ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

سياسات الخوف لن تجلب الاستقرار للسعودية

في 2018/07/19

مضاوي الرشيد - ميدل إيست آي-

احتجز النظام السعودي مؤخرا الشيخ المخضرم السلفي، «سفر الحوالي»، البالغ من العمر 68 عاما، والذي يعاني من مشاكل صحية خطيرة. كما تم إرسال أعضاء آخرين من أسرته إلى السجن. وانضم الشيخ إلى رفيقه القديم في التسعينيات، الشيخ «سلمان العودة»، المحتجز منذ سبتمبر/أيلول.

وكان الرجلان قياديان لحركة معارضة أصبحت تعرف باسم «الصحوة»، ظهرت عام 1990 عندما دعا النظام الولايات المتحدة والقوات الأجنبية والعربية الأخرى للدفاع عنها ضد غزو وشيك من قبل «صدام حسين»، رئيس العراق. لكن الشيخين يختلفان بشكل كبير في تفسيراتهما للإسلام، والجنس، والسياسة، والعلاقات مع الغرب، ومستقبل الأمة الإسلامية.

غلق المجال العام

وفي الوقت الذي يطمح فيه «الحوالي» إلى العودة إلى النموذج الأصلي للدولة السعودية الأولى، المؤمنة بشكل وثيق بتعاليم مؤسس الوهابية، «محمد بن عبد الوهاب»، فإن «العودة» يطمح نحو نظام حكم مسلم حديث، يتعامل بالدستور، ومع حكومة تمثيلية.

ومن المحتمل أنه باعتقال زملائهما الآخرين، مثل «عوض القرني» وأولئك الشيوخ الأقل شهرة من تيار «الصحوة»، يكون ولي العهد «محمد بن سلمان» قد نجح في إسكات المجال العام السعودي، وكتم الأصوات المعارضة.

ومنذ أصبح وليا للعهد، نشر «بن سلمان» التخويف عبر العديد من طبقات الشعب السعودي، مرورا بالعائلة المالكة والنخبة الاقتصادية والليبراليين وغير الأيديولوجيين والشخصيات القبلية وآخرهم الناشطات. لكن بدلا من تعزيز موقفه، يبدو أن هذا يتركه واقفا على أرض مهتزة، غير قادر على تشكيل ائتلاف للحكم بالتوافق بدلا من التخويف.

وقد يشجع الكثيرون في الغرب احتجاز «محمد بن سلمان» للإسلاميين، الذين غالبا ما يطلق عليهم الراديكاليين، بغض النظر عن تنوع تفسيراتهم واستراتيجياتهم لتحقيق أهدافهم الدينية والسياسية، وهذا تأييد مضلل لسياسة عادت بنتائج عكسية في الماضي، لأنها لم تنتج سوى حلول قصيرة الأجل لمشكلة سياسية عميقة وهي التطرف.

وغالبا ما تتضمن الأهداف الإسلامية عددا كبيرا من الطموحات، على سبيل المثال، الدولة الإسلامية أو الخلافة، وتطبيق الشريعة، وإضفاء الطابع الإسلامي على المجال العام، وتمكين المرأة وفق أجندتهم الخاصة، والسعي وراء سياسة خارجية «إسلامية»، والانطلاق نحو الاقتصاد الإسلامي، وجعل الإسلام والإسلام فقط هو الإطار المرجعي لجميع شؤون الأمة الإسلامية تقريبا.

وسواء كنا نتفق مع هذه الأهداف أم لا، فإن احتجاز أولئك الذين يروجون لها لن يؤدي إلا إلى زيادة شعبية هذه المشاريع، ودفعها إلى اتباع السرية.

الدينية والعلمانية

وعلى الرغم من هذه الطموحات الواسعة، فإن الإسلاميين يختلفون بينهم كثيرا، لدرجة أن اختلافاتهم اللاهوتية والسياسية الداخلية واضحة جدا إلى درجة لا يمكن التوفيق بينها.

وبينما نحن معتادون على النظر إلى الفئات الدينية والعلمانية باعتبارهما فئتين منفصلتين ومختلفتين بشكل حاد، مما يجعل الإسلاميين نقيضا للنشطاء العلمانيين، فإن الحقيقة هي أن العديد من الإسلاميين يقتربون بالتأكيد من العلمانيين أكثر من الجهاديين على سبيل المثال.

وعلاوة على ذلك، فإن الإرهاب الإسلامي المزعوم ليس أكثر إرهابا وتطرفا من بعض المشاريع العلمانية التي أدت إلى استئصال الأقليات، وسحق الحريات، وإسكات المعارضة. وإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» قد استهدف الأقليات العرقية والدينية في الشرق الأوسط، فقد ساهم القادة العلمانيون في التطهير العرقي والتمييز على أساس الانقسامات الطائفية والعرقية والوطنية.

ومن أتاتورك تركيا إلى شاه إيران، والرؤساء العرب والعديد من الملكيات، هناك سلطوية متخفية تحت غطاء المشاريع العلمانية لتحديث الأمم. ولكن في الواقع، كان الإرهاب والتخويف والقمع هو الشائع. وفي بعض الحالات، لا يمكن تحديد أي اختلاف كبير بين بعض المشاريع الدينية والعلمانية.

وكان الهدف دائما هو الحفاظ على الحكم، دون مراعاة للتنوع وحقوق الإنسان. ويمكن لأحدث اللاعبين في هذه اللعبة، مثل «محمد بن سلمان»، أن يمنحوا المرأة الحق في قيادة السيارات، والسماح لهن بالذهاب إلى الحفلات الموسيقية والملاعب والمسارح، لكنه يستطيع أيضا أن يضع الناشطات في السجن.

