ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

المملكة.. عملاق من طين

في 2018/10/10

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

في وصف "معجز" لروسيا تحت حكم القياصرة، قبل مرحلة الاتحاد السوفيتي، كان الغرب يعتبرها عملاق بأقدام طينية، البلد الأكبر مساحة في العالم والغني بموارده الطبيعية الهائلة، كان يُنظر إليه باعتباره ممنوعًا من الحركة خارج جغرافيته، ومقيدًا بعجز إدارته وسوء تخطيط قيادته.

الوصف أثبت صدقيته خلال أحداث الحرب العالمية الأولى، خصوصًا، ونهائيًا، مع رسم خريطة جديدة لأوروبا وللعالم، خسرت روسيا الحرب رغم إنها كانت في حلف المنتصرين، وزادت معاناة شعبها من التكلفة الرهيبة للمعارك الفاشلة على الجبهة الألمانية، إلى أن انتفضت مع البلاشفة وأنهت حقبة حكم القياصرة تمامًا.

الوصف السابق لا ينطبق أكثر، في الوقت الحالي، إلا على مملكة آل سعود تحت حكم محمد بن سلمان وحاشيته، الجيل الثاني من العائلة السعودية، الذي نشأ وتربي وفي فمه معلقة من ذهب، كل ما يقوله حكمة، وجميع ما يريده قانون، ورغباته دستور، الجيل الذي كان منوطًا به نقل المملكة إلى عصر جديد، فإذا هو أكبر وأخطر التهديدات لاستمرار المملكة بشكلها الحالي.

بداية، فإن المملكة العربية السعودية تتمتع بعناصر قوة وتأثير تتعدى حدودها، إلى العالم العربي، ومن وراءه الدول الإسلامية الأوسع مساحة والأثقل سكانًا، بفعل وجود أقدس الأماكن الإسلامية، ورعاية شعيرتي الحج والعمرة، والتي يفد إليها ملايين المسلمين سنويًا، بما تمثله من مكسب دعائي هائل، يتجاوز أي مكاسب اقتصادية بمراحل.

موسم الحج وحده مكن المملكة سابقًا من الوقوف في وجه حركات القومية العربية، وكان قادرًا على حشد التأييد –خصوصًا بين اليمين الديني- ضد الأنظمة الثورية في الستينات، وكانت الحملة الأميركية-السعودية تكسب أرض من عدوها وقتذاك –الاتحاد السوفيتي وحلفائه- بالطريقة الهادئة، بلا حروب أو صدامات، وفي النقطة الأخيرة تحديدًا فإن السعودية عاجزة عن خوض معركة عسكرية ناجحة، سواء داخل أو خارج حدودها، ولمن أراد الذكرى، فحادثة احتلال الحرم من ميلشيات "جهيمان العتيبي" انتهت بعد تدخل قوات فرنسية خاصة، والتهديد العراقي بعد احتلال الكويت، استلزم تحالف دولي لإعادته إلى حدوده الجغرافية، وفي الحالتين لم تستطع الشرطة أو الجيش الوقوف وحدهما بوجه التهديدات.

الفوائض المالية الضخمة تمثل ثاني أعمدة القوة والتأثير السعودي، ولدى استقبال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو للملك سلمان، حمل المضيف المظلة للملك، بسبب هطول الأمطار الكثيف، سعيًا في حقيقة الأمر لجزء من كعكة الاستثمارات السعودية، وفيما بعد عاتب "ويدودو" الملك على قلة الأموال المخصصة لإندونيسيا، والمشهد كله يعبر عن قدرة التأثير المالي للمملكة.

كل عناصر قوة المملكة "معنوية"، قادرة على النفاذ والتأثير وحشد الحلفاء، بأيسر السبل، بدون المغامرة بأفعال خشنة، لكن القيادة الجديدة في السعودية تؤمن أن بإمكانها تجاوز معطيات الظروف الجيوبولتيكية، والتأثير بالجيوش على المناطق المستهدفة، وهو سير إلى فخ أكيد، كما حدث ويحدث في العلاقات السعودية الخليجية، من حرب انقلبت استنزاف مرهق في اليمن، إلى مقاطعة قطر، التي عززت شعور الانعزال لدى السعودية قبل غيرها.

الإعلام الغربي أخذ على عاتقه، هذه الأيام، حمل لواء الهجوم على المملكة، بعد حادث جمال خاشقجي في تركيا، الحادث ينتمي إلى القرن الماضي بكل تفاصيله، من سيارات سوداء وخطف وفرق اغتيالات، مافيا باختصار، وليست دولة، هكذا توصم المملكة، بعد حماقة، والتاريخ أيضًا سلسة من الحماقات، كما هو سلسلة من الأخطاء.

الحادث الفريد في زمننا الحالي أثبت أن قيادة المملكة "فارغة" بكل ما للكلمة من معنى، والحاشية حول الملك وولي العهد هم أناس يملؤهم الحقد والغباء، ينتمون إلى زمن غابر، لا يعرفه العالم الآن، وبالتأكيد لا يرغب في العودة إليه.

الأمير السعودي الشاب، الذي روجت له الأبواق الإعلامية المستفيدة من تدفقات الأموال السعودية إلى الغرب، والمعبرة عن مصالح احتكارات السلاح الكبرى –المتحالفة منذ قديم مع العائلات المالكة بالخليج- كانت ترسم صورة مبهرة لشخص يريد نقل بلده إلى العصر الحديث، بعد سنوات من الستائر الحديدية المفروضة على أهلها، وجاءت واقعة اغتيال –أو خطف- الإعلامي السعودي جمال خاشقجي كالقشة التي فجرت بالونة مملوءة بالهراء.