وكالات-
لم يمض كثير على تأسيسها في عام 2016 حتى تسببت هيئة الترفيه بصدمة في المجتمع السعودي، بل تجاوزت الصدمة حدودها المحلية حتى أصبحت فعاليات الهيئة من الموضوعات الدسمة التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية.
فالانفتاح السريع وقف خلفه ولي العهد محمد بن سلمان الذي كان الداعم لمشاريع الهيئة، وهو ما جعل رئيسها أحمد الخطيب يتحدث بثقة عن المشاريع الانفتاحية التي تدعمها الهيئة.
وكان للخطيب تصريح كشف من خلاله أن خطة هيئة الترفيه الوصول إلى انفتاح غير مسبوق، ولمستوى أكثر بكثير ممَّا شهدته المملكة في خلال نحو عام، حيث قال في تصريح سابق إن مدناً سعودية لا فرق بينها وغيرها من مدن العالم، وذلك في حديثه عن الانفتاح في الترفيه الذي يصل إلى سهرات غنائية مختلطة وعروض فنية صاخبة.
لكن وبعد أقل من عامين من صدمة المجتمع السعودي والعالم من الانفتاح السريع وغير المسبوق الذي عرفته المملكة، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الاثنين 18 يونيو 2018، بإعفاء الخطيب من منصبه.
ولم يقف خلف القرار الملكي أمر عادي؛ حيث ذكرت صحيفة سبق نقلاً عن مصادر لم تسمها أن إعفاء أحمد الخطيب "صدر بناءً على ما حصل من تجاوز في فعالية السيرك بالرياض، وما صاحب ذلك من ظهور لبعض لاعبات السيرك بلباس غير لائق".
وأكدت المصادر أنه سبق أن تم التشديد على مجلس إدارة هيئة الترفيه، الذي يرأسه الخطيب، على وجوب وضع شروط ومعايير واضحة ورقابة في حال التعاقد مع المشغلين الأجانب، وذلك بعد حادثة سابقة مشابهة في العام الماضي.
الفعالية الروسية التي تسببت بإقالة الخطيب، وجرت بجامعة الأميرة نورة في خلال أيام العيد، أثارت استياء شريحة واسعة من السعوديين؛ حيث تداول نشطاء التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعارضات روسيات مصحوبة بمشاهد تعرٍّ.
وتعبيراً عن الغضب دشن النشطاء عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وسماً بعنوان "#روسيات_عاريات_بالرياض"، احتل مكاناً في قائمة الوسوم الأكثر تداولاً في المملكة.
وأكد النشطاء من خلال الوسم مخالفة عروض السيرك لتعاليم الشريعة الإسلامية المطبقة في السعودية، مطالبين بإلغاء العروض ومحاسبة المنظمين، وإعادة صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حادثة السيرك، وعلى الرغم من كونها امتداداً لسلسة الانفتاح الغريب على المجتمع السعودي، تعتبر واقعة جديدة أكدت رفض السعوديين لعملية الانفتاح القائمة على التعري والتخلي عن العادات والتقاليد المحافظة، التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.
وبسبب هذا الانفتاح فقد المجتمع السعودي العديد من السمات التي ميّزته عن مجتمعات العالم؛ فبعد أن كان محافظاً يغلب عليه طابع الالتزام الديني، بات منسلخاً عن عاداته وتقاليده وأعرافه، وهو ما أكده السعوديون في استطلاع أجرته صحيفة "عاجل" السعودية في أبريل الماضي حول "هيئة الترفيه"، بعد مرور عام على بداية نشاطاتها.
وبين استطلاع صحيفة عاجل التي يتجاوز عدد متابعيها مليونين على موقع "تويتر"، بأن الهيئة لم تراع تقاليد المجتمع، وأخذ هذا الرأي النسبة الأعلى (53% من المصوّتين)، وجاء ذلك بعد التغييرات الجذرية بالسعودية.
كما جاء بالدرجة الثانية من استطلاع الصحيفة السعودية، التي تتماشى مع سياسة المملكة، أن 34% قالوا إنهم لم يشعروا بوجود الهيئة على الإطلاق.
