ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

أبو ظبي بوابة إسرائيل إلى الخليج تحت عباءة البابا

في 2019/02/07

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

لا يناقش اثنان في أن الزيارة التي أجراها البابا فرنسيس إلى أبو ظبي تاريخية بامتياز، وعلى الرغم من أنها ليست الأولى لموقع مسيحي كبير إلا أن امتيازها يعود للكثير من الأسباب أوّلها إنها الأولى لرأس الكنيسة الكاثوليكية إلى بلد خليجي يحوي على أرضه من يعتنقون الديانات المختلفة ومنها المسيحية، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء إماراتيين على مستوى الهوية الوطنية، ولكنهم مسيحيون على مستوى الإنتماء للدين بمذاهب الكنيسة المختلفة، ومعظمهم جاء من بلدان مختلفة عربية وأجنبية، واستوطنوا في الإمارات وبات لهم موطئ عبادة. وثانيها أنها جاءت تحت عنوان "التسامح" التي أفردت لها الإمارات وزارة بالإسم نفسه، وفي ظل مبادرة "الأخوّة الإنسانية"، وهو غطاء واسع جداً لا يقف فقط عند حد التقاء الديانتين الإسلامية والمسيحية، التي تمثّلت بلقاء رأس الكنيسة البابا فرنسيس برأس المرجعية الاسلامية المتمثلة بشيخ الأزهر أحمد الطيب، فالزيارة كانت مناسبة لفتح باب كبير أمام الالتقاء بزعماء الديانات الأخرى، ولا يمكن نفي إمكانية هذا الالتقاء طالما أنه يندرج بالضرورة تحت عناوين التسامح والإنسانية والأخوة، التي تجمع عليها الأديان والمعتقدات.

تنافس إماراتي - سعودي

ولا يتركّز النقاش في تحليل هذه الزيارة، على ما حققته الكنيسة الكاثوليكية من مكاسب "إنسانية" ستجد ترجمتها على الأرض عبر إعطاء مزيد من الحرية للمسيحيين في الإمارات، التي تضم أكثر من 200 جنسية على أرضها، أو عبر زيادة الكنائس التي يبلغ عددها اليوم نحو 14 كنيسة من المذاهب المسيحية المختلفة، يمارس فيها المسيحيون، ومنهم مليون كاثوليكي، عباداتهم بمنتهى الحريّة ودون قيود أو شروط، بل وينعمون برعاية قد لا توجد في البلدان التي قدموا منها، وتمتاز الإمارات أيضاً أنها تحتوي على معابد من ديانات أخرى كاليهودية ومعتقدات كالهندوسية والبوذية، وكان زعماء هذه الديانات حاضرين في القدّاس الختامي للبابا. وعليه يصبح النقاش في الأهداف التي تقف خلف هذه الزيارة وفق رؤية الإمارات وتطلّعاتها، في ظل زحمة التطوّرات السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج، وخصوصاً في إطار تنافسها المسعور مع المملكة السعودية على تسيّد المنطقة، وهو هدف وضعت أبو ظبي نصب أعينها تحقيقه، وعملت دوماً على توفير عناصره ومعطياته ومقوّماته في مختلف المناسبات والميادين.

الإمارات والهروب من تهمة الموت

استبق البابا توجهه إلى أبو ظبي بدعوة المجتمع الدولي والأطراف المعنية إلى حل "النزاع اليمني" بالطرق السلمية، وطالب في كلمة ألقاها في الفاتيكان قبل ساعة من ركوبه الطائرة، ومن خارج النص المكتوب، بوضع حد لمعاناة الجوع والموت التي يعيشها أطفال اليمن، ومن الطبيعي أن تكون الإمارات معنية بهذه المطالبة كونها تشكّل جزءاً من التحالف الذي يخوض الحرب في اليمن إلى جانب حليفتها اللدود السعودية، وجدد موقفه هذا في كلمته التي ألقاها خلال الزيارة بالقول إن "الحرب لا يمكن أن تؤدي لشيء سوى البؤس، والسلاح لا يجلب إلا الموت... عواقبها الكارثية بادية أمام أعيننا.. أفكر بشكل خاص في اليمن وسوريا والعراق وليبيا"، ولم يقف الانتقاد البابوي عند حدود إدانة الحرب على اليمن، بل غمز من قناة بناء الصروح (ناطحات السحاب) التي تتميّز بها الإمارات، للدعوة إلى الإيمان والتواضع وعدم المغالاة في البذخ، وفي المقابل انطلق الكثير من الانتقادات الغربية لمصافحة البابا أشخاصاً تلوّثت أياديهم بالدماء، في حين اعتبرت منظمة العفو الدولية أن هذه الزيارة لن تفلح في "التغطية على سجل الإمارات المروّع في مجال حقوق الإنسان.."، فيما تساءلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن مصير الكثير من الأشخاص القابعين في السجون وغرف التعذيب، ممّن لم تتسامح الإمارات مع آرائهم الاجتماعية أو السياسية أو الدينية، وهو الاتهام نفسه الذي توجّهه منظمات حقوق الإنسان إلى السعودية، التي لم تصل بعد إلى حد "التسامح" الذي وصلت إليه أبو ظبي، وهو ما سيدفع الإمارات أكثر فأكثر إلى خطوات "انفتاحية" لتنزع عنها هذه الصورة السوداء.

