دينيس روس- معهد واشنطن-
عدتُ للتو من رحلتي الثانية إلى المملكة العربية السعودية منذ أن أصبح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاماً، القوة المحركة للتغيير في المملكة. فجهوده في تحويل المجتمع السعودي ترقى إلى ثورة تبدأ من الأعلى. ويبدو أن الكثيرين يقارنوه بشاه إيران، الذي اعتقد أن بإمكانه أن يُضفي الطابع الغربي على بلاده من دون تحديث جذورها الاجتماعية والدينية، ولكن الثورة أطاحت به في النهاية وأسفرت عن قيام جمهورية إيران الإسلامية. في رأيي أن ولي العهد أكثر شبهاً لمصطفى كمال أتاتورك - الزعيم الذي أحدث ثورة في تركيا من خلال تجريد السلطة من القاعدة الدينية وجعل بلاده علمانية.
ويقيناً أن الأمير محمد بن سلمان لا يسعى إلى إضفاء الصبغة العلمانية على المملكة العربية السعودية. فعلى حد تعبيره، يحاول، "إعادة" الإسلام إلى طبيعته الحقيقية وإبعاده عن أولئك الذين سعوا إلى نشر إيمان صارم وغير متسامح أدى إلى إضفاء طابع الشرعية على العنف ضد غير المؤمنين جميعاً. ويتمثل جزء من هذا التحدي في واقع أن التفسير الوهابي للإسلام - الذي قاد المؤسسة الدينية في المملكة منذ ظهورها في أواخر العشرينات - قد عزز تلك العقلية المتعصبة المتمثلة بـ "نحن ضدّ الآخرين". وقد سمحت العائلة المالكة لرجال الدين بإدارة النظام التعليمي، وفرْضْ الأعراف الاجتماعية الصارمة داخل السعودية، وخاصة في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وتمويل المدارس الدينية على الصعيد الدولي لنشر نظرتها العالمية السامة. ربما، هذا هو سبب وجود مهنة تقليدية من المشككين في رسالة محمد بن سلمان وآفاق نجاحها.
ومن المفارقات أن المشككين هم في الأساس خارج السعودية وليسوا فيها. وفي زيارتيّ الإثنتين للمملكة، التي كان الفرق بينهما عام واحد، سواء شملت عقد اجتماع [مع المسؤولين] في "مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية" المعروفة اختصاراً بـ "مسك الخيرية"، أو في وزارتي الاستخبارات والخارجية، أو في "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف" ("اعتدال") - كانت هناك إشارة واضحة إلى المكانة الجديدة للمرأة. وما يُثير نفس القدر من الإعجاب هو الجيل الشاب لأولئك الذين يلتقي بهم المرء في جميع هذه المؤسسات.
وفي مركز "اعتدال" - الذي لا يقوم برصد الرسائل المتطرفة فحسب، بل يعمل أيضاً على صياغة سرد مضاد يستند على التعايش الديني - يبلغ متوسط عمر المهندسين والمبرمِجين ومصممي الرسوم (الغرافيك) السعوديين 26 عاماً. وحيث أن ثلثي السكان السعوديين لا يتجاوزون سن الثلاثين، لا ينبغي أن يكون ذلك مثيراً للدهشة. والشباب السعودي هو الذي يتمتع بطاقة كبيرة وحماس، وهو الذي يصرّ على أنه يملك قوة التغيير ويلتزم بإعادة بناء بلاده.
إن حملة التغيير في المملكة العربية السعودية أكثر مصداقية لأنها محلية، وليس ردة فعل على ضغوط خارجية. ويعود الفضل في كل ذلك النجاح إلى فهم المسؤولين السعوديين بأن المملكة لا تستطيع الحفاظ على الحوكمة القائمة على الحد الأدنى المشترك بين جميع فصائل العائلة المالكة، والموافقة على رجال الدين الوهابيين، والإبقاء على اقتصاد يعتمد بشكل حصري تقريباً على النفط للحصول على العائدات، والحفاظ على واقع اعتماد 80 في المائة من العوائل السعودية على الحكومة.