أما النسبة التي تليها وشكلت 9% من الأصوات، فقد اعتبروا أن نشاطات هيئة الترفيه "مملة" وأسعارها مبالغ فيها.
في حين صوت 2% (168 صوتاً) فقط بأن نشاطات الهيئة ممتعة وأسعارها مناسبة.
ونالت هيئة الترفيه السعودية دعماً حكومياً كبيراً، حيث خصص لها نحو 64 مليار دولار أمريكي، ليبدأ هذا القطاع من الصفر، صاعداً بتسارع غير مسبوق نحو ما أطلق عليه "الانفتاح".
وشهدت المملكة، في الفترة الأخيرة، سلسلة قرارات بالتخلّي عن عدد من القوانين والأعراف الاجتماعية التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود؛ أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارة، ودخولهن ملاعب كرة القدم، ورعاية هيئة الترفيه الحفلات والمهرجانات الغنائية، مع تقييد دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ورغم التغييرات الدراماتيكية التي تجاوزت الخطوط الحمراء التي رسمتها بلاد الحرمين بهذه السرعة الفائقة، وذلك في ظل انتهاج الأمير الشاب سياسة "العلاج بالصدمة"؛ يستبعد مراقبون أن تدخل هذه السياسة البلاد في انفتاح سياسي حقيقي في ظل استمرار حملات التضييق والاعتقالات ضد نشطاء يطالبون بتغييرات حقيقية.
وانشغلت بهذه التغييرات التي زلزلت المجتمع السعودي، وحللت ما كان محرماً، العديد من الصحف العربية والغربية، لتنتقد التبدل السريع الذي سبب العديد من ردات الفعل.
صحيفة "نيويوك تايمز" الأمريكية قالت في مارس الماضي، إن السعودية عرفت بأنها من أكثر الأماكن تحفظاً في العالم، مشيرة إلى أن المملكة دخلت عهداً جديداً؛ إذ بدأت تنتشر فيها الفرق المسرحية وتقدم عروضها، كما نُظمت حفلات موسيقية، منها واحدة للموسيقي العالمي "ياني"، أقيمت في ديسمبر الماضي.
المشاريع العديدة التي نفذتها الهيئة في مجال الترفيه من حفلات وفعاليات مختلفة كانت في وقت قياسي؛ فخلال عام واحد شهدت المملكة العديد من هذه الفعاليات، بما يبدو وكأن الدافع هو الانفتاح المنشود سريعاً.
وبدا جلياً للمتابعين أن الخطيب، الرئيس المعفى من منصبه، كان واثقاً من تحركاته نتيجة الدعم الكبير الذي ناله من قبل الحكومة، ولم يكن يتوقع أن يترك منصبه بهذه السرعة مجبراً، لا سيما أن ولي العهد بن سلمان كان تحدث كثيراً في مقابلات صحفية عن خططه في الانفتاح الذي تتبناه هيئة الترفيه.
وهذا ما يفسره تصريح الخطيب في حوار سابق مع شبكة "CNN"، في أبريل الماضي، وقال فيه إن مجتمع بلاده منفتح جداً، وإن بلاده في عام 2017 شهدت 2200 فعالية ترفيه حضرها أكثر من 9 ملايين شخص، مشيراً إلى أن هذه الأنشطة تلاقي قبولاً.
وتأسست الهيئة العامة للترفيه عام 2016 تماشياً مع رؤية المملكة 2030؛ لتعمل على تنظيم وتنمية قطاع الترفيه لجميع شرائح المجتمع في كل مناطق السعودية.
وتستهدف رؤية المملكة 2030 رفع مساهمة قطاع الترفيه في إجمالي الناتج المحلي من 3% إلى 6%.
وكان ولي العهد السعودي قال في تصريحات سابقة إن بلاده تستهدف توطين 50% من قطاع الترفيه، إذ ينفق المواطنون 22 مليار دولار على الترفيه في الخارج سنوياً.