إبراهيم مهدي- الشرق القطرية-
لم يعد السعوديون ينظرون لشعوب الدول النامية من برج ذهبي، فالأحوال تقاربت في الآونة الأخيرة، فبعد إعلان ولي العهد السعودي عن تخصيص 500 مليار دولار لمشروع المدينة الذكية السعودية "نيوم" وسط مظاهر إعلامية صاخبة لتلميع المشروع، الذي تم الترويج له على انه سيفتح آفاقا اقتصادية جديدة للمملكة في مرحلة ما بعد النفط، كشفت وكالة "رويترز" مؤخراً أن الحكومة السعودية أمرت بتشييد خمسة قصور فخمة بعضها على الطراز المغربي للملك وولي العهد وشخصيات أخرى بارزة من العائلة المالكة ستضم مهابط للطائرات المروحية ومرسى وملعب جولف في منطقة "نيوم" الاقتصادية التي تخطط المملكة لإنشائها على ساحل البحر الأحمر.
وستقع هذه القصور الخمسة على بعد 150 كيلومترا غرب مدينة تبوك وهي من العقود الأولى التي تمت ترسيتها في مشروع "نيوم"، كما كلفت الحكومة السعودية مجموعة "بن لادن" أكبر شركة للإنشاءات في المملكة ببناء أحد تلك القصور، وهو ما يعني احتفاظ الشركة بدعم الحكومة على الرغم من احتجاز رئيس مجلس إدارتها وأفراد من عائلة بن لادن ضمن حملة لمكافحة الفساد.
والشهر الماضي، قالت بن لادن إن بعض ملاك الشركة قد ينقلون جزءا من حصصهم إلى الحكومة في إطار تسوية مالية لإدعاءات بحقهم، وجرى إطلاق سراح معظم أو جميع أفراد العائلة في الوقت الحالي، وهو ما يؤشر بشكل واضح إلى شبهة فساد في إسناد المشاريع، ومحاولة استمرار خداع الشعب.
حالة غضب
وكان ولي العهد السعودي قد أعلن خطة إنشاء منطقة "نيوم" الاقتصادية خلال مؤتمر استثمار دولي عقد في الرياض أكتوبر الماضي، ويفترض أن تكون المنطقة على مساحة 26.5 كيلومتر مربع، ويرى المحللون والمراقبون أن مشروع "نيوم" يأتي كامتداد طبيعي لسلسلة الفساد التي تضرب أوصال المملكة في شتى المجالات.
وقد سادت حالة من الغضب أوساط المواطنين السعوديين، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين قرارات اقتصادية يرونها مجحفة بحقهم، كان أبرزها فرض ضرائب جديدة، مثل ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، ورفع أسعار الوقود والمواد الاستهلاكية الأساسية، إضافة إلى الركود الاقتصادي، وموجة الاعتقالات التي تشهدها المملكة والتي طالت مختلف شرائح المجتمع لتشمل قضاة وإعلاميين وشخصيات عامة ونساء، لإشاعة جو من الخوف من المعارضة أو التذمر.
الشباب يرفضون
وكان موقع "بلومبيرغ" نشر تقريراً حول آراء الشباب السعودي في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها ولي العهد السعودي، وأظهر التقرير الذي جاء تحت عنوان "هناك الكثيرون من جيل الألفية السعودي لن يرقصوا على نغمة الأمير الشاب" معارضة بين جموع الشباب لخطة ولي العهد الاقتصادية للخصخصة والتقشف، كما دعوا إلى توفير الوظائف زيادة الرواتب.
مشاريع وهمية
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن تدخل ولي عهد السعودية في صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي سيمول مشروع "نيوم" أدى إلى توريط الصندوق في صفقات غير ناجحة، وأن بعض هذه الصفقات تضر بمؤسسات ناجحة يمتلك الصندوق حصة بها، واستعرضت الصحيفة في تقريرها مشاريع عديدة التزم بها صندوق الاستثمارات السعودي، لكنها إما فشلت أو لم تر النور على غرار الاستثمار في بناء مصنع بقيمة مليار دولار للشركة السعودية الوطنية لصناعة السيارات وتشغيل شركة نون دوت كوم للتجارة الإلكترونية في دبي واستثمار الصندوق 3.5 مليار دولار في أوبر، و45 مليار دولار لشركة سوفت بنك التي تستثمر في شركات التكنولوجيا، والتي قال رئيسها التنفيذي ماسايوشي سون في مقابلة تليفزيونية حديثة، إنه استغرق 45 دقيقة لإقناع ولي عهد السعودية باستثمار 45 مليار دولار في الشركة.
"نيوم" مصيره الفشل
ويرى بعض المحللين والمراقبين أن مشروع "نيوم" سيكون في نفس إطار تلك المشاريع الوهمية، وستسخدمها السلطات من أجل السعي لرفاهيتها فقط من قبيل بناء القصور الملكية، أو من أجل استثمارات خاصة لفئة محدودة، وليس لصالح الشعب الذي يعاني شبابه من البطالة.
وبينوا أن رؤية 2030 التي ينضوي تحتها مشروع "نيوم" سيكون مصيرها الفشل، كما أن جهود المملكة لتنويع اقتصادها، والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة، فشلت حتى الآن، وأشاروا إلى أن الأرقام والبيانات الاقتصادية جاءت مخيبة لآمال صناع القرار، كما أن الأرقام ليست متماشية مع خطط السعودية لتنويع الاقتصاد.
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قد كشفت أن رؤية 2030، صعبة التحقيق، وأن أهدافها عدوانية، لذا بدأت بإعادة صياغتها، واستندت الصحيفة إلى وثيقة حصلت عليها، تشير إلى أن السلطات السعودية تجري الكثير من التغييرات على رؤية 2030.