أبو ظبي سبّاقة إلى .. إسرائيل

تأمل الإمارات في توظيف هذه الزيارة لتكريس مكانتها وموقعها كحلقة وصل بين الدول العربية والخليجية وبين العالم، وفرض نفسها محوراً لإلتقاء الأديان، ومحطة انطلاق للحد من الصراعات الدينية والمذهبية وتعميم مشروع التعايش السلمي بين أبناء هذه الأديان، وهي بذلك تمتاز كثيراً عن السعودية التي لا تزال بحاجة إلى الكثير من الوقت حتى تخرج من قوقعتها المذهبية وتصل إلى مستوى الإصلاحات والانفتاح التي وصلت إليها الإمارات، ومن هنا يمكن فهم تمثيل شيخ الأزهر في مصر أحمد الطيب للمرجعية الإسلامية، وعدم وجود أي شخصية دينية مرجعية سعودية تأخذ مكانة تمثيلية لعموم المسلمين السنّة. كما أن أبو ظبي ترفع شعار العداء للتطرّف الإسلامي ومكافحة الإرهاب الذي برع تنظيما القاعدة وداعش في إلصاقه بالإسلام، وتنتهج مبدأ الإسلام المعتدل الذي ينادي بالسلام و"التسامح"، ولن يكون هناك أفضل من هذه المظلة للمبادرة إلى استثمار مفاعيل الزيارة البابوية من خلال توسيع مروحة التلاقي لتشمل أي طرف يقف في الموقف نفسه ويتبنّى الشعار نفسه. والإمارات التي كانت السبّاقة إلى كسر المقاطعة العربية والإسلامية مع إسرائيل في المجالات الإقتصادية والدبلوماسية والتجارية، لن تجد مشكلة بعد اليوم في استكمال كسر المقاطعة بأوجهها الثقافية والدينية والاجتماعية، فإسرائيل أيضاً تقول إنها تكافح الإرهاب والإسلام المتطرّف وتسعى إلى السلام مع العرب، وبالتالي لم يعد هناك مانع حقيقي من الالتقاء الشامل معها، بما يشكّل خطوة تمهيدية فعلية باتجاه تكوين الحلف الأمريكي - الإسرائيلي - العربي الذي طالما أعلنت واشنطن نيتها إنشاءه.

متى وليس إذا

تعتبر أبو ظبي أنها حققت، من خلال زيارة البابا، السبق في فتح الباب على مصراعيه أمام تغيير جذري في الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بعنوان ديني، وهو ما تلقفته الأوساط الإسرائيلية التي لم ترَ في هذا الإنجاز مجرد قرار إماراتي رسمي لفتح كنيس يهودي تُمارس فيه الطقوس التلمودية علناً، فهذا الأمر محصّل مسبقاً، بل إن الانجاز الحقيقي يكمن في الاقتراب - العلني هذه المرة - أكثر من مواقع القرار العربي والخليجي، بحيث تصبح إسرائيل في صلب مكوّنات هذا القرار في مرحلة لاحقة، وفي هذا الإطار نقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن الحاخام اليهودي الأميركي مارك شنيير الذي كان حاضراً في أبو ظبي ويعمل مستشاراً في شؤون الأديان لدى أمراء الإمارات، قوله إن "الإجماع السائد بين كبار المسؤولين الإماراتيين هو أن العلاقات مع إسرائيل باتت قاب قوسين أو أدنى". وأضاف شنيير أنه تحدّث مع وزراء من الإمارات ومسؤولين كبار فيها، أكدّوا له أن "العلاقات مع إسرائيل لم تعد مسألة إذا بل أصبحت مسألة متى".