ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

السعودية.. «ثورة اجتماعية» تتجاهل آراء وتفضيلات 20 مليون مواطن

في 2018/06/18

فيصل أبو الحسن - أورينت-

خلال حديثه في منتدى استثماري بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، مايو/أيار 2018، كان لدى عضو الكونغرس السابق «إريك كانتور» الكثير ليقوله عن الإصلاحات «الجريئة» الجارية في السعودية.

كان «كانتور»، الذي يعمل حاليا على الاكتتاب العام المرتقب لشركة «أرامكو» السعودية، متفاجئا بانفتاح القيادة في المملكة على خصخصة القطاعات الاقتصادية التي ظلت محمية لوقت طويل، وعلى الأخص صناعة النفط، وفتح الباب أمام المستثمرين الأجانب، الذين يتطلعون إلى «أن يكونوا جزءا من النمو الاقتصادي في المملكة».

وأشار «كانتور»، أيضا، إلى جهود الإصلاح.

وفي الواقع، منذ أن شرع الملك «سلمان بن عبدالعزيز» وولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» في تنفيذ «رؤية السعودية 2030»، التي بدأت بالمبادرات الاقتصادية والاجتماعية التي تم إطلاقها قبل عامين، زعم الزعيم السابق للكونغرس ومجموعة من النقاد الغربيين الآخرين أن المجتمع السعودي يشهد «ثورة».

فهل خضعت السعودية في الواقع لتغيير اجتماعي وشرعت في تغيير الثقافة الراديكالية التي تمتعت بها طويلا؟، الجواب هنا بطريقة أو بأخرى «نعم». 

وهل يستحق جيش المستشارين الذين يقدمون المشورة بشأن المبادرات الجديدة الحصول على الفضل في استيراد الثورة الثقافية للمملكة؟، الجواب هنا «ليس تماما».

تنوع الأفكار

ويعد السرد الحالي المحيط بـ«رؤية 2030» محقا في تقدير وجود قيادة سعودية أصغر سنا وأكثر ديناميكية وحماسة تجاه الغرب، وخاصة اتخاذ ولي العهد قرارات لسد الفجوة بين الطبقة الحاكمة المتقادمة والسكان الأصغر سنا.

ومع ذلك، يهمل المعلقون الخارجيون الحقائق على الأرض عندما يزعمون أنه يقوم «بدفع» البلاد نحو الانفتاح.

وفي حين أن ولي العهد يواجه بالتأكيد بعض المقاومة، فإن رسم التغيير الاجتماعي السعودي كمسعى من أعلى إلى أسفل يتجاهل تنوع الآراء والتفضيلات ووجهات نظر أكثر من 20 مليون مواطن سعودي.

ورغم الصورة المبتذلة حول أمة صحراوية معزولة، كانت المملكة -على مدى 3 عقود- لاعبا اقتصاديا رئيسيا في عالم آخذ في التحول نحو العولمة.

ولديها بالفعل روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية وتعليمية عميقة مع كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وداخل المملكة المعاصرة، هناك مجموعة واسعة من القيم والأخلاقيات الدينية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والعرقية.

ويساعد هذا التنوع على تفسير سبب تأثير التغييرات الأخيرة على بعض السعوديين أكثر من غيرهم.

وفي السعودية اليوم، غالبا ما تكون كلمة «ليبرالية» كلمة جامدة تستخدم لوصف شرائح المجتمع من الطبقة المتوسطة والطبقة العليا (وغالبا ما تكون متعلمة في الخارج)، والتي تميل قيمها إلى الحداثة أكثر مما تستند إلى التقاليد.

وتلبي العديد من التغييرات احتياجات الليبراليين السعوديين، الذين يتم تمثيلهم بشكل بارز في جميع الوكالات الحكومية الجديدة التي تنفذ الإصلاحات.

وبالنسبة إلى هؤلاء الليبراليين، فإن التغييرات الحالية هي في الحقيقة انفصال ثوري عن الماضي.

وخلال معظم القرن الماضي، كان على هؤلاء السعوديين الاعتماد على الرعاة الملكيين للحماية من الشرطة الدينية.

ولقد واجهوا التيار المتشدد للمؤسسة الدينية بشكل علني، بينما كانوا يقومون بتعليم أبنائهم قيما عالمية وحديثة على نحو خاص.

