هناء الكحلوت - الخليج أونلاين-
عبّدت سياسات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الطريق أمام تسريع الإعدامات في السعودية، وأعطت الضوء الأخضر لتنفيذ المزيد منها؛ تحت غطاء محاربة الإرهاب، كما طالت رؤوس العديد من المعارضين المحتجزين سابقاً.
الإصلاحات الجديدة بالسعودية وصفها بن سلمان بـ "العلاج بالصدمة"، لتحديث الحياة الثقافية والسياسية، وطُبّقت على جميع المؤسّسات، وأبدت السلطات السعودية صرامة أكبر في التعامل مع القضايا السياسية والمعارضين و"الإرهابيين"، دون وجود غطاء حقوقي وقانوني، ووسط اتهامات دولية لولي العهد بانتهاك حقوق الإنسان.
وكشف تحقيق لمنظّمة حقوقية بريطانية تسجيل أعلى عدد من الإعدامات بالمملكة في عام واحد، خلال ولاية بن سلمان.
وتضاعفت الإعدامات خلال الأشهر الستة الماضية، وفق ما صرّحت وزيرة الخارجية في حكومة الظلّ البريطانية، إيميلي ثورنبي، لراديو "بي بي سي 4"، في حين أكّد مكتبها أن الإعدامات تزايدت في الأشهر الثمانية الأخيرة، أي منذ يوليو 2017.
وحول هذه الإعدامات قال إحسان عادل، المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: "نلاحظ بقلق كبير الارتفاع الخطير وغير المسبوق بعمليات الإعدام في المملكة خلال الأشهر الماضية، بالوقت الذي تقول فيه المملكة إنها تقوم بإصلاحات".
الخطير كذلك، وفق عادل، أن "تنفيذ أحكام الإعدام لا يقتصر على المتّهمين بقضايا المخدّرات والقتل والسحر والشعوذة، إنما يطال كذلك المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين الذين يتم الزجّ بهم بالسجن والحكم عليهم بأحكام قاسية جداً تصل إلى الإعدام؛ تحت اتهامات فضفاضة كالتحريض على الشعب، ومحاولة قلب نظام الحكم في البلاد، والخروج على ولي الأمر".
وأضاف المستشار لـ "الخليج أونلاين": "يتملّكنا شكّ كبير حول ظروف المحاكمة التي تتم في معظم حالات الإعدام، ونحن نعتقد أن تنفيذ الأحكام بالسعودية يأتي مخالفاً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره، حيث لا يُسمح للعديد من المتهمين بالاتصال بمحامٍ، وقد يُدان الشخص دون أية أدلّة، ويتم انتزاع اعترافات تحت التعذيب والإكراه، وغيرها من ضروب المعاملة القاسية".
ولا تنشر السعودية إحصائيات رسمية عن الإعدامات التي تنفّذها، ولكن وسائل الإعلام الرسمية تتحدث عنها.
وانتقدت الوزيرة البريطانية ما وصفته بـ "استقبال السجادة الحمراء" لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى بريطانيا، الأربعاء (7 مارس)، إذ لاقت هذه الزيارة معارضة شديدة من أطياف المجتمع البريطاني إزاء انتهاكات بن سلمان لحقوق الإنسان، وقوبلت برفض شديد.
- تقرير صادم
الوزيرة البريطانية في تصريحاتها حول أعداد الإعدامات استندت إلى إحصاءات منظمة "ريبريف"، وهي مؤسّسة حقوقية تتخذ لندن مقراً لها، واعتمدت في ذلك أيضاً على تقارير وسائل الإعلام الرسمية عن الإعدامات.
ونشر موقع "الإيرلندية القانونية" (irish legal)، في 7 مارس، تحليل "ريبريف"، والذي اطّلع عليه "الخليج أونلاين"، أنه منذ تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد، في يونيو 2017، تضاعف معدل عمليات الإعدام.
ويُظهر التحليل أنه في الأشهر الثمانية بعد تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد، وفي الفترة ما بين يوليو 2017 وفبراير 2018، نفّذ 133 عملية إعدام في المملكة، مقارنة بـ 67 إعداماً في الأشهر الثمانية السابقة؛ من أكتوبر 2016 وحتى مايو 2017.
وإذا استمرّ هذا المعدل، وفق التحليل، فإن العام 2018 يمكن أن يشهد 200 عملية إعدام، وهو أعلى عدد من عمليات الإعدام التي تم تسجيلها في السعودية بعام واحد.
ويواجه حالياً 18 شاباً إعداماً وشيكاً بسبب جرائم متعلّقة بالاحتجاج بموجب قوانين "مكافحة الإرهاب" واسعة النطاق.
وفي العام 2018، كان هناك 33 عملية إعدام حتى الآن أي من 17 أو 52% كانت لتهريب المخدّرات، و48% لعمليات قتل.
وتعهّد ديفيد كاميرون، في مقابلة مع القناة الرابعة الإخبارية، في أكتوبر 2015، بأنه سيتدخّل في قضية ثلاثة متظاهرين سعوديين؛ هم: عبد الله حسن الزاهر، وعلي النمر، وداوُد المرهون، الذين كانوا يواجهون قطع رؤوسهم، والذين احتجزوا في فترة مراهقتهم (أي كانوا أطفالاً).
