مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
يبقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان محور حديث الصالونات السياسية العربية والأجنبية، وتتصدّر صورته أغلفة المجلات العالمية، ولا سيما الغربية منها، إلى درجة اختارته مجلة "تايم" الأميركية، ضمن قائمتها لأكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم عام 2018، نظراً لإنجازاته الثورية في "عملية تحديث المملكة منذ تولّيه منصبه عام 2015، وتصدّيه للفساد، والقرارات المتعلقة بالمرأة، وجهوده في مكافحة التطرف"، وهذه العملية التي وجدت آثارها في وقت قصير وقياسي من شأنها التأسيس لإحداث تغييرات كبيرة في مختلف جوانب الحياة بالمملكة، الإجتماعية منها والسياسية والفكرية والثقافية، وصولاً إلى صناعة الإنسان السعودي الحديث، وهو المنحى الأكثر تطوّراً الذي يُعمل على تحقيقه في المرحلة الراهنة واللاحقة، وتسعى الأنظمة الاجتماعية الحديثة لتكريسه كنموذج للإنسان الجديد الذي يواكب النمو المتسارع لعصر التكنولوجيا المتطوّرة.
ولكن يبدو أن الأمير الشاب يواجه في سبيل تحقيق ذلك عوائق تحاول تأخير أو فرملة اندفاعته الطموحة، ولا سيما تلك التي تأتي من الخارج وخصوصاً من الغرب، مع العلم بأن ابن سلمان كان واضحاً في شرح رؤيته للعام 2030 بأنه سيجعل السعودية أرضاً مفتوحة للتلاقي بين الشرق والغرب على المستويات كافة، وستكون واحة للاستثمارات الخارجية ومحط الشركات الكبرى، ومن الطبيعي أن تكون أوروبا وأمريكا رائدتين في هذا المجال، ولكن لا يزال بعض الأقلام الغربية تمعن في تشويه صورته على الرغم من توسيع دائرة الإنفتاح في المملكة إلى أكبر مدى، من افتتاح المسارح ودور السينما والسماح للمرأة بالمشاركة في كل الفعاليات الفنية، وصولاً إلى تنظيم حفلات الغناء والرقص التي تعكس النمط الغربي وتروّج للثقافة الأمريكية في قلب السعودية التي كانت على مدى عشرات السنوات رمزاً ونموذجاً للسلوكيات التقليدية الإسلامية المتشدّدة، ولم يعد أمام ابن سلمان في سياق سياسته الثورية إلا أن يبادر إلى تشريع شرب الخمور، والسماح بزواج المثليين، وصناعة الأفلام الإباحية بممثّلين سعوديين وممثّلات سعوديات.
سبق أن قال عدد من الصحافيين الأميركيين أن محمد بن سلمان يعمل لكي يحكم السعودية خمسين عاماً، وأكد هذا الأمر محمد دحلان مستشار ولي عهد إمارة أبو ظبي بوضوح في حديث له لقناة العرببة بالقول: "إن الأمير محمد بن سلمان باقٍ في الحكم لمدة خمسين عاماً ويجب أن يتعايش الجميع مع هذه الحقيقة إلا إذا شاءت الإرادة الإلهية غير ذلك"، وكما عبّر ابن سلمان نفسه رداً على سؤال حول الموضوع: "الأعمار بيد الله"، فإن السعودية ستكون على موعد مع حكم سيمتد لعشرات السنين، مع ما سوف تحمله هذه السنين من انقلابات جذرية ستغيّر وجه السعودية ومنطقة الخليج بدولها وإماراتها وتالياً منطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيقود ابن سلمان باعتباره قائد مسيرة التجديد إلى الاتجاه نحو المزيد من الإنفتاح وقلع المزيد من العوائق الداخلية والخارجية، وإزالة القيود السياسية والأيديولوجية والاجتماعية أمام اندماج الفرد العربي في بوتقة المجتمع الجديد في عصر الحداثة وما بعدها.
وفي هذا السياق نستحضر ما قالته "تسفيا غرينفيلد" الكاتبة في صحيفة هآرتس، في مقال نشرته الصحيفة إبّان اندلاع الأزمة التي واجهتها المملكة عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في تشرين الأول من العام الماضي، إن "الأمير محمد بن سلمان هو الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ خمسين عاماً"، وأضافت إن "الإسرائيليين ظلوا لخمسة عقود يصلّون ويرجون من أجل حضور زعيم عربي رئيسي يوافق على توقيع اتفاق هام مع إسرائيل، وهذا القائد قد وصل أخيراً ممثلاً بمحمد بن سلمان"، معتبرة أنه "إذا ما وُضعت مبادرة السلام على الطاولة، فإنها ستمنح ولي العهد السعودي الفرصة لممارسة الضغوط، لأنه الزعيم الذي يرغب في إضفاء الشرعية على إسرائيل، قبل شروعه في التعاون المفتوح معها".
ولم توفّر "غرينفيلد" في مقالها انتقاد أنقرة التي تتخّذ هذه الجريمة ذريعة للعمل على تقويض الحكم في السعودية وتشويه صورة ابن سلمان، فالرئيس رجب طيب أردوغان - برأي الكاتبة - حانق على تعزيز موقع الرياض في ظل تحسّن العلاقات السعودية - الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب، ويضيره الدور المركزي الذي يلعبه ابن سلمان في التحالف الإقليمي برعاية الولايات المتحدة، الذي يهدف إلى وقف النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط، وهو تحالف يضم إسرائيل ودول الخليج والسعودية والأردن ومصر وربما العراق.
هذا التحالف - إذا كُتب له النجاح - سيقود فعلاً إلى تشكيل شرق أوسط جديد وستكون السعودية رأس الحربة في عملية تحقيقه، وهذا لم يعد سرّاً بل مشروعاً فعلياً يجري العمل على توفير مستلزماته، فتحت عنوان: "محاولة أمير سعودي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط" نشرت مجلة "نيويوركر" الأميركية تحقيقاً استقصائياً طويلاً للكاتب الأميركي ديكستر فيلكينز، تحدث فيه عن علاقة محمد بن سلمان بمستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير، وتنقل واقعة حصلت في قاعة المؤتمرات في البيت الأبيض، حيث التقى كوشنير بمساعدين من مجلس الأمن القومي، وقال يومها أحد المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع: "لقد أخرجنا الخريطة وقيّمنا الوضع، واستنتجنا أن الجزء الشمالي من الشرق الأوسط قد ضاع أمام إيران.. في لبنان، سيطر حزب الله على الحكومة، وفي سوريا، ساعدت إيران على إنقاذ الرئيس بشار الأسد من الكارثة العسكرية وهي الآن تعزّز مستقبله السياسي، أما في العراق فالحكومة، الموالية اسمياً لأميركا، أصبحت تحت سطوة طهران. وأضاف المسؤول نفسه: "وضعنا ذلك نوعاً ما جانباً، ثم فكرنا: إذن ماذا بعد؟ كان مرتكزانا إسرائيل والسعودية.. لا يمكننا أن ننجح في الخليج من دون السعودية".