ولم تظهر أية مؤسسة حكومية روحها الليبرالية، في معارضة النظام المحافظ القمعي، إلى أن أنشأ مرسوم ملكي «هيئة الترفيه السعودية»عام 2016.

وستستفيد الطبقة المتوسطة والطبقة الوسطى العليا أكثر من إنهاء الحظر على قيادة النساء للسيارة، إضافة إلى القدرة على الاستماع إلى الموسيقى صراحة، وحضور الحفلات الموسيقية، والمشاركة في الفعاليات التي تنظمها هيئة الترفيه.

ولا يجبر ولي العهد أي من هؤلاء النساء (أو نظرائهن من الرجال) على هذا الانفتاح الاجتماعي والثقافي الجديد، لكنهم هم من يمثلون القوة الداعمة له.

التغيير مقابل التقاليد

ولسوء الحظ، تعتمد هذه الحريات الجديدة بشكل رئيسي على النساء من العائلات الليبرالية.

أما أولئك الذين ينتمون إلى عائلات لا تروق لها مثل هذه المساعي، فقد يتم حرمانهم من الناحية القانونية من التحولات الجديدة من قبل آبائهم والأوصياء عليهم (سواء كانوا أزواجا أو أشقاء أو حتى أبناء) بموجب نظام الولاية.

وتدرك القيادة هذه الانقسامات، والطريق الطويل للوصول إلى اجماع اجتماعي أكثر انسجاما.

وما نشهده ليس تقييدا نيوليبراليا لتدخلات الدولة، كما يتم تصوير «رؤية 2030» غالبا، بل هو تغيير في طبيعة مثل هذه التدخلات، مع ظهور الترفيه والرياضة بشكل بارز.

وتحدد وزارة الثقافة والإعلام بعناية أي الأفلام (الأجنبية) سيجري عرضها، على الرغم من أن تدخل الدولة لا يمتد إلى خفض أسعار التذاكر التي تبلغ قيمتها 75 ريالا (20 دولارا) في دور السينما الجديدة في الرياض.

وتهيمن الهيئة العامة للرياضة على المستوى الوزاري على الصحف والمناقشات الشعبية بين السعوديين من جميع الأعمار.

ويجب أن تجتمع المشاريع المتوازية للانفتاح الثقافي والإصلاح الاقتصادي بنهاية المطاف في منتصف الطريق، خاصة مع ضمان الاستقلال الكامل وحق الانتخاب للنساء السعوديات.

وفي حين أن لدى السعودية بالفعل حركات تنادي بحقوق المرأة، فإن الجمع بين التغييرات في السياسة الاجتماعية للدولة والفرص الاقتصادية الجديدة قد يفتح في النهاية حيزا للمناقشات المجتمعية حول دور المرأة.

ويجب أن يكون دور القيادة الآن مكملا لهذا الانفتاح، باستهداف التفسيرات القانونية ودفع النظام القضائي التقليدي - الذي لا يزال يتمتع بقدر كبير من السلطة الذاتية- نحو خدمة الوضع الجديد.

رؤية واضحة للتحول

وتجعل هذه النقاشات النظرة الاختزالية للتغيرات التي تحدث داخل المملكة خطأ كبيرا.

فالمملكة بحاجة إلى إصلاحاتها لتذهب إلى أبعد من التغييرات الاقتصادية البحتة، التي من شأنها أن تجذب المستثمرين الأجانب والمستشارين مثل «كانتور».

وأظهر ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» بالفعل استعداده للالتزام بالمؤسسة الدينية وسلطة التقاليد، لكنه يتمتع بطموحات تفوق بكثير ما كان يتوقعه الشباب السعودي من الملوك السابقين.

وفي إطار «رؤية 2030»، يجري ولي العهد تغييرات انتظرها العديد من المواطنين السعوديين طوال حياتهم.

وإذا كانت المملكة تمر بالفعل بثورة اجتماعية وثقافية؛ فهي فقط «ثورة» جزئية.

ولا يزال جعل الوضع الجديد مستداما، والمضي قدما، يتطلب التشجيع على ظهور تعددية جديدة تجمع بين الليبراليين والمحافظين، والسنة والشيعة، والمؤسسات الدينية وغير الدينية، والقبلية وغير القبلية، والسياسية وغير السياسية.