فوكس- ترجمة شادي خليفة -
في هذا الأسبوع، جاء ولي العهد السعودي، القادم من الملكية المطلقة التي يعاقب فيها المعارض والشاذ جنسيا على حد سواء، إلى الولايات المتحدة، إلا أن الأمير «محمد بن سلمان» كان أقل شبها بمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وأكثر شبها ببطل من أبطال الحقوق المدنية.
وفي برنامج «60 دقيقة»، تمت الإشادة به على أنه «ثوري» و«محرر المرأة» في المملكة العربية السعودية، وقد رتبت قناة «سي إن بي سي» مقالة بعنوان «محمد بن سلمان يحدث ثورة على غرار وادي السيليكون في المملكة العربية السعودية». ويوم الأربعاء الماضي، كان الأمير يتناول العشاء مع «مورغان فريمان»، والمخرج «جيمس كاميرون» و«ذا روك»، الذي كتب منشور في «إنستغرام» يشيد بالديكتاتور ويثني عليه.
ومن الصحيح أن «بن سلمان»، وفق المعايير السعودية، يعد تقدميا نسبيا في بعض القضايا. فهو يسمح للنساء بحضور مباريات كرة القدم على سبيل المثال. لكن وصف هذا بـ«التحرر» يعد أمرا عبثيا؛ حيث لا يُسمح للنساء السعوديات بالزواج أو السفر على المستوى الدولي، من بين أمور أخرى، دون إذن من ولي الأمر الذكر. ولا تزال المملكة السابع بين البلاد في عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين في العالم، وفقا لأحد مقاييس البنك الدولي.
ويتجاهل التركيز على هذه الإصلاحات المتواضعة حقيقة أن «بن سلمان» هو مهندس حرب السعودية في اليمن، حيث قصفت القوات السعودية المستشفيات، وقيدت تدفق السلع الحيوية (مثل الغذاء والدواء) إلى الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون «الحوثيون».
ولقد قتل أكثر من 10 آلاف شخص منذ تدخل المملكة في اليمن عام 2015. ويمكننا فقط تقدير الوفيات بشكل تقريبي، لأن الوضع خطير جدا على أي شخص ما حيث ينبئ بعدد كبير من الضحايا. ولقد أعاق الحصار السعودي الوصول إلى الغذاء بشكل كامل، لدرجة أن 17 مليون يمني -ثلثي السكان- لا يعرفون متى تأتي وجبتهم التالية. وتعد الأضرار التي لحقت بخدمات الصحة والمياه في اليمن واسعة النطاق لدرجة أن مياه الصرف الصحي قد تسببت في تلوث إمدادات المياه، مما تسبب في أسوأ تفشي للكوليرا -أكثر من مليون حالة موثقة- في التاريخ الحديث.
وكانت الحرب في اليمن فكرة «بن سلمان»، وينظر إليها على نطاق واسع كمبادرة أراد بها بدء مسيرته في السياسة الخارجية. ورغم مسؤوليته عما وصفته منظمة العفو الدولية «بجرائم حرب محتملة»، فإن وسائل الإعلام والمجتمع الأمريكي يعاملونه كبطل.
ويقول «مارك لينش»، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، عن استقبال ولي العهد في الولايات المتحدة بطريقة تحصر الأمور في المشاكل الأساسية في العلاقات الأمريكية السعودية: «إنه أمر مروع».
لماذا حصل «بن سلمان» على كل هذا الترحيب كبطل في أمريكا
ليس الأمر غريبا على الولايات المتحدة بالاحتفال بالمستبدين في الشرق الأوسط. وقد أشادت الإدارة الأمريكية بالرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» الذي قتل جيشه أكثر من 800 متظاهر سلمي في يوم واحد، ووصفته صحيفة «وول ستريت جورنال» بالرجل الذي «يعمل على إصلاح الإسلام»، بسبب معارضته للإسلاميين. وعندما فاز السيسي «بإعادة الانتخاب» الإثنين الماضي، بفارق خيالي (97% مقابل 3%)، اتصل به الرئيس «ترامب» لتهنئته.
لكن الاحتفاء الحار الذي رأيناه خلال زيارة «بن سلمان» إلى أمريكا وصل إلى مستوى جديد. ومع الحجم الهائل للخطاب المؤيد لـ«بن سلمان» في الصحافة، واجتماعاته مع السياسيين والشخصيات الثقافية الشعبية على حد سواء، يتقزم ما نراه عادة مع الدكتاتوريين المؤيدين لأمريكا. فقد حصل على استقبال ودي من جميع الشخصيات الأمريكية القوية، بدءا من ترامب إلى أقل مسؤول.
ويقول الخبراء إن هذا ليس من قبيل الصدفة.
ويشرح «لينش» ذلك قائلا: «لقد تم التخطيط لإصلاحاته المحلية وخطابه بعناية ليتردد صداها هنا».
وجزء آخر من القصة هو أن السعوديين، إلى جانب ممالك أخرى في الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، قد أنفقوا مبالغ طائلة من المال في واشنطن. ولديهم جيوش من موظفي العلاقات العامة ومجموعات الضغط، ويقدمون الدعم الوافر لمراكز الفكر البارز. ونتيجة لذلك، يرى العديد من الأمريكيين ذوي النفوذ السعوديين من خلال عدسة السياسة الخارجية المؤيدة للولايات المتحدة، بدلا من سجلهم الفاضح في مجال حقوق الإنسان.
وقد قال «بن رودز»، أحد كبار مساعدي الرئيس «أوباما» لشؤون السياسة الخارجية، بعد سؤاله عن تغطية زيارة «بن سلمان»: «المال يتحدث».
ويمكن للمرء أن يناقش ما إذا كان الحفاظ على علاقة وثيقة مع المملكة في مصلحة الولايات المتحدة. إنها مسألة معقدة وصعبة، مسألة يمكن أن يختلف عليها الناس العقلانيون وذوو النوايا الحسنة.
لكن ما لا يمكن الاعتراض عليه، وما لا يمكن الجدل به بحسن نية، هو أحقية «محمد بن سلمان» للمعاملة كأنه نجم لموسيقى الروك في المجتمع الأمريكي.
وقد يكون الحال هو أن الولايات المتحدة تحتاج إلى «بن سلمان» كمسألة جيوسياسية، لكن وسائل الإعلام الأمريكية والنخبة الثقافية ليس لها دور في تشكيل السياسة. وكان لهم مطلق الحرية في انتقاد «بن سلمان» لإعدامه الأشخاص مثليي الجنس، أو انتهاكاته لحقوق الإنسان في اليمن، دون عواقب على المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
لكن ليس كل منفذ إعلامي قد وقع في هذا. فعلى سبيل المثال، أجرى «جيفري غولدبرغ» من «ذا أتلانتيك» مقابلة صعبة، حيث سأله عما إذا كان يعتقد أن الرجال والنساء متساوون (أجاب بنعم)، ثم تابع بسؤاله عما إذا كان سيبطل نظام «الولاية» الذي يمنع النساء من السفر دون إذن من الذكور (أجاب بلا).
لكن «غولدبيرغ» كان استثناء من القاعدة العامة. فقد كانت جولة «بن سلمان» في الولايات المتحدة بمثابة انتصار لفريق العلاقات العامة، ومأساة للبلاد.