ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

السيادي السعودي يقترض.. بوكر السندات ينذر بضياع الاستثمارات

في 2018/09/21

الخليج الجديد-

إلى أي مدى أثبتت أولويات الإنفاق السعودية الجدوى المرجوة منها بعد أكثر من عامين على إعلان المملكة رؤيتها الاقتصادية 2030؟

سؤال بات مطروحا بقوة على طاولة محللي الشأن الاقتصادي بالمملكة بعد إعلان صندوق الثروة السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة)، الإثنين الماضي، إتمامه إجراءات أول "قرض مجمع" في تاريخه بقيمة 11 مليار دولار.

إذ أن اتجاه الصندوق نحو الاقتراض يعود إلى نقص بالسيولة خاصة في ظل التخطيط لمشاريع استثمارية عملاقة (كمدينة نيوم) تحتاج إلى تمويل بمئات المليارات من الدولارات، وفقا لرؤية 2030، تزامنا مع تدخل الملك "سلمان بن عبدالعزيز" لوقف خطة لبيع 5% من أسهم شركة النفط العملاقة (أرامكو) عبر أسواق المال الدولية.

كان لوقف مخطط (أرامكو) الأثر البالغ في الاتجاه نحو الاقتراض؛ إذ قدر ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، قيمة الأسهم المطروحة للبيع، وفق خطته، بنحو 100 مليار دولار، باعتبار أن قيمة الشركة تتجاوز تريليوني دولار أمريكي.

تشوش الرؤية

لكن محللون في "سانفورد سي بيرنشتاين" و"ريستاد إنيرجي"، أكدوا، في مارس/آذار الماضي، أن قيمة أرامكو السوقية في حدود التريليون دولار فقط، بنما قدرها خبراء آخرون بما لا يزيد عن نصف هذا الرقم، استنادا إلى احتياطيات النفط وتوقعات السياسات الضريبية المتوقعة من جانب الحكومة السعودية؛ الأمر الذي دق جرس إنذار بشأن وجود "تشوش" برؤية 2030، سواء على مستوى تقدير القيم المالية، أو على مستوى الاتفاق داخل العائلة السعودية المالكية على إجراءات التنفيذ.

قاد هذا التشوش إلى محاولة إيجاد مصادر بديلة للسيولة النقدية، يتم ضخها بصندوق الاستثمارات العامة، فكان الاتجاه نحو الاقتراض، في ظل معاناة الموازنة العامة السعودية من عجز يبلغ 52 مليار دولار لعام 2018، حسب الأرقام التي أعلنتها وزارة المالية رسميا.

ومن هنا جاءت فكرة تحويل أرامكو من ملف أزمة إلى فرصة، عبر طرح شرائها لحصة مسيطرة (70%) في شركة "سابك" المنتجة للبتروكيماويات، والمملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وبذلك يحصل الأخير على السيولة المطلوبة لمشاريعه المنتظرة.

اقتراض خلفي

كيف ستمول أرامكو الصفقة؟ مناقشات داخلية بالشركة، كشفت "رويترز" عن مضمونها، تدور حول احتمال الاحتياج لـ"دين خارجي" قد يكون على صورة سندات.

وبذلك تكون صفقة استحواذ أرامكو على سابك، في حال إتمامها، مجرد "واجهة" لذات المصدر التمويلي (الاقتراض)، لكن بشكل غير مباشر؛ الأمر الذي ينذر بابتلاع القدرة الاستثمارية للمملكة مستقبلا ويهدد قدرتها على تنفيذ طموحها نحو تنويع حقيقي للاقتصاد السعودي بحلول عام 2030، حسب مراقبين.

ورغم أن تصنيف صندوق الاستثمارات السعودي بلغ المرتبة 13 بين صناديق الثروة السيادية في العالم، بأصول تبلغ 183 مليار دولار، إلا أن أغلب هذه الأصول "غير سائلة" حسب معهد الثروات السيادية (SWF Institute)، المتخصص في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية العالمية؛ ولذا لجات الحكومة السعودية للاستثمار في السندات الدولية، خاصة تلك التي تطرحها الولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار، كشف التقرير الشهري لوزارة الخزانة الأمريكية عن يوليو/تموز الماضي، عن رفع السعودية حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية بنحو 1.9 مليار دولار لتسجل 166.8 مليار دولار ارتفاعا من 164.9 مليار دولار في يونيو/حزيران 2018 بزيادة نسبتها 1.15%.

وبالمقارنة بشهر يوليو/تموز من 2017، فإن السعودية أنفقت 24.3 مليار دولار على السندات الأمريكية بنسبة زيادة 17%؛ ما يعني أن هذا الوجه من الإنفاق يمثل استراتيجية ثابتة لحكومة المملكة.

