وكالات-
اهتمت وسائل إعلام عربية وأجنبية بحصيلة مرور عام على تولي الأمير «محمد بن سلمان» ولاية العهد في السعودية، وقالت إنه لم ينجح في إقناع المجتمع الدولي بإصلاحاته إلا بقدر قليل.
وعين العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» في 21 يونيو/حزيران 2017، نجله الأمير «محمد» وليا للعهد (كان يبلغ 31 عاما) بدلا عن ابن شقيقه الأمير «محمد بن نايف».
وأصبح «بن سلمان» الرجل القوي في المملكة بعد اعتلاء والده العرش في 2015، واحتفظ بمهامه كوزير للدفاع ورسخ صعوده في السلطة في خضم أزمة خليجية غير مسبوقة اندلعت في الأثناء.
ففي 5 يونيو/حزيران 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر علاقاتها مع قطر متهمة الدوحة بدعم حركات إرهابية والتقرب من إيران وتقويض استقرار المنطقة، وهو ما نفته قطر مؤكدة أن الحصار الذي فرض عليها من قبل الرباعي العربي يستهدف تقويض سيادتها وقرارها الوطني.
واندلعت الأزمة الخليجية بينما تخوض السعودية وإيران منذ سنوات نزاعات بالوكالة، في سوريا واليمن والعراق ولبنان.
وكانت عدة تقارير صحفية كشفت أن العديد من أفراد العائلة المالكة بالسعودية يرغبون في التخلص من ولي العهد الشاب، موضحة أن السبب وراء ذلك صعوده السريع إلى قمة السلطة وسيطرته شبه المطلقة على الاقتصاد والجيش السعودي بدعم من والده الملك.
وأشارت تلك التقارير إلى إن السعودية تشهد فترة حرجة هي الأخطر من نوعها في تاريخها الحديث، مؤكدة أنه من الصعب التكهن بما سيحدث للمملكة في المستقبل القريب.
إصلاحات بطعم القمع
ومع تولي «بن سلمان» مقاليد الحكم في المملكة، سمحت السعودية في 26 سبتمبر/أيلول 2017 للنساء بقيادة السيارات اعتبارا من 24 يونيو/حزيران 2018، في قرار جاء بعد عقود من الحظر في المملكة المحافظة.
وحمل القرار بصمات الأمير الشاب الذي بدأ حملة إصلاحات غير معهودة اجتماعية واقتصادية تحت عنوان «رؤية 2030».
وبحسب مجلة «لوجورنال دوديمونش» الفرنسية، فإن محاولة «بن سلمان» تحديث السعودية من خلال السماح للنساء بقيادة السيارات قد غطت عليها الاعتقالات التي شملت ناشطات حقوقيات في السعودية، تلبية لرغبات المحافظين الذين لم يستسيغوا السماح للنساء بأن يقدن السيارات، حيث لا تزال أمام السعودية خطوات عديدة يتوجب اتخاذها في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان.
إرساء دعائم النظام الجديد
ومع إحكام قبضته على السلطة، شنت الأجهزة الأمنية السعودية حملة اعتقالات في سبتمبر/أيلول 2017 طالت نحو 20 شخصا من رجال الدين والمثقفين والإعلاميين والكتاب.
واستمرارا لسلسة إجراءات قمعية لم تشهدها المملكة في تاريخها، أطلق «بن سلمان» في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2017 حملة واسعة النطاق جاءت تحت مسمى «مكافحة الفساد»، وتحول فندق «ريتز كارلتون» الفخم في الرياض على مدى 3 أشهر إلى سجن ذهبي لعشرات الأمراء وكبار مسؤولي ورجال أعمال المملكة الذين كانوا في صلب تلك الحملة، لكنه تم لاحقا الإفراج عن عدد من المشتبه بهم -بينهم الملياردير الأمير «الوليد بن طلال»- بعد التوصل إلى تسويات مالية مع السلطات.
أزمات في اليمن ولبنان
وامتدت سياسيات «بن سلمان» الجديدة خارج حدود المملكة، لتطال في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 رئيس الحكومة اللبنانية «سعد الحريري» الذي أرغم على إعلان استقالته بشكل مفاجئ من الرياض متهما «حزب الله» وإيران بالهيمنة على لبنان، لكن فرنسا تدخلت بعد انتشار أنباء عن احتجاز «الحريري» في الرياض وإرغامه على تقديم تلك الاستقالة، بينما نفت السعودية تلك الاتهامات التي زادت الشكوك حولها خاصة بعد عدول «الحريري» عن استقالته بعد عودته إلى لبنان.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلن ولي العهد أن ضلوع النظام الإيراني في تزويد الميليشيات الحوثية التابعة له بالصواريخ يعد عدوانا عسكريا ومباشرا من قبل النظام الإيراني.
وقبل أيام من ذلك، تم اعتراض صاروخ باليستي أطلقه «الحوثيون» فوق الرياض، وسقطت شظايا منه في محيط المطار الدولي.
ومنذ مارس/آذار 2015، تقود الرياض تحالفا يساعد القوات الحكومية اليمنية في حربها ضد «الحوثيين» وحلفائهم الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء منذ 2014.
