عماد حسن- DW- عربية-
مشروع اقتصادي ضخم وتحالف سياسي بين المملكة والدول المتشاطئة على الضفة الأخرى للبحر الأحمر. ما الذي يدفع السعودية إلى الجانب الآخر من حدودها؟ هل هو سعيٌ خلف مصالح اقتصادية أم بحثٌ عن حلفاء جدد؟
تتزايد الضغوط الدولية يوما بعد يوم على المملكة العربية السعودية. وفي واجهة الأزمات تطل أزمة قتل الصحفي جمال خاشقجي برأسها دائماً، تصاحبها ضغوط دولية متزايدة لإنهاء حرب اليمن التي أودت بحياة آلاف المدنيين، فيما يصارع أكثر من 20 مليون شخص الموت جوعاً بسبب الحرب التي يشنها تحالف تقوده السعودية، ناهيك عن سجل حقوقي في غاية السوء تضخم ليشمل نساء وشيوخ وعلماء ورجال أعمال وخبراء وضعوا خلف الأسوار.
هروب إلى أمام؟
في هذا التوقيت العصيب، أعلنت المملكة عن مشروعين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي، حيث تخطط لإطلاق مشروع "شركة البحر الأحمر للتطوير" الذي سينتهي العمل به عام 2022، وهو مشروع سياحي عملاق يهدف لجذب نحو مليون سائح سنوياً، وتتوقع السعودية أن يضيف 22 مليار ريال إلى الناتج المحلي للبلاد، وهو ما يتوافق مع رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لخلق موارد جديدة للدخل القومي بجانب البترول فيما يعرف برؤية 2030 وهو المشروع العملاق الثاني للمملكة.
في الوقت نفسه التقى العاهل السعودي وعدد من وزراء الخارجية لبحث إنشاء كيان للدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهي مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن، بهدف "تعزيز الأمن والاستقرار والتجارة والاستثمار في المنطقة" بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
ويرى الدكتور غسان العطية مدير المؤسسة العراقية للتنمية والديمقراطية ببغداد أن التحرك السعودي في هذا التوقيت وعلى المستويين الاقتصادي والسياسي أمر ضروري للغاية "لأن المملكة تتعرض لهجوم متواصل نتج عنه شكل من العزلة الدولية"، مرجحاً أن "تسوء الأمور مع إقرار الكونغرس الأمريكي تشريع يتعلق بمعاقبة السعودية بشأن قضية خاشقجي، فكان لابد من محاولة الخروج من هذه الدائرة المغلقة" بحسب ما قال خلال مقابلة له مع DW عربية.
ويضيف الخبير السياسي العراقي أن "الرياض دون شك بحاجة لإعادة حساباتها والتقليل من الرهان على الولايات المتحدة وبالتالي توصل رسالة للغرب بأن لديها بدائل متاحة يمكنها العمل معه بعد فشل منظومات إقليمية كالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي".
تحالفات استراتيجية جديدة لفك حلقات الحصار؟
تسعى السعودية لتشكيل تحالف استراتيجي جديد مع ست دول تطل على البحر الأحمر وخليج عدن، وهي منطقة استراتيجية ذات أهمية حيوية للملاحة العالمية وساحة تنافس على نحو متزايد مع منافسين إقليميين مثل إيران وتركيا وقطر.
وزير الخارجية السعودية عادل الجبير قال إن "هذا التحالف يأتي في إطار جهود المملكة لحماية مصالحها ومصالح جيرانها ومن أجل استقرار المنطقة التي نعيش فيها ومحاولة إقامة تضافر بين مختلف الدول" وأنه "كلما زاد التعاون والتنسيق بين دول هذه المنطقة، قل التأثير السلبي الخارجي على هذه المنطقة".
أحمد عدنان الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السعودي يرى أن السعودية لديها مشكلة في شمال البحر الأحمر وجنوبه وأن "هذه المنطقة لم تحظ على مدار العقود السابقة باهتمام حقيقي خاصة بالضفة الغربية للبحر الأحمر والتي هي في الحقيقة عمق أمني واستراتيجي وسياسي للسعودية، فجاءت هذه المنظومة الجديدة لتلبي كل هذه المطالب والاحتياجات".
