدوائر الأمنية العالمية؛ فقد دق تقرير لجهاز الاستخبارات الألمانية الخارجية "بي.إن.دي" ناقوس الخطر بشأن ما أسماه "سياسة الاندفاع والتسرع" للقيادة السعودية الجديدة.
وعبَّر التقرير عن مخاوف من أن يقود ذلك إلى زعزعة الاستقرار في العالم العربي حيث أكد أنه إذا ثبّت ولي العهد الجديد أقدامه بإجراءات مكلفة وإصلاحات باهظة الثمن، فإن ذلك سيثير غضب بقية أفراد العائلة المالكة وفئات واسعة من الشعب السعودي"، وانتقد التقرير سياسة تضخيم العداء العقائدي مع إيران.
فعلى الصعيد الخارجي، لم يتوقف ترامب منذ وصوله إلى المكتب البيضاوي مطلع العام الجاري تقريباً عن أحاديث الحرب، سواء كان ذلك تلميحاً أو تصريحاً ما دفع وزير خارجية ألمانيا، زيغمار غابريل، للقول إن هذا الرجل لا يرى في العالم إلا ساحة للقتال، أما على الصعيد المحلي فلم يتوقف ترامب أيضاً عن التنكيل بكل من يمثل تهديداً ولو محتملاً له ولطموحاته في الانفراد بإدارة الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها واحدة من ممتلكاته الخاصة.
الأمر نفسه تقريباً فعله، وما يزال يفعله، الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان، الذي بدأ ظهوره بشن حرب على اليمن بدعوى كبح طموحات الحوثيين الذين يمثلون ذراع إيران القوي على حدود المملكة الجنوبية، وها هو ينذر بحرب جديدة في لبنان كما يتوقع البعض، أو حرب ضد إيران بالوكالة، فضلاً عن أنه صنع ما يمكن وصفه بـ"مذبحة القصر"، بعدما اعتقل قرابة 50 من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال الكبار في مسعى واضح لوضع المملكة كلها في جيبه، بحسب تعبيرات صحف غربية.
- تشابه وتأييد
الرئيس الأمريكي يتميز بضخامة الجسم المصحوب بالتسرّع الواضح في القول قبل الفعل، وكذلك الأمير ولي العهد السعودي، حتى لكأن الأخير هو "ترامب" الشرق الأوسط الذي قلب خريطته رأساً على عقب، تماماً كما يفعل ترامب الولايات المتحدة في منطقته، فكلاهما يتحرك بطريقة يرى كثير من المحللين أن فيها تسرعاً دون حساب لآثار مثل هذه القرارات أو تبعاتها.
يجتمع الرجلان على ما يبدو في كثير من الصفات والأفكار، لا سيما فيما يتعلق بالرغبة الجامحة لكليهما في الانفراد بكل شيء، فضلاً عن رغبة كليهما الواضحة جداً في إثبات الذات بطرق تثير الانتباه.
وحالياً، يمكن للمتابع أن يقول إن الولايات المتحدة ومعها الشرق الأوسط لن يكونا أبداً كما كانا قبل وصول ترامب إلى السلطة، كما أن السعودية ومحيطها الخليجي والشرق أوسطي لن يكونا بعد ظهور بن سلمان أبداً كما كانا قبل هذا الظهور المفاجئ والمثير.
وعقب الاعتقالات، سارع ترامب (الأمريكي) إلى تأييد ما فعله محمد بن سلمان، بالقول إن الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده، "يعرفان جيداً ما يقومان به".
الأمير الشاب الذي نحّى ابن عمه الأمير محمد بن نايف عن ولاية العهد، لم يلبث أن أطاح بغالبية الأمراء وذوي النفوذ من حوله تقريباً، فاعتقل 11 أميراً و31 وزيراً في ساعة واحدة، ليبسط بذلك سطوته على المال والسلاح والحكم في البلاد، غير أن هذه الخطوات قد تقوده إلى الانهيار لا إلى الاستقرار كما يقول محللون غربيون وسلسلة من المقالات الأجنبية التي ضجت بالتعليق والحديث عما يحصل من تحركات صادمة داخل المملكة العربية السعودية.
I have great confidence in King Salman and the Crown Prince of Saudi Arabia, they know exactly what they are doing....
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) November 6, 2017
- تغيّر خطير
لكن صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، نقلت، في وقت سابق الثلاثاء، عن مسؤول لم تسمه، أن ولي العهد السعودي "خرج عن النصائح الأمريكية"، وأن "أفعاله التي قام بها مؤخراً من خلال اعتقال العديد من الشخصيات النافذة ستقود إلى اضطرابات في المنطقة".
المسؤول الأمريكي قال أيضاً: إن "غطرسة السلطة التي لا تتفق مع العائلة المالكة ووظيفتها ستقود حتماً إلى اضطرابات في المنطقة".
المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، يعتقد أن ما يتخذه العاهل السعودي بإيعاز من ولده وإن كان يمهد الطريق أمام الأخير لبلوغ العرش فإنه ينطوي على مخاوف كبيرة؛ نظراً لما قد يحدثه من تصدعات في صفوف العائلة الحاكمة بما يستتبعه من تداعيات على الوضع الداخلي للمملكة.
وفي حديث لـ"الخليج أونلاين"، يقول نافعة إن الأمور حالياً بانتظار لحظة نقل السلطة، وهي لحظة مرتبطة بأمور كثيرة وكبيرة داخلياً وخارجياً، كما يقول.
السعودية تتغير بسرعة وبقوة أيضاً، يقول نافعة، مضيفاً: "الأمر ليس فقط انتقال السلطة من شخص لشخص، وإنما هو انتقال من جيل إلى جيل مختلف، وإلى شاب يبدو مندفعاً إلى حد كبير؛ فهو مسؤول عن حرب اليمن، ورؤية المملكة 2030 التحديثية، كما أنه يقود محاولة لهز الرواسخ التقليدية السعودية، وهو أمر محفوف بالمخاطر، ولا أحد يعرف هل سينجح أم لا".