مقامرة السندات

لكن هكذا إنفاق يتعارض مع الاحتياج السعودي الملح للسيولة النقدية إلى حد الاتجاه نحو الاقتراض؛ ما طرح علامة استفهام لا يبدو أن محللي الشأن الاقتصادي لديهم الإجابة الوافية لها.

فنسبة العائد على السندات التي طرحتها السعودية في أول قرض مجمع لصندوقها السيادي تزيد قليلا على الـ4%؛ أي أقل بنحو نقطتين من متوسط ​​عائدات السندات السيادية في الأسواق الناشئة الصعبة.

وفي المقابل، بلغ العائد المسجل على السندات الأمريكية 3% فقط في أبريل/نيسان الماضي، حسب بيانات وزارة الخزانة؛ ما يعني أن التعويل على فارق النسبة بين طرح السندات المحلية وشراء أذون الخزانة الأمريكية لا يمثل خيارا بمقاييس الاقتصاد.

وإضافة إلى أن أغلب السندات الأمريكية المطروحة طويلة الأجل (بين 5 و10 سنوات) يمكن القول إن تفسير التوجه السعودي نحو شرائها أقرب إلى السياسة منه للاقتصاد، في ظل علاقة استراتيجية مع إدارة الرئيس "دونالد ترامب" تقوم على مبدأ دعم متطلبات الاقتصاد الأمريكي في مقابل دعم التوجهات السعودية إقليميا، وهو ما بدا جليا في مقررات قمة الرياض في مايو/أيار 2017.

المدخل السياسي ذاته هو ما يقف وراء تكبد الرياض لكلفة 6 مليارات دولار شهريا في حرب اليمن، وفقا لتقديرات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو ما أشار إليه رئيس وزراء قطر السابق "حمد بن جاسم" في حواره الأخيرة مع قناة "فرانس 24" عندما تحدث عن "نصائح غير طيبة" سار وراءها ولي العهد السعودي وأدت إلى خسائر فادحة للمملكة.

اقتصاد ترفيهي

وإزاء ذلك يتحدث محللون عن "بوكر سندات" تلعب فيه السعودية دور المقامر الخاسر، خاصة في ظل طبيعة خطة مشاريع رؤية 2030 التي يقوم أغلبها على مشاريع "اقتصاد السياحة والترفيه"، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها مستقبلا كأساس متين لاقتصاد إنتاجي. 

فالصندوق السيادي السعودي يعتزم  إنشاء 20 مركزا ترفيهيا ضخما، مساحة كل منها تتراوح بين 50 إلى 100 ألف متر مربع في 15 مدينة حول المملكة، وذلك عن طريق شركة الترفيه والتطوير، التابعة له، وهو ما يصب في صالح دور إيجابي على العائد الإجمالي للاستثمارات وتنويع مصادر الدخل السعودية، وفقا لما صرح به رئيس مجلس إدارة شركة الترفيه والتطوير "عبدالله الداوود" على هامش مؤتمر عقده بجدة في مايو/أيار الماضي.

لكن توزيع الدخل دون الاعتماد على مصادر إنتاجية يمثل "تنويعا وهميا" للاقتصاد، طالما أن تقلبات السياسة يمكنها أن تضربه في الصميم، على النحو الذي جرى في مصر على سبيل المثال، ولذا فإن الخروج من هكذا دوامة لن يكون سوى بمشاريع صناعية متقدمة كاستثمار مليار دولار في شركة "لوسيد موتورز" لإنتاج السيارات الكهربائية.

أصبحت الأسواق في وضع مختلف الآن عما كانت عليه في عام 2016، وليس من المقنع بالنسبة للمستثمرين الذين يبحثون عن فائدة أكبر الدخول إلى سوق السندات السعودي في ظل ارتفاع سعر الفائدة في الولايات المتحدة إلى حدود تقارب نظيرتها بالمملكة.

ولذا لا يمكن للسعودية أن تعول على قدرة أرامكو على جميع تمويل قدره 70 مليار دولار من طرح سندات للاستحواذ على سابك، وفقا لتقديرات المؤسس المشارك لصندوق التحوط "برومبيتوم إنفستمنت" في لندن "بافيل ماماي".

إذ حذر "ماماي" السعودية من مقامرة لعبة السندات دون تأسيس اقتصاد إنتاجي ذي قواعد صلبة، مستبعدا قدرة أرامكو على جمع أكثر من 20 مليار دولار بطرح السندات المتوقع.

فهل تستجيب حكومة المملكة لناصحها هذه المرة؟