وأخبر وزير الخارجية، فيليب هاموند، مجلس العموم البريطاني في وقت لاحق أنه تلقّى تأكيدات بأن علي وآخرين لن يُعدموا. وعلى الرغم من ذلك لم يتم تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق الثلاثة، ويواجهون الإعدام الوشيك.
ولم تسجّل المنظّمة أي عملية إعدام في يونيو 2017، الذي وافق معظمه شهر رمضان.
وتتّفق "ريبريف" في أرقامها عموماً مع منظمة العفو الدولية، التي تجمع أيضاً تقارير وكالة الأنباء السعودية "واس" عن الإعدامات.
وحول عمليات الإعدام، قالت مديرة منظمة "ريبريف"، مايا فوا: "إن مضاعفة عمليات الإعدام في عهد ولي العهد الجديد تكشف أن محمد بن سلمان، تحت صورته العامة اللامعة، هو أحد أكثر القادة وحشيّة في تاريخ المملكة الحديث".
وأضافت فوا: إنه "تم تأكيد عقوبة الإعدام على المتظاهرين، ومن ضمنهم بعض الأطفال في ذلك الوقت، على الرغم من ادعاءات التعذيب والاعتراف القسري. عندما تلتقي تيريزا ماي مع وليّ العهد، عليها أن تحثه على تخفيف الأحكام الصادرة بحق جميع الأطفال المحتجين الذين يواجهون الإعدام".
منظمة العفو الدولية قالت إن الإعدامات في السعودية بلغت 138 عملية، في الفترة ما بين يوليو 2017 وفبراير2018، وكانت قد وصلت إلى 68 عملية في الفترة السابقة لها.
واستناداً إلى هذه الأرقام، التي تتفق فيها ريبريف والعفو الدولية، فإن السعودية تأتي في المركز الثالث في العالم من حيث الإعدامات؛ بعد الصين وإيران.
وأشارت العفو الدولية في تقريرها أيضاً إلى حملة الاعتقالات في الخريف الماضي، التي طالت رجال دين وناشطين، وعشرات الأمراء السعوديين، فيما يعرف بـ "اعتقالات الريتز".
- إعدامات بحق الشيعة
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" قد طالبوا مراراً السلطات السعودية، العام الماضي، أن تلغي أحكام إعدام بحق شيعة بتهم متعلّقة بالتظاهر. كما ندّدوا مؤخّراً باعتقال السعودية نحو 30 رجل دين ومفكّراً وناشطاً، في شهر سبتمبر الماضي.
وذكرت العفو الدولية فرض السلطات السعودية، خلال العام الماضي، قيوداً مشددة على حرية التعبير والتجمّع، وحرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها. كما تطرّقت إلى الإعدامات المتواصلة، التي طالت "عدداً من النشطاء الشيعة".
- تصفية حسابات
سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، قالت في يونيو الماضي: إن "ارتفاع عدد أحكام الإعدام بحق سعوديين شيعة يثير القلق ويوحي بأن السلطات تستخدم حكم الإعدام لتصفية الحسابات وقمع المعارضة تحت زعم محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي".
وبيّنت العفو الدولية سابقاً أن قانون مكافحة الإرهاب في السعودية "لا يتماشى مع المعايير الدولية"، وحثّت الحكومة على "وضع حدٍّ لمحاكمة أشخاص، ومن ضمن ذلك مدافعون عن حقوق الإنسان وكتّاب ومدونون، دونما سبب سوى التعبير عن آرائهم على نحو يخلو من العنف".
- زعيم نزواني ومستبدّ
الكاتب البريطاني سيمون تسيدال، طالب في مقال له كتبه حول زيارة بن سلمان إلى لندن، رئيسة وزراء بريطانيا أن توقف التزلّف المخزي الذي تبديه تجاه النظام السعودي الفاسد والسلطوي، وتجاه زعيمه الشاب المستبد والنزواني، والذي ترقى إصلاحاته المزعومة لمجرّد منظر خادع سطحي، لا يقدّم تغييراً جذرياً لنظام مستبد.
وذكّر الكاتب بمقاله في صحيفة "غارديان"، في 4 مارس، بقضية المدوّن الحقوقي السعودي رائف بدوي، الذي تعرّض للجلد وما زال يقبع في سجون النظام؛ لأنه تجرأ على الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية.
وتابع الكاتب أن كثيرين في بريطانيا وفرنسا يعتقدون أنه يجب مخاطبة المسؤولين السعوديين حول قمع نظامهم المتواصل للخصوم والنشطاء السياسيين، والتمييز الممنهج ضد النساء، والاستعمال الروتيني للتعذيب والإعدام، فضلاً عن حرب اليمن المهلكة.
المنظّمات الحقوقية الدولية ترفض عقوبة الإعدام في جميع الظروف ودون استثناء، وتعتبرها الأكثر قسوة، وأنها لاإنسانية وتحطّ من الكرامة الإنسانية.
وبحسب تقرير لـ"بي بي سي"، بات من النادر أن يعبّر أحد في السعودية عن موقف يتعارض مع الموقف الرسمي من الحرب في اليمن، أو من الأزمة مع قطر، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، ومثال على ذلك سجن الناشط عيسى النخيفي ست سنوات؛ بسبب تغريدة انتقد فيها الحكومة السعودية بسبب حرب اليمن.