المحلل المصري يرى أيضاً أن "المؤسسات التقليدية ما زالت قوية، ومنها مثلاً هيئة الأمر بالمعروف. والمشكلة أن عملية التحديث تتم بقرار ملكي، وتحظى بدعم أمريكي كبير، لكن لماذا الآن تحديداً؟ هذه مسألة داخلية متعلقة بولي العهد نفسه، وتتوقف على مدى قبول الأسرة بأن يختص بن سلمان بالمُلك وتوريثه".
من ثم، يضيف نافعة، فإن السعودية مقبلة على تغيير خطر، وربما تدخل حرباً مع إيران في سياق هذا التغيير، ولو وقع هذا الصدام فمن المحتمل أن ينشق المجتمع السعودي من الداخل؛ لأن هناك شريحة شيعية كبيرة في الجزء الغني من المملكة، وهذه الشريحة تمثل تهديداً داخلياً كبيراً في حال وقوع صدام عسكري".
لكن الأخطر من ذلك، برأي نافعة، هو التقارب الإسرئيلي السعودي، والحديث الدائر عن احتمالات حرب في لبنان، وهو أمر خطير جداً لكن يصعب الحديث عنه الآن، كما يقول.
مجلة بلومبيرغ بيزنيس ويك، الأمريكية، قالت عن بن سلمان وقت توليه ولاية العهد في يونيو الماضي، إنه يستلهم من كتابات رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرتشل، والجنرال العسكري والفيلسوف الصيني "سون دسو" في كتابه "فن الحرب"، وذلك في إشارة إلى احتمال تبنيه حلولاً عنيفة في حل خلافاته السياسية، وهو أمر يعززه قول بروس ريديل، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: إن الأمير "يُعرَف بطموحه الشديد وسلوكه العدواني".
وبينما كانت التقارير والأخبار تتواتر عن رغبة بن سلمان في الخروج من اليمن وقفاً لنزيفه المادي والعسكري المستمر فيه، فتح الأمير الشاب جبهة جديدة للقتال، لكنها في لبنان هذه المرة؛ حيث أجبرت الرياض، كما يقول ساسة ومحللون، رئيس حكومة لبنان سعد الحريري على إعلان استقالته من منصبه، في خطوة غير متوقعة، وهو الخطاب الذي شمل هجوماً حاداً على إيران وذراعها المسلح في بيروت (حزب الله)، فضلاً عن حديثه عن أن لبنان سيكون منطلقاً لتفتيت الأمة.
هذا الخطاب المفاجئ للحريري دفع زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، للقول إن استقالة الحريري قرار سعودي خالص، مضيفاً أن بن سلمان يجهز لعاصفة حزم جديدة في لبنان على غرار تلك التي شنها في اليمن عام 2015.
نائب رئيس المخابرات السعودية، اللواء أحمد عسيري، خرج الأسبوع الفائت مناشداً العالم التدخل لإنهاء الحرب في اليمن، معللاً ذلك بأن إنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك لا يمكن حلها بعيداً عن حل أسبابها السياسية، وهو ما رد عليه ولي العهد السعودي بعد أيام قليلة بالقول: "إن الحرب في اليمن مستمرة".
استقالة الحريري من منصبه، التي أعلنها من الرياض، كانت بمثابة ساعة الصفر لانطلاق تحرك سياسي وربما عسكري جديد بالمنطقة، حيث شن بن سلمان بعد هذه الاستقالة حملة اعتقالاته الداخلية، ومعها شن أيضاً حربه الكلامية على لبنان وإيران. وقد خرج وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، بتصريحات حادة لقناة "العربية" السعودية، قال فيها إن بلاده سوف تعامل الحكومة اللبنانية على أنها حكومة إعلان حرب على المملكة؛ بسبب حزب الله.
خطوات بن سلمان التي تستهدف لبنان وحزب الله ومن خلفهما إيران، استدعت ردّين إيرانيين؛ أحدهما عسكري غير مباشر تمثل في إطلاق جماعة الحوثي اليمنية صاروخاً باليستياً على مطار الملك خالد بالعاصمة الرياض، السبت 4 نوفمبر 2017، وهو ما اعتبرته الرياض إعلان حرب من جهة إيران. والآخر سياسي تمثل في قول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن ترامب يقدم الدعم للسعودية، وإن هذا الدعم أثبت أنه خطر على المنطقة.
- حرب حتمية
ومع ذلك، تقول الفاينينشال تايمز إن التصعيد المتوقع مع إيران يمثل خياراً حاسماً لولي العهد السعودي بعد فشل سياساته، سواء في حرب اليمن أو في ملف حصار قطر، خاصة أن ترامب دعم حليفته السعودية في العديد من الملفات.
وتعليقاً على ما يجري، قال الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، الثلاثاء 7 نوفمبر 2017: إن ولي العهد السعودي "بات يسيطر تماماً على ثلاثية السلطة والمال والإعلام في السعودية"، ووصف الكاتب، في مقال بموقع "ميدل إيست آي"، ليلة اعتقال أمراء آل سعود بـ"ليلة العفاريت المرعبة".
هيرست نقل عن مصادر قال إنها موثوقة، أن من أسباب اعتقال الأمير الوليد بن طلال أنه رفض الاستثمار في مشروع نيوم الذي كشف عنه بن سلمان، كما أنه (الوليد) سبق أن تصادم مع بن سلمان حينما طالب علانية بإخلاء سبيل محمد بن نايف من الإقامة الجبرية المفروضة عليه.