فاينانشيال تايمز-
أدت حملة مكافحة الفساد والاعتقالات التي أمر بها ولي عهد المملكة العربية السعودية، «محمد بن سلمان»، والطلب اللاحق من قبل سلطات إنفاذ القانون في البلاد للمعتقلين بتسليم مليارات الدولارات من «المكاسب غير المشروعة»، إلى كشف حجم غير مسبوق من الفساد، وربما عملية تسوية قسرية غير معتادة، لكن يتعذر في خلاف مثل ذلك أن يمر بالطريقة المعتادة.
ويعد هذا بالتأكيد أحد الطرق لمكافحة الفساد. ولكن التجربة تخبرنا بأن مثل هذه الحملات تميل إلى التعسف، في حين تتسبب في كسر الإجماع السياسي وهز ثقة المستثمرين والأسواق المالية.
والأكثر من ذلك، يمكن لهذه التكتيكات الثقيلة أن تعوق جهود الأمير الشاب، بدلا من مساعدته على تحقيق أهدافه الجديرة بالثناء بالنسبة للبلاد.
ومع وجود ولي العهد، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، في الموقع الأول في خط خلافة العرش، فإنه يتصرف بالتأكيد على افتراض إمكانية حكمه للدولة لمدة 5 عقود أو أكثر، بعد فترة طويلة من الزوال المتوقع للنفط باعتباره المحرك الرئيسي للعالم، الأمر الذي يزيد من أهمية تحقيق الازدهار.
ولذلك فهو يرى نفسه في مهمة تاريخية لتحويل الاقتصاد السعودي جذريا، والأهم من ذلك، تحديث المجتمع السعودي.
وسوف يحاسبه التاريخ وشعبه على نجاح أو فشل هذه المغامرة الخطيرة، وقد يكون هذا كله سبب جهوده لتوطيد سلطته بشكل سريع.
ويبدو أن الأمير يراهن على المستقبل، مع تمتعه بدعم قوي بين النساء، والسعوديين المتعلمين، وجيل الشباب بشكل كبير، الذين يمثلون ثلثي المجتمع السعودي.
وتنم رؤية ولي العهد لمستقبل المملكة عن اقتصاد أكثر تنوعا، وقطاع خاص موسع ونابض بالحياة، ودور هام للمرأة في المجتمع، وقوة عاملة سعودية تحل تدريجيا محل المغتربين في جميع قطاعات الاقتصاد. وفي المجال الاجتماعي والثقافي، تنم رؤيته وتصريحاته العامة عن مجتمع أكثر «اعتدالا، وانفتاحا على جميع الأديان الأخرى وجميع التقاليد والشعوب».
ومما يبعث على الإعجاب في هذه الأهداف أن الأمير يواجه 3 تحديات رئيسية لمشروع التحديث، وهي التنويع الاقتصادي، والتحديث الاجتماعي والثقافي، وتأمين بيئة محلية وإقليمية هادئة تساعد في تحقيق هذه الأهداف.
التنويع الاقتصادي
وفيما يتعلق بالتنويع الاقتصادي، لا يزال اعتماد المملكة على النفط أمرا بالغ الأهمية، حيث يمثل نحو 80% من عائدات الصادرات وإيرادات الميزانية في المملكة. وسيواجه البلد تحديا يتمثل في تكرار تجربة الاقتصادات الناشئة الصغيرة، التي قللت بشكل ملموس الاعتماد على الموارد المستنفدة. ويتبادر إلى الذهن في ذلك المكسيك وماليزيا وإندونيسيا.
وبدأت البلدان الثلاثة في وقت مبكر من عصر العولمة، وربطت اقتصاداتها بالقيمة العالمية من الإنتاج والتجارة. وشملت السياسات المستهدفة التحرير الانتقائي للتجارة، وتقييد نمو الأجور، وأسعار الصرف المرنة (بعد التجارب الصادمة ذات المعدلات الثابتة). وتركز سياسات العرض على الإصلاح المؤسسي والاستثمار في التعليم والمهارات.
وعلى النقيض من ذلك، يكاد يكون نظام التجارة في المملكة خاليا من التعريفات، في حين تسبب النمو القوي للأجور والعملة المبالغ في قيمتها، المرتبطة بالدولار الأمريكي، في إضعاف القدرة التنافسية.
والأهم من ذلك، فإن هناك عدم تطابق بنيوي في المهارات والمؤهلات التعليمية للقوى العاملة السعودية، فيما يتعلق بالطلب في السوق. ويحتل المواطنون السعوديون 90% من وظائف القطاع العام، ولكن 19% منهم فقط يعملون في القطاع الخاص، حيث تهيمن العمالة الوافدة. وبالتالي، فإن تنويع العمالة السعودية لخلق هيكل صناعي أكثر توازنا سيكون صراعا شاقا بشدة.
تحديث المجتمع
أما التحدي الثاني فيتعلق بالجهود الأولى التي يبذلها الأمير الشاب لتحديث المجتمع السعودي وتحريره في بعض النواحي، من خلال تغيير التقاليد والمواقف الثقافية الجامدة.
وهنا يبدو أن الأمير، الذي كان بالفعل في مواجهة مع المؤسسة الدينية القوية، قد حقق انتصارات مبكرة. فقد جرد الشرطة الدينية من سلطة الاعتقال، في حين اعتقل أولئك الذين وقفوا في طريق ذلك. كما اخترق واحدة من المحرمات منذ عقود طويلة في البلاد، من خلال السماح بقيادة المرأة. ولتعزيز سلطته في هذا المجال، اعتمد على هيئة دينية رئيسية في البلاد، وهي هيئة كبار العلماء، لتأييد معركته ضد الفساد كواجب ديني.
وفي المستقبل، يتمثل التحدي الأكبر في المضي قدما في إصلاح الأعراف الاجتماعية والثقافية عميقة الجذور، إضافة إلى إصلاح النظام التعليمي، حيث تحتفظ المؤسسة الدينية بنفوذ هائل. وهذا هو السبب في أن الجهود المستمرة لإعادة تشكيل التعليم قد تعثرت حتى الآن، مع إدخال تحسينات هامشية فقط. وتعتبر هذه المهمة واسعة ومعقدة بشكل استثنائي، بسبب المواقف الاجتماعية المحافظة بشدة، والقدرة الفنية المحدودة.
توتر إقليمي
وأخيرا، سوف تتطلب خطط «بن سلمان» الطموحة التوصل إلى توافق في الآراء داخل أسرة آل سعود الكبيرة، وحشد الدعم، والاستعداد لمشاركة النخب الفكرية ورجال الأعمال والتكنوقراط، وطمأنة المستثمرين الأجانب والأسواق المالية العالمية، والتركيز على المهام المعقدة للغاية التي تنتظر القيادة.
وسوف تحتاج المملكة أيضا إلى فترة طويلة من الهدوء الإقليمي، لمدة لا تقل عن جيل أو أكثر، إذا أريد لها أن تنجح في هذا التحول التاريخي. ومع ذلك، يبدو أن الإجراءات والأحداث الأخيرة، سواء على الصعيد الداخلي أو الجيوسياسي في المنطقة، قد تقوض احتمالات النجاح بدلا من تعزيزها.