انفتاح يتجاوز المحافظين
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، قررت السعودية السماح بفتح دور عرض سينمائي بعد حظر امتد لأكثر من ثلاثة عقود.
وقال بيان حكومي آنذاك، إن المملكة ستفتح أكثر من 300 دار سينما بأكثر من ألفي شاشة عرض بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تسهم صناعة السينما بنحو أكثر من 90 مليار ريال (24 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي واستحداث أكثر من 30 ألف وظيفة دائمة إضافة إلى أكثر من 130 ألف وظيفة مؤقتة بحلول عام 2030.
وتقول السعودية إن الاقتصاد، الذي تضرر بشكل كبير جراء انخفاض أسعار النفط، سينتفع من نمو صناعة الترفيه.
وتحاول الحكومة السعودية تشجيع العروض وأشكال أخرى من نشاطات التسلية هذه في إطار خطة يدعمها «بن سلمان»، على الرغم من معارضة الأوساط المحافظة المتشددة.
نووي إيران مقابل نووي السعودية
في 15 مارس/آذار 2018 أعلن «بن سلمان» أنه إذا امتلكت إيران السلاح النووي فستقوم السعودية بالمثل في أسرع وقت ممكن.
كما رحبت الرياض في مايو/أيار 2018 بقرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة (5+1) في 2015.
استقطاب الغرب
وفي مارس/آذار 2018، وبعد زيارتين إلى مصر وبريطانيا حيث تناول الغداء مع الملكة «إليزابيث الثانية»، قام ولي العهد السعودي بجولة استغرقت أكثر من أسبوعين في الولايات المتحدة قادته إلى البيت الأبيض حيث استقبله «ترامب» في هيوستون وزار أيضا بوسطن ونيويورك وسياتل ولوس أنجلوس وسيليكون فالي، كما أجرى بعد ذلك زيارتين إلى فرنسا وإسبانيا.
التطبيع مع (إسرائيل)
وفي مطلع أبريل/نيسان 2018، أكد الملك «سلمان» مجددا موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس.
في الوقت نفسه قال ولي العهد في مقابلة صحفية: «أعتقد أن لكل شعب، في أي مكان كان، الحق في أن يعيش في وطنه بسلام؛ أعتقد أن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في أن تكون لكل منهما أرضه».
وأضاف: «(إسرائيل) اقتصاد كبير مقارنة بحجمها واقتصادها ينمو بقوة؛ بالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع (إسرائيل)، وإذا كان هناك سلام، فستكون هناك الكثير من المصالح بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن».
هذا، وتواصل السعودية من خلال تحركات واتصالات ولقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، تهيئة الشارع السعودي لتقبل التوجه الجديد نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وشهدت الشهور الأخيرة، انطلاق دعوات بالسعودية غير مسبوقة للتطبيع مع (إسرائيل)، رغم أن التصريح بهذا الأمر علنا كان من قبيل «التابوهات» (المحرمات)، قبل وصول «بن سلمان»، إلى رأس السلطة في المملكة.
وشهدت الفترة الأخيرة، تقاربا اقتصاديا غير رسمي بين الرياض وتل أبيب؛ حيث زار رجال أعمال ومسؤولون سعوديون (إسرائيل)، والتقطت عدسات الكاميرات مصافحات بين مسؤولين إسرائيليين وأمراء سعوديين؛ وهو أمر غير مسبوق.
وفي ذات السياق، يتحدث محللون ومسؤولون إسرائيليون عن تنسيق وتقدم في العلاقات بين دول عربية و(إسرائيل)، ويتوقعون أن يظهر بعضها، لا سيما مع السعودية، بشكل مضطرد إلى العلن، على قاعدة أن ما يجمع الطرفين هو العداء المشترك لإيران.
وكانت وكالات أنباء ووسائل إعلام ذكرت أن «بن سلمان» قد زار (إسرائيل) سرا في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو خبر سارعت وزارة الخارجية السعودية إلى نفيه.
في السلطة حتى الموت
وكان ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» قال في حوار مع شبكة «سي بي إس» الأمريكية، إنه إذا عاش لخمسين عاما فالمتوقع أن يحكم البلاد، مضيفا: «لن يوقفني شيء إلا الموت».
ومنذ تقلده ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، سعى «بن سلمان» إلى تمهيد طريقه نحو تسلم العرش السعودي بتعيين جيل جديد من أحفاد أعمامه وزرعهم في مناصب عدة.
وتهدف هذه التعيينات -وفق مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية- إلى توطيد حكم «بن سلمان» من خلال هؤلاء الشباب الذين استطاع تجنيدهم وكسب ولائهم في مشواره نحو إحكام قبضته على كل دوائر صنع القرار.
ويعتمد «بن سلمان» في تعييناته هذه على جيل الأحفاد، ممن لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة تقريبا، مستبعدا الأعمام وأبناءهم.
وبحسب صحف غربية، فإن هذا الجيل من «الحكام الجدد» سيشكل دورا محوريا ضمن مسار تنفيذ الرؤية والأهداف التي يتبناها ولي العهد، بالتوازي مع توليهم زمام السلطة لعقود قادمة وفق ما يريده «بن سلمان».