أضاف عدنان في مقابلة له مع DW عربية أن "المشروعات الاقتصادية والتحالفات السياسية في منطقة البحر الأحمر كانت نصب عين الملك سلمان وولي عهده قبل فترة لكن الأمر الآن اتخذ طابعاً أكثر جدية وعملية".
هل تعيد السعودية حساباتها؟
وعلى نحو ما يتفق معه الدكتور غسان العطية الباحث العراقي الزائر لدى جامعة ستانفورد الأمريكية والذي يرى أن "الرياض دون شك بحاجة إلى أن تعيد حساباتها وتقلل من الرهان على الولايات المتحدة وبالتالي توصل رسالة للغرب بأن لديها بدائل متاحة بعد فشل منظومات إقليمية كالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي".
لكنه استدرك قائلاً إن مشروع البحر الأحمر خصوصا السياسي يعتمد على ركنين أساسيين هما مصر والسعودية "وكلاهما له أهمية سياسية واقتصادية كبرى في المنطقة لكن بخلاف ذلك فباقي الدول الموجودة في المشروع ضعيفة ووزنها السياسي ليس ذو شأن كبير إلا أنه ومن دون شك فتلك خطوة هامة لفك العزلة السعودية والرد على فشل مجلس التعاون الخليجي".
لكن سباستيان سونز الباحث بالجمعية الألمانية للسياسة الخارجية وخلال مقابلة له مع DW عربية رأى أن "مثل هذه التحالفات لن تغير من توجه المملكة العربية السعودية الأساسي المؤيد لأمريكا لأسباب ليس أقلها الوضع الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط، وماتراه السعودية ودول الخليج من تهديد مستمر من جانب إيران بجانب اتساع الفجوة بين الجبهة المكونة من السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، والجبهة الأخرى المكونة بشكل ما من إيران و قطر وتركيا وإلى حد أقل، روسيا، لهذا السبب يعرف السعوديون أنهم بحاجة إلى الأمريكيين. وبناءً على ذلك، فهم يتسامحون كثيراً مع ترامب وتصرفاته وتصريحاته".
مشروعات مثيرة للجدل.. ما الجدوى؟
في أكتوبر من عام 2017 أعلنت السعودية عن مشروع نيوم الهائل بقيمة نصف تريليون دولار بالاشتراك مع مصر والأردن بجانب المئات من المستثمرين الدوليين.
ومشروع نيوم هو أحد المشروعات العملاقة التي تقع في قلب رؤية الأمير محمد بن سلمان 2030 وكانت القيادة السعودية الجديدة تضع الكثير من الأمل عليه، على الرغم من اعتراض كثير من خبراء الاقتصاد السعوديين الذين رأوا ان مثل هذه المشروعات مصيرها الفشل لأنها لا تستند إلى دراسات جدوى حقيقة وأن الغرض منها استعراضي أكثر منه اقتصادي.
المثير في الأمر أن ولي العهد السعودي صرح بأن مشاريع نيوم قد فشلت بسبب هروب الاستثمارات الأجنبية على خلفية قضية مقتل خاشقجي، وذلك خلال اجتماعه مع عدد من رجال المال والأعمال، وهي التصريحات التي نقلتها عنه صحيفة الفاينانشيال تايمز. سبق ذلك مقاطعة جهات دولية عدة لمؤتمر "دافوس الصحراء"، ما سبب حرجاً شديداً للمملكة، واليوم تعود السعودية لتعلن إطلاق مشروع "شركة البحر الأحمر للتطوير".
لكن الكاتب الصحفي السعودي أحمد عدنان لا يرى الأمر بهذا السوء، ويعتقد أنه "إذا هرب المستثمرون اليوم فلابد أن يعودوا غداً لسبب بسيط وهو أن السعودية دولة محورية وتمثل فرصة اقتصادية كبرى لأي مستثمر" وبالتالي فإنه "عاجلاً أم آجلاً سينهض مشروع نيوم من جديد".
ويشير عدنان إلى أن أفضل طريقة للرد على الحملات العدائية التي تُشن ضد المملكة "إطلاق المزيد من المشروعات وتحقيق المزيد من الانجازات".