ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

"أرامكو".. رسائل الفشل

في 2018/08/27

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

عرفت المنطقة العربية مصطلح الصدمة والترويع، لأول مرة، مع إعلان جورج بوش الابن الحرب على العراق في 2003، المصطلح الخبيث كان يهدف لتدمير الشخصية العربية، ومحو إرادة القتال والمقاومة، وهو نوع من الحرب الإعلامية، اخترعته وطورته الولايات المتحدة، منذ الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.

مثلت الصدمة والترويع هدما للشخصية العربية، وجعلتها تنزوي بعيدًا عن الفعل، وسقطت العراق في أول اختبار إرادة أمام جحافل داعش، التي احتلت نصف بلاد الرافدين، في ظرف أسابيع فقط، وحتى مع التحرير العراقي للموصل، بقيت عوامل الضعف موجودة وملموسة، وإن غطتها القدرة المتجددة على الإنجاز في أسوأ الظروف، شريطة توافر عوامل النجاح، وفي المنطقة العربية فإن عوامل النجاح تنحصر في قيادة تتمتع بثقة شعبية مبدئية، وتحتها قواعد مختارة بعناية وشفافية، قادرة على ترجمة الطموحات والأماني الشعبية، وخلق التواصل بين القمة الحاكمة والقاعدة الشعبية.

الإصلاحات الاقتصادية التي تم اعتمادها في المملكة، منذ 3 أعوام، تندرج تحت بند مصطلح "الصدمة والترويع"، ولا تليق بها وصف إصلاحات، قادرة على نقل المجتمع للأمام، فالتقدم الإنساني له شروط ومناخ، غير متوافر لا بالقيادة الحالية، ولا بالقواعد المسئولة عن التنفيذ.

فشل طرح شركة "أرامكو"، عملاق النفط العالمي، وواحدة من أكبر الشركات من حيث الموجودات الملموسة في العالم، يدمغ نهائيًا الخطوات التي اتخذها ولي العهد السعودي بأنها "ناقصة"، وأن النجاح فيها بعيد المنال، كونها خرجت من مكاتب علاقات عامة، تتخذ الشكل الاقتصادي، أكثر من كونها خطوات إصلاحية لازمة لمجتمع يعاني للانتقال إلى زمن ما بعد البترول.

الشركة التي آلت للملكية العامة في 1980، بطريق التحول لشركة أجنبية من جديد، وبورصات العالم أعلنت سابقًا فتح ذراعيها للطرح الأكبر على الإطلاق، وفرش السجاجيد المذهبة أمام بطانة السوء.

الشركة الأكبر في العالم، بقيمة قدرها مسئولي المملكة عند تريليوني دولار، كانت مطية لـ"رؤية 2030"، وتوفير التمويل الهائل المطلوب لإنشاء قطاعات تنقل المملكة نهائيًا بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وبناء مشروعات ومناطق صناعية وسياحية، تحقق التشغيل الكامل للعاطلين، وتوفر مداخيل دولارية جديدة.

ورغم التوقعات العالمية التي كانت تقترب من أرقام خالد الفالح، وزير النفط، الذي يظهر اسما على غير مسمى، فإن الشركة ستتفوق على "آبل" الأميركية، حيث تقترب قيمة "آبل" السوقية من تريليون دولار، كما ستتفوق بعشرين مرة على أكبر شركة نفطية مدرجة بأسواق المال "إكسون موبيل"، والتي لا تزيد قيمتها السوقية عن 74 مليار دولار فقط، ما يؤشر لأن "أرامكو" مقدرة بـ 1.5 تريليون دولار على الأقل.

فور إعلان الطرح، تنافس عدد كبير من بنوك الاستثمار ومكاتب المحاماة العالمية، على الفوز بمقعد مستشار الطرح، وعملت بنوك جيه.بي مورجان ومورجان ستانلي واتش.اس.بي.سي كمنسقين عالميين، ووقع الاختيار على بنكي الاستثمار المتخصصين مويلس اند كو وإيفركور كمستشارين مستقلين، وعلى مكتب المحاماة وايت اند كيس كمستشار قانوني لعملية الطرح.

الآن وبعد الإعلان عن تأجيل طرح "أرامكو"، إلى مدى غير منظور، تبدو الإصلاحات التي دشنها محمد بن سلمان على حقيقتها، مجرد فقاقيع إعلامية، لا تلبث أن تنفجر مع أول اختبار حقيقي على الأرض.

مشاكل الطرح، التي أعاقت عملية بيع الأسهم، انحصرت في غياب الشفافية بشكل كامل عن إدارة "أرامكو"، فلا أحد في الغرب يرغب في استثمار أمواله في شركة تخصص حصصًا عينية لبعض الأمراء من الأسرة الحاكمة، أو لا تخضع إيرادتها لعمليات مراجعة وتدقيق، أو تُخضع سلعتها –النفط- لتدخل سافر من حكام الرياض.

صفقة بيع "أرامكو" تمثل الحكم البات والنهائي على إصلاحات ولي العهد، وعلى إدارته الاقتصادية، فالغرب يشيد بالإصلاحات الاقتصادية السعودية، لكنه لن يدفع دولارًا واحدًا للرهان عليها.