لكن وصف العديد من الإسلاميين بـ «الراديكاليين» تعد طريقة سهلة للغاية لقمعهم بنفس الأداة. ويخلق هذا شبكة واسعة لتسهيل تهميشهم، وحتى تبرير احتجازهم وتعذيبهم وقطع رؤوسهم. ولا تزال مصطلح «إسلامي» نفسه، إلى جانب مصطلحات أقدم مثل «الإسلاموية» و«الإسلام السياسي»، غامضة وفاقدة للدقة في الأوساط الأكاديمية.

وقد يدخل التدين الشخصي في قلب السياسة، ولكن ليس الكثير من المراقبين يعتقدون أن السعي وراء التقوى الشخصية هو ببساطة شكل من أشكال التدين المقبول الذي لا علاقة له ببناء المجتمع.

وتبقى الفئات المتشددة لدى الغرب من المتدينين والعلمانيين رهينة لتراثهم التنويري الأوروبي، وتفشل تلك الفئات في تفسير التقاطع بين الاثنين في كل جانب من جوانب الحياة حتى في الغرب، لكن الحداثة الغربية تجبرنا على رؤيتهم في عالمين مختلفين.

تحول حقيقي

وهناك بالفعل ما يسمى بالإسلاميين الذين يقدمون مشروع سياسي واضح مثل أي حزب سياسي في جميع أنحاء العالم، على الرغم من اختلافهم في استراتيجياتهم لإدارة العملية السياسية. وبينما يسعد الكثيرين بالمشاركة في الانتخابات والجلوس في برلمانات بلا أنياب، يسعى آخرون إلى تحول حقيقي في المؤسسات السياسية من الداخل لتتوافق مع النموذج الإسلامي.

ومع ذلك، قد تسعى مجموعة أخرى للنضال المسلح بعد اكتشاف عدم فعالية الحشد السلمي والعمل الخيري والتعليم والوعظ. ويبدأون بإدانة إخوانهم الذين ينخرطون في ما يعتبرونه استراتيجيات عقيمة وغير مجدية.

ولا يبدأ هؤلاء الإسلاميون، الذين يشتركون في الجهاد المسلح، بالضرورة كمتمردين عنيفين. وقد تتطور أعمالهم لتبني العنف العشوائي بعد الوصول إلى استنتاج بأن الدكتاتوريات لا يمكن مقاومتها بالإصلاح، والواقع أن أكثرهم عنفا هم الذين لديهم خبرة مباشرة في المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الدكتاتوريات لإيقاع العنف ضد النشطاء، من التعذيب إلى الاغتصاب.

وكثف العديد من السعوديين عنفهم ضد النظام والأجانب، بعد تعرضهم للتعذيب في السجون السعودية. وهذا ليس تبريرا للإرهاب، بل للإشارة إلى الظروف الخصبة التي يتم زرع مثل هذا الإرهاب فيها. وكانت السجون دائما وستبقى حاضنات للعنف المستقبلي، رغم أنها يمكن أن تكون أماكن للخلاص وإعادة التفكير في المشاريع السياسية بين سجناء الرأي والمعارضين.

استراتيجية انتحارية

وتعتبر تسمية كل الإسلاميين بالمتطرفين وصما خاطئا. وعلاوة على ذلك، ليس كل المتطرفين عنيفين. ويشهد التاريخ الأوروبي على كيفية تمكن المجتمعات والحكومات في عهد سابق من التسامح مع الأناركيين والمفكرين المتطرفين والأيديولوجيين الذين لا يلين لهم منطق، وطالما أنهم لم يدعوا إلى العنف كوسيلة لتحقيق الغاية، فقد تم السماح لهم بمواصلة الحلم بـ «اليوتوبيا» المتطرفة خاصتهم.

ومع ذلك، يرفض «بن سلمان» الاعتقاد بأن هناك رؤى غير تلك التي تعدها شركات الاستشارات الإدارية له، وبمجرد أن يتبناها كرؤى، تصبح مقدسة، ويصبح انتقادها عملا من أعمال الخيانة ضد ملك المستقبل.

وفي مثل هذا الجو، من المؤكد أن كتاب «سفر الحوالي» الأخير، «المسلمون والحضارة الغربية»، سيكون أسوأ من أي بيان ثوري يتم توزيعه من قبل خلية سرية مصممة للإطاحة بالنظام.

ويعد الكتاب مزيجا من التفسيرات اللاهوتية والتاريخ، ويستعرض العلاقات بين المسلمين والغرب، غير أن «محمد بن سلمان» مصمم على أن القضايا الشائكة ليست موضعا للكتابة، وأنه من الأفضل إرسال الأشخاص الذين يناقشونها إلى السجن.

ولا يجب أن يعمى الغرب عن هذا الإرهاب والقمع غير المسبوق في المملكة. ولن يحقق «بن سلمان»، أو رؤيته، الاستقرار والأمن اللذين تعتقد الحكومات الغربية أن النظام السعودي قادر على تحقيقهما.

ويعد سجن الأعمدة القديمة لدين الدولة تطهير سوف يكلفه هو وحلفاؤه ثمنا باهظا، وبالتأكيد فإن إسكات المعارضين على المدى القصير يعد استراتيجية انتحارية على المدى الطويل.