إن الأمير محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان بن عبد العزيز يفهمان هذا الأمر. بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أن ولي العهد، الذي أنشأ "مؤسسة مسك" لرعاية وتشجيع التعلم والمجتمع القائم على المعرفة قبل أن يعتلي السلطة، قد نجح في قراءة مزاج الشباب السعودي ولاحظ استعداداً للتغيير. ورأى، على ما أعتقد، الإمكانيات التي يمكن استخلاصها حتى عندما أدرك الخطر في إدامة الوضع الراهن. وفي هذا الصدد، فخلال زيارتي لـ "مركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي السعودي"، عُرِضت عليّ استطلاعات واسعة النطاق حول المواقف داخل المملكة، وكيف تشهد الآراء التقليدية حول دور الحكومة والمؤسسات الدينية والنساء [بعض] التغيّرات. وليس من المستغرب أن يكون الشباب السعوديون أكثر انفتاحاً من ثلث السكان الذين تزيد أعمارهم على 30 عاماً.
وخلال حديثي مع أحد كبار المسؤولين السعوديين عن ابنته البالغة من العمر 16 عاماً، تفاجأتُ بالفخر الواضح الذي شعر به عند قوله: "تؤمن أنها قادرة على فعل أي شيء الآن". هذه ليست المملكة العربية السعودية المستقبلية بعد، حيث لا تزال المرأة بحاجة إلى موافقة أحد أقربائها الذكور للسفر إلى الخارج.
ومع ذلك، لولا الاضطرابات والصراعات التي تستنزف المنطقة، لتصدّر التحول الجذري الذي تشهده السعودية كافة العناوين في الشرق الأوسط. فقد أدّى غياب نموذج ناجح للتنمية [سابقاً] إلى جذب القوميين العلمانيين مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى - وكلهم يدّعون أن لديهم الحل لما ابتلت به المنطقة والظلم والتخلف اللذان لحقا بها.
نحن في الولايات المتحدة لدينا مصلحة كبيرة في نجاح الأمير محمد بن سلمان، وسوف تتيح زيارته المقبلة إلى الولايات المتحدة التي ستدوم ثلاثة أسابيع مجالاً للمساعدة - بما نستطيع القيام به - في حين ستتسنى لنا الفرصة لنكون صادقين معه. وقد يتعارض ذلك مع توجّه الإدارة الأمريكية، ولكنّ السماح للمزيد من الطلاب السعوديين بالمجيء والبقاء للتدرب ما بعد الدراسات العليا سيكون لهما تأثير واضح في المملكة. وفي الوقت نفسه، على الأمير محمد بن سلمان أن يسمع أيضاً أنّ اعتقال المدوّنين أو الصحفيين الذين ينتقدون البلاط الملكي لن يخلق الأجواء التي تعزّز الابتكار والإبداع الحقيقيين - إنما سيكون لذلك أثر سلبي على قطاع التكنولوجيا المتقدمة هنا [في الولايات المتحدة] الذي يسعى ولي العهد إلى الاستثمار فيه والتعاون معه. وبالمثل، هناك مزايا لحملة مكافحة الفساد، شريطة أن تكون شفافة، ويُنظر إليها على أنها تعزز سيادة القانون التي يمكن لجميع المستثمرين الأجانب الاعتماد عليها.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تؤكد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تجنب المفاجآت وأن تفعل المزيد لتنسيق المقاربات. يتعيّن على الرئيس ترامب أن يقترح [فتح] قناة سياسة رفيعة المستوى للتفكير معاً في تداعيات القرارات الحساسة قبل اتخاذها. ولو ناقشت إدارة ترامب مع السعوديين موضوع القدس قبل شهرين من إعلانها عنه، لربما كانت قد شكّلت إطار قرارها بطريقة أقل إخلالاً بجهود السلام الخاصة بها. وبالمثل، فيما يتعلق بقضايا اليمن وقطر ولبنان، لو ناقش السعوديون خياراتهم مع الولايات المتحدة أولاً، لربما كانت واشنطن قد عملت على تقسيم الأدوار بصورة أكثر فعالية لتحقيق الأهداف المشتركة للولايات المتحدة والسعودية.
إنّ الأمير محمد بن سلمان سعودي ثائر، ولن يبقى أثر نجاح سياساته في المملكة العربية السعودية فقط. وهو الأمر فيما يتعلق بفشلها.