الخليج أونلاين-
خلافاً لسعي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتحقيق "رؤية 2030"، الهادفة إلى تنويع اقتصاد بلاده وفتح المجال للمستثمرين السعوديين والأجانب للاستثمار داخل المملكة، تكشف تقارير إعلامية متخصصة عن هروب جماعي لرؤوس أموال السعوديين من بلادهم.
ففي شهر نوفمبر 2018، توقّع بنك "جيه بي مورغان" (أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية) أن تصل تدفقات رؤوس الأموال إلى خارج السعودية خلال 2018، إلى 90 مليار دولار، كما توقّع تزايد حجم الأموال التي ستهرب من المملكة خلال 2019.
وحسب تقارير غربية، فإن رجال المال في السعودية باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل أية مشاريع بالسعودية، منذ حملة اعتقال الأمراء وكبار رجال الأعمال بفندق "ريتز كارلتون" تحت اسم "محاربة الفساد" في نوفمبر 2017، والتي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب.
أثرياء يتحينون الفرصة
كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن أثرياء السعودية يتحينون الفرص لتهريب ثرواتهم من البلاد؛ وهو ما دفع السلطات إلى تجميد كثير من الحسابات، وفرض مراقبة لصيقة من البنوك على حركة التحويلات المصرفية إلى خارج البلاد.
في السياق ذاته، تسبّبت حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بالثاني من أكتوبر الماضي، في إثناء عدد كبير من المستثمرين الأجانب والمحليين عن عدم الاستثمار في الاقتصاد المحلي؛ خوفاً من الخطوات غير المحسوبة التي من الممكن أن يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ورغم صرف الحكومة السعودية مليارات الدولارات لإنشاء مدينة "الملك عبد الله الاقتصادية"، التي أُسست لتخلق من الرياض مركزاً مالياً، فإن عدداً صغيراً من المستثمرين السعوديين أقاموا مشاريع خاصة في هذه المدينة شبه الفارغة.
أمير يتوسّل المستثمرين
وبسبب حجم الخسائر الكبيرة التي تسبب فيها رفض السعوديين استثمار رؤوس أموال داخل بلادهم، توسل أمير منطقة مكة المكرمة، خالد الفيصل، أبناء البلد، لعدم نقل أموالهم إلى خارج البلاد، واستثمارها في الداخل، وهو ما يشير إلى حالة عدم ثقة بمستقبل ثرواتهم داخل المملكة.
ونشر الحساب الرسمي لإمارة منطقة مكة تصريحات الفيصل، خلال جولة له، والتي قال فيها مخاطباً السعوديين: "اتقوا الله في بلادكم وفي أنفسكم، واستثمروا في الداخل".
الفيصل ظهر في المقطع وهو يرجو المستثمرين السعوديين العمل في الداخل، قائلاً: "أرجوكم، لا تلقوا بأموالكم إلى الخارج، ولا تستثمروها هناك، بل في بلادكم؛ فوالله هي أفيد لكم مليون مرة من الاستثمار خارجها".
وعن أسباب هروب المستثمرين السعوديين من الاستثمار داخل بلادهم، يرى الخبير الاقتصادي أحمد مصبّح أن الحالة الضبابية التي صاحبت المؤشرات الاقتصادية والقرارات الحكومية المفاجئة، انعكست بصورة مباشرة على حجم التدفقات الاستثمارية وحركتها إلى السوق السعودي، لا سيما المحلية منها، في إشارة إلى توسعات رجال الأعمال داخل السوق السعودي.
وأضاف مصبح في تصريح لـ"الخليج أونلاين": إنه "في ظل فشل نظام السعودة، وما نتج عنه من خروج عدد كبير من الوافدين أصحاب الكفاءات، وعدم وجود البديل المحلي ذي الكفاءة، فضلاً عن ارتفاع تكلفته، زادت الأعباء والقيود على المستثمرين السعوديين داخل المملكة؛ وهو ما دفعهم إلى الخروج من السوق والبحث عن مكان أكثر أمناً لأموالهم".
وتابع: "كذلك، فإن استمرار سياسة التقشف الحكومي وتخفيض الإنفاق رفع مخاطر أعمال الشركات السعودية العاملة في قطاعي الإنشاء والبناء؛ وهو الأمر الذي دفع كثير من الشركات المحلية إلى تقليص أعمالها، إضافة إلى أن "حملات مكافحة الفساد العشوائية (الانتقائية) رفعت حجم المخاوف لدى كثير من رجال الأعمال على ثرواتهم داخل المملكة، ودفعت جزءاً كبيراً منهم لتأمين تلك الثروات خارجها".
سياسة اقتصادية خاطئة
الخبير الاقتصادي شدّد على أن السياسة الاقتصادية الجديدة في "رؤية 2030"، القائمة على فرض الضرائب، تسببت بصورة غير مباشرة، في هروب المستثمرين السعوديين، لأن تبنّي المملكة سياسة ضريبية جديدة كان من تبعاته فرض أعباء إضافية على المواطنين وعلى أرباب العمل على حد سواء.
وبحسب مصبح، فإن هذه السياسات انعكست سلباً من خلال دورها في رفع الأسعار، وتخفيض القوة الشرائية للمواطنين، فضلاً عن الرسوم والضرائب المفروضة على الوافدين والتي دفعت جزءاً كبيراً منهم للخروج من المملكة، وهو ما انعكس سلباً على حجم الإنتاج والاستهلاك في السوق السعودي؛ ومن ثم على أرباح السعوديين.
وأكد أن استمرار انخفاض أسعار النفط في ظل فشل سياسات التنوع الاقتصادي، إضافة إلى عدم قدرة ولي العهد السعودي على البدء بشكل حقيقي بتنفيذ "رؤية 2030" التي وضعها، مع ارتفاع فاتورة الإنفاق العسكري غير المجدي اقتصادياً، سوف يؤثر كل ذلك سلباً في حركة الاستثمارات الأجنبية بالبلاد.
مصبح ختم حديثه بالقول إن ذلك سوف يدفع الكثير من المستثمرين للهروب، وهو ما من شأنه أن يُدخل الاقتصاد السعودي في حالة من الركود، قد تتصاعد وتيرتها بالمستقبل القريب، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وعدم إحساس المواطنين ورجال الأعمال بنتائج ملموسة لرؤية المملكة على أرض الواقع.